عشيرة السعدون مهددة بالترحيل من مدينة الناصرية التي أسسها أجدادها

مسلسل التهجير يعود مجددا إلى العراق

TT

بعد أعوام من الاستقرار الأمني النسبي عاد أخيرا مسلسل التهجير القسري إلى جنوب العراق، خصوصا محافظتي البصرة وذي قار، بعد اغتيال عدد من مشايخ أهل السنة في مناطق الزبير وأبي الخصيب والفضلية، في حين وزعت منشورات تهدد بعض العشائر السنية وتطالبهم بالرحيل عن أماكن وجودهم، وخصوصا عشيرة السعدون (كبرى العشائر السنية في جنوب العراق) التي أسست مدينة الناصرية (مركز محافظة ذي قار) قبل أكثر من 140 عاما.

وفي حين أكد الشيخ عبد الكريم الخزرجي، مدير ديوان الوقف السني في المنطقة الجنوبية، وجود استهداف طائفي لأهل السنة فإن الشيخ عبد الله السعدون، أحد شيوخ عشيرة السعدون في محافظة ذي قار، حذر من أن مدينة الناصرية، مركز المحافظة، قد تخلى من أحفاد مؤسسيها.

وقال الخزرجي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك أيادي خبيثة تريد تفكيك النسيج الاجتماعي لمدينة البصرة، مدينة التآخي والمحبة»، مبينا أن «هناك منشورات وزعت على عدد مساجد وبيوت أهل السنة في المدينة تطالبهم بالرحيل عنها». وطالب الخزرجي الجيش العراقي بحماية المساجد والتحقيق في الاغتيالات التي طالت أكثر من 12 رمزا سنيا من أئمة جوامع وخطباء وشيوخ عشائر.

كما تلقت عائلات منشورات تطالبها بالرحيل عن المحافظة. وقال الشيخ أحمد الدوسري، أحد شيوخ عشائر مدينة الزبير، إن «منشورات وصلت إلى عدد من العائلات تحمل توقيع لواء «أنصار المهدي»، تطالبهم بترك المدينة وإلا سيكون مصيرهم الموت». وأضاف: «هناك أكثر من عشر عائلات تركت بالفعل مدينة الزبير واتجهت نحو غرب وشمال العراق والأردن بعد تلك التهديدات الطائفية».

وإلى الشمال من البصرة، وقعت اغتيالات بأسلحة كاتمة للصوت لعدد من أبناء عشيرة السعدون في الناصرية التي بناها على ضفة نهر الفرات جدهم الأكبر الأمير ناصر الأشقر باشا السعدون (أمير قبائل إمارة المنتفق) وسميت على اسمه عام 1870. وقال الشيخ عبد الله السعدون لـ«الشرق الأوسط» إن «هدف الجماعات المتطرفة هو إخلاء مدينة الناصرية من مؤسسيها الحقيقيين، وهذا الأمر مرفوض جملة وتفصيلا، وإن أبناء العشيرة تلقوا تهديدات من قبل جماعة تطلق على نفسها اسم (مجاهدون من ذي قار) تطالبهم بالرحيل». وتابع أن «أبناء السعدون من أعرق العشائر العربية في أرض العراق وأكثرهم وطنية، لذا نناشد كل شريف في العراق المساعدة في محاسبة كل العناصر التي تهدف إلى زرع الفتنة بين أبناء الوطن الواحد».

بدوره، قال حيدر سلمان، رئيس المجلس البلدي في ناحية الفضلية، إن: «المدينة شهدت عمليات اغتيال وتهديد لعدد من أبناء عشيرة السعدون من قبل بعض الجماعات المدعومة إقليميا، بهدف إذكاء الفتنة الطائفية وتمزيق النسيج الاجتماعي».

وكانت مناطق جنوب العراق شهدت بعد الغزو الأميركي عمليات قتل وتهجير على الهوية طالت مختلف المكونات من سنة وشيعة ومسيحيين وصابئة. واستقرت الأوضاع نسبيا بعد نجاح عملية «صولة الفرسان» التي نفذتها القوات العراقية في مارس (آذار) 2008 في الحد من نفوذ الميليشيات الشيعية في البصرة.

من ناحية ثانية، أعلنت دائرة الهجرة والمهجرين في محافظة بابل عن تهجير 35 أسرة من قضاء المحمودية وناحية اللطيفية (جنوب بغداد) إلى شمال بابل، لأسباب طائفية. وقال رئيس الدائرة، نصر عبد الجبار، في تصريح إن «الدائرة سجلت 35 أسرة مهجرة قسرا من قضاء المحمودية وناحية اللطيفية (جنوب بغداد) خلال اليوميين الماضيين إلى بعض مناطق شمال بابل، وذلك بسب الانتماء الطائفي والخوف من مسلحي تنظيم القاعدة». وأضاف عبد الجبار أن الدائرة «زارت خمس أسر مهجرة في منطقة الحيدري التابعة لناحية جبلة و17 أسرة في قضاء المحاويل، وثلاث أسر في ناحية النيل، والبقية في مناطق أخرى في شمال بابل؛ من أجل تقديم المساعدات الإنسانية من مأكل ومأوى وأغطية». كما وقعت عمليات تهجير في بعض نواحي قضاء المدائن (جنوب بغداد) لأسباب طائفية.

وكانت اللطيفية والمحمودية ضمن ما كان يطلق عليه خلال السنوات من 2004 إلى 2006 «مثلث الموت»، وهو الطريق الرابط بين العاصمة بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية والذي يمر في مناطق كانت تعتبر من حواضن تنظيم القاعدة إلى أن تمكنت القوات الأمنية من إعادة فرض سيطرتها على هذا الطريق. غير أن قيام مسلحين قبل أكثر من أسبوعين بذبح عائلتين مكونتين من 18 شخصا في اللطيفية أعاد المخاوف من إمكانية عودة «مثلث الموت» وأعمال العنف الطائفي.

وفي سياق توضيحه لما يجري على صعيد عمليات التهجير الطائفي قال طلال الزوبعي، عضو البرلمان عن القائمة العراقية، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إنه «من غير الممكن قراءة المشهد السياسي بمعزل عن سياقه العام وفي إطار المشروع الذي جاء به الاحتلال الأميركي للعراق؛ إذ انتقل العراق بعد عام 2003 من دولة مواطنة، بصرف النظر عن مضمونها أو طبيعتها، إلى دولة مكونات طائفية وعرقية»، مشيرا إلى أن «الصراع قبل عام 2003 كان صراعا على السلطة بين الحكام والقوى السياسية، وهو ما كان يعبر عنه بالانقلابات أو حتى الثورات، لكن الصراع الآن انتقل إلى صراع مكونات تحقيقا لمشروع العزل الطائفي والعرقي الذي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الصراع بين المكونات بعد أن فشلت الحكومة من الناحية العملية».