انتصار كروي جلب للأفغان ليلة أفراح أنستهم هموم الحرب

فوز المنتخب الوطني لأفغانستان على نظيره الهندي غير وجه كابل بالكامل

TT

شهدت العاصمة الأفغانية كابل احتفالات صاخبة الليلة قبل الماضية في أعقاب انتصار المنتخب الأفغاني على نظيره الهندي والتتويج ببطولة اتحاد جنوب آسيا لكرة القدم، في أول بطولة دولية على الإطلاق في كرة القدم تفوز بها أفغانستان التي أنهكتها الحروب وأول فرحة عامة يمكن للمرء أن يشهدها هنا.

بمجرد انتهاء المباراة في الساعة السابعة تقريبا، تدفق الشباب إلى الشوارع محتشدين في قوافل من سيارات التاكسي والشاحنات التي جابت الشوارع لساعات، حاملين أعلاما أفغانية ضخمة ويصيحون ويهللون «عاشت أفغانستان».

ويقول خالد سادات، وهو بائع فاكهة تابع الاحتفالات الفوضوية في حي شاري ناو التجاري بوسط المدينة: «بعد ثلاثين عاما من الحرب، صارت أفغانستان بالنسبة للعالم رمزا للحرب والعنف فقط. اليوم أظهر شبابنا أنهم قادرون على أن يصبحوا أبطال العالم».

وحتى من دون وصف ذلك بالكلمات، بدا نزول الجميع في الشوارع احتفالا يتجاوز مجرد انتصار لكرة القدم، كان كما لو أن أمرا قد اقتطع بعد سنوات من الصراع والقمع والروتين اليومي القاسي من البقاء على قيد الحياة. فجأة، وجد الأفغان مناسبة للابتهاج الصارخ، لا يستطيع أحد أن يوقفه.

قرعت الأبواق دون توقف، وصدح راديو السيارات بالموسيقى الشعبية والوطنية الأفغانية. طغت الحشود الراقصة على دوائر المرور وارتسمت البسمة على وجوه رجال الشرطة. وانطلقت الصواريخ والألعاب النارية في السماء، ودوت أصوات الأعيرة النارية الاحتفالية، لكن لم يبد على أي من المحتفلين الخوف.

استخدم المئات هواتفهم الجوالة لتسجيل الحدث أو الاتصال بالأقارب خارج العاصمة حتى يتمكنوا من سماع الإثارة. لم تكن هناك نساء في الشوارع، في تذكير بالأعراف الاجتماعية المحافظة في أفغانستان، لكن كثيرين أشاروا إلى التنوع العرقي للحشود، ورأوا في ذلك بادرة أمل للوحدة الوطنية.

لم يغب على المحتفلين أن الأربعاء هو ذكرى هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. على الولايات المتحدة التي وصفت بلادهم بالملاذ للإرهابيين ودفعت بها في أتون حرب جديدة. انشغلت محطات التلفزيون الرسمية طوال اليوم بإذاعة مقاطع لسقوط برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ومقابلات مع خبراء حول الهجوم.

ولكن ما إن حل الليل، بدأ الأفغان في التحلق حول أجهزة التلفزيون في المخابز ومحال الأجهزة الإلكترونية لمشاهدة مباراة كرة القدم بين الهند وأفغانستان التي تبث على الهواء مباشرة من نيبال، وهو أمر لم يكن ممكنا هنا حتى قبل بضع سنوات، عندما كان هناك عدد قليل أجهزة التلفزيون أو القنوات التلفزيونية. ومع تسجيل المنتخب الأفغاني الهدف الأول، ثم الثاني، دون رد من المنتخب الهندي، دوى الهتاف في جميع أنحاء المدينة.

وقال محمد بصير، 30 عاما، مندوب تأمين كان من بين حشود المحتفلين: «نحن نحتفل لأننا عانينا كثيرا لفترة طويلة. لقد جلب انتصار هذا اليوم الأمل لجميع الأفغان. الآن يمكننا جميعا أن نحتفل بفرحة حقيقية في قلوبنا».

كانت المفارقة واضحة في كل مكان تقع عليه عينا المتابع للاحتفالات؛ فشاحنات الدفع الرباعي المفتوحة، التي كانت استخدمتها مجموعات طالبان من قبل لفرض رؤيتهم المتشددة للقيم الأخلاقية، مليئة بالشباب المبتهج، الذي ارتدى سراويل الجينز والقمصان. واكتظت أعمدة الساحات المرورية العامة، كتلك التي استخدمتها طالبان في السابق لشنق الرئيس الأفغاني في عام 1996. بجماهير المحتفلين.

يذكر أن ألعاب القوى، وإلى جانبها كرة القدم، كانت قد قوبلت بنوع من الرفض من قبل نظام طالبان، الذي أطيح به عام 2001، وكانت ملاعب كرة القدم تستخدم بدلا من ذلك في إقامة الحدود. وحتى الرقص والغناء جرى حظرهما، وكانت الاحتفالات أمرا لا يمكن تصوره.

قبل وصول حركة طالبان إلى حكم أفغانستان، قضى الكثير من الشباب الأفغان سنوات الدارسة الثانوية والجامعية في القتال، في البداية خلال الحرب ضد الاتحاد السوفياتي في الثمانينات، ثم أثناء حرب أهلية مدمرة في التسعينات دمرت أنحاء واسعة من كابل، وخلفت أكثر من مليون قتيل.

لكن الأفغان بدأ القلق ينتابهم خلال الأشهر الماضية، خوفا من انهيار الأوضاع مجددا بعد رحيل القوات الأميركية والأجنبية والانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها العام القادم. وهناك من أعرب عن توقعات بحدوث انهيار اقتصادي وفوضى سياسية وسيطرة طالبان على الحكم مرة أخرى.

ولكن لبضع ساعات ليلة الأربعاء ـ الخميس، في ظل أضواء النيون من المطاعم ومراكز التسوق الجديدة التي أضاءت الشوارع، وجيل جديد من الطلبة ومحبي الرياضة الذين سجلوا الاحتفال الكبير في الشارع على هواتف جوالة، اختفى الماضي القاتم وبدا المستقبل مشرقا.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»