رئيس مالي الجديد يبدأ مهامه بتشكيل حكومة «المصالحة الوطنية»

وزارة الخارجية أسندت لعربي من تومبوكتو قاد تمردا في عقد التسعينات

TT

ثلاثة أيام احتاجها رئيس الوزراء المالي الجديد عمر تاتام لي، ليتقدم بحكومة حملت عنوان «المصالحة الوطنية» تأكيدا للشعار الذي رفعه الرئيس المالي المنتخب إبراهيما بوبكر كيتا، خلال حملته الانتخابية، ومواصلة للتعهدات التي قطعها كيتا على نفسه خلال تسلم مهامه الأسبوع الماضي، كثالث رئيس للجمهورية الثالثة في مالي.

كيتا الذي يرأس بلدا يصنف من بين أفقر خمسة بلدان في العالم، ودمرت الحرب اقتصاده بالكامل؛ اختار لرئاسة حكومته تاتام لي، وهو خبير اقتصادي سبق أن عمل في البنك الدولي وبنك مجموعة دول غرب أفريقيا؛ بيد أنه لا يملك خبرة كبيرة في العمل الحكومي، فأعلى منصب عمومي تولاه حين كان مستشارا في الرئاسة إبان حكم الرئيس الأسبق ألفا عمر كوناري (1992-2002).

ويعد تشكيل حكومة تمثل قطيعة مع الماضي، وعودة إلى المؤسسات الديمقراطية ونهاية فترة انتقالية استمرت منذ أبريل (نيسان) 2012، بعيد انقلاب 22 مارس (آذار) 2012، التحدي الأول الذي يواجه تاتام لي.

وستكون أولى مهام الحكومة تحقيق المصالحة الوطنية والدخول في مفاوضات مع المتمردين الطوارق في شمال البلاد، وذلك من أجل التوصل إلى حل نهائي لأزمة إقليم أزواد، وهي أزمة أرهقت الدولة المالية منذ الاستقلال حتى الآن.

وخرجت الحكومة الجديدة إلى العلن أول من أمس عبر مرسوم صادر عن الرئاسة المالية، لتضم 34 حقيبة وزارية. وكان أول ما لفت الانتباه فيها هو استحداث وزارة للمصالحة الوطنية وتنمية المناطق الشمالية، كلف بها الشيخ عمر ديارا، وهو دبلوماسي مالي، سبق أن كان سفيرا لدى الولايات المتحدة؛ وهي مهمة سيحظى فيها بدعم من وزير الخارجية الذهبي ولد سيدي محمد، العربي الوحيد في الحكومة الجديدة.

ويعتبر ولد سيدي محمد (65 عاما) واحدا من أبرز الشخصيات العربية في شمال مالي، حيث سبق أن قاد تمردا مطلع عقد التسعينات من القرن الماضي، حين كان يقود الجبهة الإسلامية العربية في أزواد، بعد أن انشق عن الحركة الشعبية لتحرير أزواد التي أسسها الزعيم الطوارقي إياد أغ غالي سنة 1988، بعد خلافات قوية مع هذا الأخير.

ينحدر ولد سيدي محمد من منطقة تومبوكتو، ويحمل شهادة عليا في الإدارة من جامعة السوربون الفرنسية؛ عاد إلى التوحد مع أغ غالي سنة 1992، حيث أصبح منسقا عاما لحركة جديدة جمعت العرب والطوارق أطلق عليها اسم «حركة الجبهات الموحدة في أزواد»، كان الهدف من هذه الحركة هو الدخول في مفاوضات بين المتمردين (عرب وطوارق) والحكومة المالية في مدينة تمنراست الجزائرية، وهي المفاوضات التي لعب خلالها الذهبي دورا كبيرا في تخلي العرب عن العمل المسلح وتوقيع الميثاق الوطني سنة 1992.

عمل ولد سيدي محمد طيلة تسعينات القرن الماضي مع منظمة غير حكومية نرويجية تنشط في شمال مالي؛ قبل أن يخوض مسيرة طويلة من العمل مع الأمم المتحدة في الكونغو وهايتي والصومال وساحل العاج وفي جنوب السودان، وربط آنذاك صلات وثيقة مع كبار الشخصيات في باماكو على رأسهم الرئيس الحالي كيتا ورئيس وزرائه تاتام لي.

ويملك ولد سيدي محمد شبكة علاقات قوية في منطقة الساحل الأفريقي، ونفوذا واسعا في الأوساط العربية في شمال مالي، مما يجعله رجل كيتا الذي يراهن عليه لإخماد التمرد وتحقيق المصالحة في مالي، خاصة أنه سيمثل الحكومة المالية بوصفه وزيرا للخارجية، في مفاوضات واغادوغو التي ستنطلق بعد شهرين مع المتمردين الطوارق وبقية الحركات المسلحة في الشمال.

إلى جانب منح حقيبة الخارجية لعرب تومبوكتو، منحت حقيبة البيئة والصرف الصحي للطوارق من خلال عثمان أغ عيسى، وهو أحد الطوارق الداعمين للدولة المركزية في باماكو، وأحد المنحدرين من منطقة غاو، شمال شرقي مالي؛ ولعب أدوارا مهمة في الحملة الانتخابية للرئيس الحالي كيتا.

الحكومة الجديدة التي وصفها الماليون بأنها «حكومة المصالحة الوطنية»، لم تخل من بعض الحقائب التي أسندت إلى شخصيات من الجيل الذي عايش السنوات الأولى من التجربة الديمقراطية في مالي، وعلى رأس هؤلاء يأتي اسم وزير الدفاع سوميلو بوبي ميغا، وهو مسؤول سابق في الاستخبارات، وتقلد عدة مناصب وزارية خلال حكم الرئيس الأسبق كوناري، والرئيس السابق أمادو توماني.

واحتفظ تاتام لي في التشكيلة الحكومية بستة وزراء من الحكومة الانتقالية السابقة التي قدمت استقالتها الأسبوع الماضي، يتقدم هؤلاء الجنرال موسى سيكو كولبالي الذي احتفظ بوزارة الإدارة الإقليمية (الداخلية)، والتي كان قد تولاها في أبريل 2012، وأشرف على تنظيم انتخابات رئاسية في ظروف وصفت بالصعبة، ويستعد الآن لتنظيم انتخابات تشريعية وبلدية خلال الشهر الجاري.

وفي هذه الأثناء ضمت الحكومة الجديدة وجوها جديدة على العمل الحكومي من بينهم المحامي المرموق في مالي محمد عالي باتيلي، الذي تولى وزارة العدل، ومن المنتظر أن يواجه سياسة مكافحة الفساد وإدارة ملف مذكرات توقيف أصدرتها الحكومة الانتقالية السابقة في حق عدد من قادة المتمردين الطوارق في شمال البلاد، هذا بالإضافة إلى منح حقيبة الاقتصاد والمالية للخبيرة الاقتصادية بواري فيلي سيسوكو، والتي سبق أن عملت في البنك الدولي.

وعلى الرغم من أن الحكومة الجديدة التي اعتمدها الرئيس المنتخب، خلت من أنصار منافسه في الشوط الثاني سوميلا سيسي؛ وضمت 11 وزيرا من الحزب الحاكم «التجمع من أجل مالي»، فإنها شكلت وفق بعض التوازنات الخاصة، حيث منحت وزارة التخطيط والسياسات الحضرية لأحد المرشحين الذين خسروا الشوط الأول من الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وهو عمدة إحدى بلديات العاصمة باماكو؛ وذلك ما اعتبره المراقبون حسابات انتخابية يسعى كيتا من ورائها لعقد بعض التحالفات لضمان أغلبية برلمانية في الانتخابات المقبلة.