عاهل المغرب يدعو إلى التعامل مع المهاجرين الوافدين على بلاده بطريقة إنسانية

الملك محمد السادس اطلع على تقرير عن أوضاعهم أعده المجلس الوطني لحقوق الإنسان

TT

دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى التعامل مع إشكالية المهاجرين الوافدين على المغرب، بطريقة إنسانية وشاملة، والالتزام بمقتضيات القانون الدولي، ووفق مقاربة متجددة للتعاون متعدد الأطراف، وذلك بعد اطلاعه على تقرير حول وضعية المهاجرين واللاجئين بالمغرب أعده المجلس الوطني لحقوق الإنسان.

وذكر بيان صدر أمس عن الديوان الملكي أن الملك محمد السادس، «اطلع على التقرير الموضوعاتي حول وضعية المهاجرين واللاجئين بالمغرب، المرفوع إليه من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وذلك طبقا للمادة 24 من الظهير الشريف (مرسوم ملكي) المحدث لهذا المجلس، وتفعيلا لاختصاصاته، كما هو منصوص عليها في المادتين 13 و17». وأشار البيان إلى أن التقرير، وبعد أن ذكر بأن المغرب كان دوما أرضا للهجرة استقبالا وعبورا، أبرز الرصيد العريق للمغرب كأرض لاستقبال المهاجرين، بفعل العلاقات التاريخية التي تجمعه بالبلدان الأفريقية جنوب الصحراء. كما تناول الإطار القانوني الوطني والدولي، الذي ينظم إقامة الأجانب بالمغرب، لا سيما منه دستور المملكة، الذي يضمن مبدأ عدم التمييز، وحق اللجوء، والمساواة في الحقوق بين المواطنين المغاربة والأجانب. ويقدم هذا التقرير أيضا توصيات بهذا الشأن، على ضوء تحليل التحولات الجارية المتعلقة بالمهاجرين واللاجئين. وأوضح البيان ذاته أن الملك محمد السادس «أخذ علما بالتوصيات الوجيهة للمجلس»، مؤكدا «اقتناعه الراسخ بأنه يجب التعامل مع إشكالية المهاجرين الوافدين على المغرب، التي هي محط انشغالات مشروعة وأحيانا موضوع نقاش وجدال واسعين، بطريقة إنسانية وشاملة، وفي التزام بمقتضيات القانون الدولي، ووفق مقاربة متجددة للتعاون متعدد الأطراف». وفي هذا السياق، ذكر المجلس الوطني لحقوق الإنسان في تقريره أن كون المغرب أضحى ملتقى لديناميات متنوعة للهجرة، يجعل منه، بشكل تدريجي، بلدا متعدد الأجناس، مشيرا إلى أن استمرار هجرة المغربيات والمغاربة، بشكل نظامي أو غير نظامي، وبروز وجود مهاجرين من دول بعيدة مثل الصين والفلبين والنيبال، يشهد على دخول المغرب في خانة الدول المعنية بعولمة التنقلات البشرية.

وأضاف تقرير المجلس أن هذا الواقع المعقد، الذي يشكل في نفس الوقت تحديا بالنسبة للمغرب وعامل غنى، يختفي وراء الصورة النمطية المختزلة، والمتداولة إعلاميا بشكل واسع، لذلك المهاجر المتحدر من أفريقيا جنوب الصحراء هائم على وجهه في الطرقات ولا يعيش إلا على إحسان الآخرين أو مجموعات المهاجرين الذين يحاولون بانتظام اختراق سياج سبتة ومليلية.

ولاحظ المجلس أنه، وفي مواجهة هذه الوضعية التاريخية غير المسبوقة، تتدخل السلطات المغربية حسب الحالات، من خلال خطوات متتالية، دون أن تتخذ مبادراتها، صبغة تصور شامل ومتكيف مع الواقع الجديد، مذكرا بأن قانونا بشأن «دخول وإقامة الأجانب والهجرة غير المشروعة» صدر سنة 2003. كما جرى في سنة 2007 توقيع اتفاق لاحتضان مقر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالمغرب يمنح المفوضية تفويض البت في طلبات اللجوء.

وبالموازاة مع ذلك، يضيف المجلس، وبدعم من الاتحاد الأوروبي، جرى وضع سياسة لمراقبة محاولات العبور بشكل غير قانوني للحدود، مكنت من تحقيق نتائج مهمة، كما رافق تشديد مراقبة الحدود حملات منتظمة لمراقبة الهوية وإيقاف المهاجرين في مختلف المراكز الحضرية أو في الغابات المحيطة بسبتة ومليلية، وقد خلفت هذه الحملات الكثير من حالات انتهاك حقوق المهاجرين في وضعية غير نظامية (توقيف اللاجئين، العنف وسوء المعاملة، الترحيل دون حكم قضائي)، يضاف إليها العنف الممارس على هذه الفئة من قبل المنحرفين والمتاجرين في البشر، فضلا عن أشكال العنف التي يعاني منها المهاجرون طوال رحلة الهجرة، والتي تطالهم أحيانا حتى قبل دخولهم المغرب. وبعد أن ذكر أن السلطات تعلل هذا الأمر بحقها في ممارسة اختصاصاتها فيما يتصل بإيقاع العقوبة جراء كل دخول إلى البلد أو الإقامة به بشكل غير قانوني، وبمحاربة الاتجار في الأشخاص ومكافحة محاولات عبور الحدود الدولية للبلاد بشكل غير قانوني خاصة في سبتة ومليلية، قال المجلس الوطني لحقوق الإنسان إن السلطات العمومية لا يمكنها في إطار اضطلاعها بهذه المهام عدم مراعاة المقتضيات الدستورية في مجال حقوق الإنسان وحقوق الأجانب وكذا الالتزامات الدولية للمغرب التي تكرسها مصادقته على مجموع الصكوك الدولية الخاصة بحماية حقوق الإنسان، لا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقية حقوق الطفل واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والاتفاقية الدولية لحماية العمال المهاجرين وأفراد أسرهم والاتفاقية المتعلقة باللاجئين. ويرى المجلس أن السياسة العمومية الجديدة، التي بات تنفيذها مستعجلا والتي يجب أن تشكل قطيعة مع الوضعية والممارسات الحالية، تقتضي إشراكا فعليا لمجموع الفاعلين الاجتماعيين والشركاء الدوليين للمغرب.

وفي هذا الصدد، قدم المجلس عددا من التوصيات لهؤلاء الفاعلين، فبالنسبة للبرلمان، دعا المجلس المؤسسة البرلمانية، باعتبارها المصدر الوحيد للمصادقة على القوانين، إلى التفاعل السريع والفعلي مع المشاريع المحالة عليها من لدن الحكومة، وكذا الإسراع بالنظر في مقترحات قوانين قدمتها فرق برلمانية بخصوص مناهضة التمييز ومكافحة الاتجار بالأشخاص.

أما بالنسبة لوسائل الإعلام، فإن المجلس دعاها إلى الامتناع عن نشر أي خطاب يحث على عدم التسامح والعنف والحقد وكراهية الأجانب والعنصرية ومعاداة السامية والتمييز إزاء الأجانب، واعتماد معالجة صحافية وتحليلات متوازنة لظاهرة الهجرة مع التركيز أيضا على جوانبها الإيجابية، ومحاربة الصور النمطية والخطابات السلبية حول الهجرة، والمساهمة بشكل فعال في توعية السكان حول العنصرية وكراهية الأجانب.

وبخصوص الشركات، دعاها المجلس إلى الامتناع عن تشغيل الأشخاص الموجودين في وضعية غير قانونية والعمل على تسوية وضع المستخدمين الموجودين في نفس الوضعية، وضمان المساواة في المعاملة من حيث الأجور والحقوق الاجتماعية، وتنفيذ برامج خاصة بالتوعية والتكوين حول عدم التمييز خاصة بالنسبة للمقاولات المتعاملة مع الأجانب. أما بالنسبة للمنظمات النقابية، فقد حثها المجلس على الأخذ بعين الاعتبار الوضع الهش للعمال المهاجرين وإدماج هذه الإشكالية في عملهم النقابي، وتنظيم حملات توعية لتشجيع انخراط العمال المهاجرين في النقابات، ودعم المهاجرين في مساعيهم للبحث عن تسويات عادلة لنزاعات الشغل.