المغرب يعزز الإجراءات الأمنية ضد الإرهاب بحلول ذكرى 11 سبتمبر

التهديدات التي أطلقها بلمختار أخيرا أدت إلى رفع درجة اليقظة والمراقبة

TT

شدد المغرب الإجراءات الأمنية في المطارات وحول مواقع السفارات والقنصليات والمصالح الغربية في البلاد. وقال مصدر مطلع لـ«الشرق الأوسط» إن الأمن المغربي رفع درجة الإجراءات الأمنية إلى ما فوق مستوى «اليقظة والمراقبة»، على أثر التهديدات الأخيرة لـ«حركة المرابطين»، التي تأسست أخيرا في شمال مالي، بعد اندماج جماعة «الموقعون بالدماء»، التي يقودها المتطرف الجزائري مختار بلمختار، مع جماعة «التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا»، المشكّلة من صحراويين وموريتانيين وعرب من شمال مالي، ومن أبرز قيادييها عدنان أبو الوليد الصحراوي، المسؤول العسكري للجماعة، وهو من قدماء جبهة البوليساريو، والموريتاني حمادة ولد محمد خيرو.

وكانت جماعة التوحيد والجهاد انفصلت في 2011 عن قاعدة المغرب الإسلامي، احتجاجا على هيمنة العناصر الجزائرية على قيادة التنظيم. وتضم الجماعة أعضاء سابقين في جبهة البوليساريو، الداعية إلى انفصال الصحراء عن المغرب.

وكانت أولى عملياتها اختطاف ثلاثة نشطاء إنسانيين (إسبانيين وإيطالي) في معسكرات جبهة البوليساريو في منطقة تندوف جنوب غربي الجزائر، ثم اختطاف سبعة دبلوماسيين جزائريين. وطالبت الجماعة بفدية تقدر بنحو 50 مليون دولار للإفراج عن المختطفين إضافة إلى إطلاق سراح صحراويين متورطين في قضايا إرهابية معتقلين في السجون الموريتانية. كما شاركت جماعة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا في تمرد شمال مالي العام الماضي، وسيطرت خلاله على مدينة غاوة والقرى المجاورة لها، وأعلنت فيها عن إمارة غاوة الإسلامية، قبل أن تجبرها الحملة العسكرية الفرنسية - الأفريقية على مغادرة المدينة.

أما جماعة «الموقعون بالدماء»، وهي من الجماعات المسلحة الأكثر إثارة للرعب في منطقة الساحل وجنوب الجزائر، فانشقت أيضا عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي نهاية السنة الماضية، عندما قررت القيادة المركزية للتنظيم تنحية بلمختار بسبب عدم انضباطه في إمارة فرعها في الصحراء، وعينت مكانه الجزائري جمال عكاشة الملقب «أبي الهمام». وأنشأ بلمختار جماعته الجديدة في مدينة غاوة، التي كانت تسيطر عليها جماعة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا. ومنذ ذلك الحين والجماعتان تنسقان بينهما ميدانيا وعسكريا وصولا إلى الاندماج الذي أعلن عنه في 21 أغسطس (آب) الماضي.

ويعد بلمختار، المعروف أيضا بلقب «الأعور»، من مؤسسي الجماعة الإسلامية المسلحة الجزائرية، مباشرة بعد عودته من أفغانستان نهاية 1993، والجماعة السلفية للدعوة والقتال، التي تحولت لاحقا إلى قاعدة المغرب الإسلامي. ومع مطلع الألفية الحالية، انتقل إلى شمال مالي التي اتخذها قاعدة خلفية لنشاط الجهاديين الجزائريين، والتي استعملها على الخصوص من أجل إخفاء الرهائن الغربيين الذين أصبحوا أهم مورد مالي لقاعدة المغرب الإسلامي. واندمج بلمختار مع السكان المحليين، وانخرط على الخصوص في تجارة تهريب السجائر والمخدرات التي تعبر المنطقة، وهو ما أدى إلى إطلاق لقب «مستر مارلبورو» عليه.

وفي بداية مارس (آذار) الماضي أعلنت القوات التشادية المشاركة في الحملة العسكرية بشمال مالي عن مقتل بلمختار ليختفي عن الأنظار إلى حين ظهوره بداية الشهر الحالي، في شريط الفيديو الجديد لجماعة المرابطين، الذي يستعرض فيه أسلحته وعتاده. وتضمن الشريط مشاهد تظهر بلمختار وهو يشرف شخصيا على التدريب والإعداد لعدد من العمليات الإرهابية، منها عملية حصار منشأة الغاز في عين أميناس (جنوب الجزائر) بداية العام الحالي، التي خلفت مقتل أزيد من 37 رهينة ضمنهم ثلاثة أميركيين، والهجومين الأخيرين بالسيارات المفخخة على مركز عسكري ومنجم لليورانيوم في النيجر، وهي عمليات خلفت أزيد من 20 قتيلا.

وأعلن بلمختار أنه لن يتولى قيادة تنظيم المرابطين الجديد الذي نشأ من اندماج الجماعتين، وأنه سيفسح المجال أمام دماء جديدة. وأشار بلمختار إلى أن هدف التنظيم الجديد هو توسيع مجال عمله ليشمل منطقة شمال وغرب أفريقيا، «من بلاد النيل إلى المحيط»، على حد قوله.

وتوعد بلمختار بعمليات إرهابية نوعية على طول شمال أفريقيا، من المغرب إلى مصر. وتحدثت تقارير عن سفر بلمختار وقادة جهاديون آخرون إلى ليبيا خلال الأسبوع الماضي للتزود بالأسلحة.

وتأتي هذه التحركات مع اقتراب ذكرى 11 سبتمبر، مما يزيد من تخوفات المسؤولين الأمنيين من تكرار الأحداث نفسها في سبتمبر (أيلول) الحالي، التي عرفت استغلال المتطرفين للمظاهرات التي نظمت العام الماضي أمام السفارات الأميركية في عدة عواصم للاحتجاج على الفيلم المسيء للرسول، وتحويل بعضها إلى أحداث عنف متفاوتة أبرزها الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي، الذي خلف مقتل السفير الأميركي في ليبيا وبعض معاونيه. كما خلف الهجوم على السفارة الأميركية في تونس أربعة قتلى. وفي المغرب حاول متطرفون شاركوا في المظاهرة اقتحام القنصلية الأميركية في الدار البيضاء.

ويرى الروداني الشرقاوي، المحلل السياسي المغربي، أن التحولات التي تعيشها المنطقة وحالة الاضطراب التي تعرفها بعض الدول، خاصة تونس وليبيا، وبعض المناطق من الجزائر التي تسيطر عليها قاعدة المغرب الإسلامي، بالإضافة إلى الأوضاع الخاصة في منطقة الساحل والصحراء، شكلت تربة خصبة لتفريخ الجماعات المتشددة التي تدين بالولاء لتنظيم القاعدة. وقال الشرقاوي لـ«الشرق الأوسط» إن التحركات الأخيرة لجماعة الموقعون بالدماء وحركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا تسير وفق مخطط يهدف إلى توحيد مختلف الجماعات النائمة في بلدان المنطقة والزج بها في معركة شاملة.

وأضاف الشرقاوي: «المغرب مستهدف بشكل كبير، خصوصا أنه يعد إحدى أهم قلاع الاستقرار في المنطقة، وآخر بوابة في اتجاه أوروبا». ويرى الشرقاوي أن المخاطر التي تمثلها هذه الجماعات ازدادت مع حصولها على الأسلحة والعتاد العسكري الليبي بعد سقوط نظام العقيد معمر القذافي، مشيرا إلى استعمال السلاح الثقيل في حصار منشأة الغاز في عين أميناس، والتوترات الأخيرة في منطقة جبل الشعانبي الحدودية بين الجزائر وتونس، حيث يقود الجيش التونسي عمليات عسكرية للقضاء على الجماعات المسلحة هناك، إضافة إلى القبض أخيرا على جماعات مسلحة حاولت التسلل عبر الحدود الموريتانية - الجزائرية على متن سيارات عابرة للصحراء مقبلة من ليبيا.

وأضاف الروداني أن على المغرب أن يتعامل بيقظة كبيرة مع ما يجري على حدوده التي تعرف ضغطا إرهابيا كبيرا. وقال: «هم يحاولون إعادة خلق الحالة نفسها التي تعرفها الحدود بين الجزائر وتونس على الحدود المغربية».

أما عبد الله الرامي، الباحث المتخصص في الجماعات الإسلامية، فيرى أن خطاب بلمختار لن يكون له صدى كبير في المغرب، مشيرا إلى أن الجماعات الإرهابية في الساحل، خاصة «الموقعون بالدماء»، وحركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، ليست لها امتدادات في المغرب. وأضاف الرامي: «هذه جماعات صغيرة انشقت عن تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، الذي توجد قيادته في الجزائر. ونشاط هذه الجماعات محدود في منطقة الساحل والصحراء وجنوب الجزائر. وليست لها أي امتدادات في المغرب».

وأشار الرامي كذلك إلى اختلاف الأولويات بالنسبة لعناصر السلفية الجهادية في المغرب مقارنة مع الجماعات المسلحة في الساحل. وقال: «الأولوية بالنسبة للجهاديين المغاربة في هذه المرحلة المطالب الحقوقية ودعم مطالب المعتقلين، فأغلبية قيادات التيار وعدد كبير من عناصره يوجدون في السجون. أما بالنسبة للجبهات الخارجية فيبدو أن الأولوية لديهم في الوقت الحالي في سوريا وليس شمال مالي».