الخرطوم تشن هجوما عنيفا على مبعوث أوباما وتعد مهمته «شوكة» لطعن العلاقات

دونالد بوث يغادر إلى جوبا.. وأبناء قبيلة دينكا نقوك يعودون إلى أبيي استعدادا للاستفتاء

دونالد بوث
TT

شنت الحكومة السودانية هجوما عنيفا على سياسات الولايات المتحدة الأميركية تجاه الخرطوم، وهددت بمنع المبعوث الخاص الجديد دونالد بوث من التدخل في شؤون البلاد الداخلية، واعتبرت مهمته محاولة لاستخدام قضية منطقة أبيي المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان «شوكة» لطعن العلاقات بين الدولتين، وشددت على أن تقتصر مهمته على رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

وقال وكيل الخارجية السودانية رحمة الله عثمان عقب لقائه بمبعوث الرئيس باراك أوباما الخاص أمس، إن السودان ينتظر منه تقديم رؤية جديدة ومتكاملة حول مهمته تدفع بالعلاقات بين البلدين، ولا سيما أن السودان - حسب رحمة الله - خبر المبعوثين الأميركيين بما يثير التساؤلات حول اعتمادهم وسيلة لإدارة العلاقات بين البلدين.

وقال المسؤول السوداني في بيان صحافي حصلت عليه «الشرق الأوسط» إنه مستغرب من سعي جهات لم يسمها لتضخيم قضية «أبيي»، ومحاولة ممارسة الضغوط بشأنها، وإن الطرفين كفيلان بحل المشكلة بعيدا عن الضغوط والأجندة الخارجية.

واشترط الوكيل على ضيفه أن يمر دوره كمبعوث خاص عبر رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، واصفا الأمر بأنه «استحقاق تقادم عليه الزمن، وكان ينبغي أن يتخذ منذ وقت طويل، لعدم وجود ما يربط السودان بالإرهاب».

وبلهجة استنكارية وصف بيان الخارجية السودانية قضايا النزاع في دارفور، وفي المنطقتين «جبال النوبة والنيل الأزرق» بالأجندة الوطنية، وقال إن الخرطوم تسعى لعلاجها بعيدا عن أي إملاءات أو ضغوط تحاول بعض الجهات فرضها على السودان.

وفي وقت سابق وقبيل سفره إلى بلجيكا، قال وزير الخارجية علي أحمد كرتي في تصريحات صحافية «نارية» بمطار الخرطوم، إن المبعوث الأميركي لا دور له في قضية أبيي، وإنهم لن يسمحوا له بالتدخل فيها، معتبرا وصف مبعوث أوباما للقضية بـ«الشائكة» رؤية سوداوية.

وكانت حكومة الخرطوم قد استقبلت بوث بفتور لافت، ولم يلتقه منذ وصوله للبلاد عصر الجمعة سوى رئيس اللجنة الإشرافية المشتركة لمنطقة أبيي الخير الفيهم، ورئيس السلطة الانتقالية لدارفور التجاني السيسي، ووكيل الخارجية رحمة الله عثمان، وحسب مصادر صحافية فإن المبعوث طلب لقاء وزير الخارجية بيد أن الخارجية اعتذرت له بحجة سفر الوزير إلى بلجيكا.

وبدا الاضطراب واضحا في تعامل الحكومة السودانية مع المبعوث الجديد، إذ سمحت له بمقابلة الخير الفهيم، وفي ذات الوقت، ندد وزير الخارجية برؤية الإدارة الأميركية لقضية أبيي. فبينما امتدح الفهيم ما سماه دور وجهود الولايات المتحدة الأميركية في تقديم «الحلول والنصح» للطرفين للوصول لحلول مرضية، فإن وزير الخارجية وصف الجهود الأميركية لحل مشكلة أبيي بأنها «شوكة» لطعن الاتفاقيات بين السودان وجنوب السودان، وأن حكومته لن تفتح له مجالا ولن تتعاون معه على الإطلاق، وأنه لن يجد قضية يفتح بها «بابا للجحيم» على السودان، ولن يكون بمقدوره تناول تلك القضية.

وبشأن استفتاء أبيي المزمع من جهة جنوب السودان وصف كرتي ما يردده مسؤولون جنوبيون عن إجراء الاستفتاء في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل بأنه «لا يتعدى الاستهلاك المحلي»، وأن الرئيسين البشير وسلفا كير عقب زيارة الأخير للخرطوم اتفقا على الترتيبات الانتقالية باعتبارها أولوية.

وكان الفهيم ذكر أنه أوضح لبوث أن إجراء الاستفتاء من طرف واحد يؤدي لعرقلة العلاقات بين البلدين، وأن الحسم النهائي للملف يقع تحت مسؤولية رئيسي البلدين والآلية الأفريقية رفيعة المستوى.

ويغادر السفير دونالد بوث الخرطوم اليوم متجها إلى عاصمة جنوب السودان جوبا، للقاء المسؤولين هناك باعتبار أن مهمته تشمل الدولتين.

على صعيد متصل، بدأت أسر من أبناء قبيلة دينكا نقوك رحلة عودتهم من جوبا إلى أبيي في خطوة استباقية استعدادا للمشاركة في الاستفتاء الذي يواجه صعوبات وتعقيدات بين دولتي السودان وجنوب السودان.

وقال مسؤول الإعلام في اللجنة القومية بجنوب السودان لدعم استفتاء أبيي أتيم سايمون لـ«الشرق الأوسط» إن عشرات الأسر غادرت مطار جوبا منذ أول من أمس، وإن رحلات العودة الطوعية من ولايات واراب وغرب بحر الغزال وأعالي النيل ودول المهجر ستستمر طوال هذا الأسبوع لنقل أكثر من 300 أسرة إلى أبيي للمشاركة في استفتاء المنطقة وتقرير مصيرهم بالانضمام إلى أي من دولتي السودان، معتبرا أن رحلات العودة تمثل ضغطا على جوبا والخرطوم والاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي، وقال إن «الجنوبيين عقدوا العزم على إجراء الاستفتاء في أكتوبر المقبل.. وهم يقفون مع هذا الحق بقوة».

وترفض الخرطوم إجراء الاستفتاء وفق المقترح الذي قدمه الوسيط الأفريقي بين الدولتين ثابو مبيكي في سبتمبر (أيلول) الماضي، وتطالب بتشكيل المؤسسات المدنية في أبيي قبل إجراء الاستفتاء، وشددت على أنها لن تقبل إجراءه من طرف واحد.

من جهته، كشف رئيس اللجنة السياسية العليا للاستفتاء دينق ألور لـ«الشرق الأوسط» عن عقد مؤتمر جامع في منطقة أبيي لتحديد الموعد الفاصل لقيام الاستفتاء. وقال إن هذا المؤتمر سيضم كل قطاعات المجتمع لعشائر قبيلة دينكا نقوك التسع، معتبرا أن المقترح الذي قدمه الاتحاد الأفريقي واضح وأن جوبا متمسكة به، وقال: «نحن الآن مستعدون لإجراء الاستفتاء في موعده إذا قبلت به الخرطوم أو رفضت.. وشعب جنوب السودان يقف جميعه خلف أبناء وبنات أبيي لتنفيذ تقرير مصيرهم».

وأكد ألور: «التقيت بمبيكي عند زيارته الأخيرة إلى جوبا ولم يشر مطلقا إلى تأجيل الاستفتاء.. بل كان ثابتا في موقفه»، كاشفا عن اجتماع مشترك سيتم عقده في الأسبوع القادم في نيويورك بين مجلسي الأمن الدولي والسلم والأمن الأفريقي بخصوص أبيي، قائلا إنه سيتطرق إلى إجراء الاستفتاء والترتيبات اللازمة له.