قوات الأمن المصرية تنجح في تحرير مدينة «كرداسة» من سيطرة إسلاميين مسلحين

أنصار مرسي حولوها لمقر عمليات ضد السلطة.. وسكانها يصرحون لـ «الشرق الأوسط» أنهم كانوا يرون الفزع كل ليلة

قوات أمنية تفرض نقطة تفتيش على الطريق الرئيس المؤدي إلى ضاحية كرداسة أمس بالتزامن مع عملية اقتحامها (رويترز)
TT

«كان الخروج من بيوتنا بإذن.. والدخول بكشف هيئة.. وكنا ننام بعد صلاة المغرب مباشرة.. وأولادنا لو خرجوا للعب يتم الاعتداء عليهم»، عبارات بسيطة وصف بها الشاب العشريني محمد نور، حال مدينة كرداسة المصرية، قائلا: «الآن بعد 35 يوما من هجمات المسلحين نستطيع أن ننام في حماية الأمن.. لا البلطجية». حال الشاب نور شبه حال الآلاف من سكان «كرداسة»، المدينة السياحية المشهورة بمنتجات الغزل والنسيج اليدوية بمحافظة الجيزة المجاورة للقاهرة، بعد أن داهمتها قوت الأمن أمس، لتطهيرها من العناصر الإرهابية المسلحة.

ودفعت وزارة الداخلية بعشرات المدرعات والمصفحات، ونشرت قواتها على جميع مداخل ومخارج كرداسة - بدعم قوي من وحدات عسكرية - لمنع هروب المسلحين من المدينة التي أحكم إسلاميون في مصر قبضتهم عليها بالمتاريس وحولوها لمقر عمليات ضد السلطة، منذ فض السلطات اعتصامي لأنصار الرئيس السابق محمد مرسي في رابعة العدوية (شرق) والنهضة (غرب)، يوم 14 أغسطس (آب) الماضي.

وعلت أصوات زغاريد الفرحة من السيدات في شرفات المنازل، صوت دوي طلقات رصاص أطلقها رجال الأمن لتمشيط المدينة، بينما كان محمد نور، يهتف مع الرجال والشباب في الشوارع ترحيبا بسيارات الجيش والشرطة المحملة بالجنود، وفي السماء حلقت مروحيات عسكرية.

«الشرق الأوسط»، كانت في كرداسة ورصدت اللحظات الفارقة في عمر المدينة التي كان يأتي إليها السياح من كل مكان في العالم، ومهمة تحرير المدينة من سطوة المسلحين المتشددين – على حد وصف أهل المدينة. وبالتزامن مع فض السلطات اعتصامي جماعة الإخوان المسلمين، شهدت كرداسة مذبحة بشعة في قسم شرطتها، راح ضحيتها 11 شخصا من ضباط وأفراد القسم، ومُثل بجثثهم على أيدي عدد من المسلحين، لتنال المدينة بعدها مساحة لا بأس بها من الاهتمام الإعلامي والشعبي.

وطيلة 35 يوما سيطرت على المدينة حالتا ترقب وتوجس، فضلا عن الغياب الأمني «القسري» بعد حريق القسم، الأمر الذي تسبب في تدهور الأوضاع الأمنية، خاصة لأصحاب المحال التجارية بالمنطق.

ويقول شاهد عيان من أهالي المدينة، إن «البعض يعتقد أن كرداسة لها ميول دينية، ويوجد بها عدد كبير ممن ينتمون لـ«الإخوان المسلمين»، ومما يدل على طبيعتها المتدينة نسبة التصويت في انتخابات الرئاسة أكثر من 90% لمرسي، في حين حصل المرشح الخاسر أحمد شفيق على 150 صوتا.

ويضيف شاهد العيان، أن «كرداسة منذ عزل مرسي أصبحت مقرا لعمليات المسلحين ضد السلطات». فيما توعدت مصادر أمنية بملاحقة الخارجين عن القانون.

وتقع كرداسة بالقرب من أهرام الجيزة ويشتهر أبناؤها بصناعة النسيج والمشغولات الفرعونية والريفية، لكن يوجد قطاع انضم للجماعات المتشددة، ومن بين القيادات الإسلامية في كرداسة الشقيقان عبود وطارق الزمر المتورطان في قتل الرئيس الراحل أنور السادات، كما تعتبر المنطقة مقرا لجماعات أخرى من تجار السلاح والمخدرات. وذكر شهود عيان أن كرداسة «مصدر سلاح قوي للمتشددين».

ويقول شاهد من المدينة يدعى الحاج محمد عبد الحميد، صاحب إحدى ورش التصنيع اليدوي للعباءات، إنه «منذ فض اعتصامي أنصار مرسي ومطارداتهم اتخذت هذه الجماعات من كرداسة المعزولة مقرا لها، وأقاموا حواجز خرسانية في مداخلها تحسبا لأي مواجهات محتملة مع الشرطة أو الجيش»، ويضيف: «كان أنصار مرسي ينظمون مسيرات في المدينة يوميا عقب صلاة العشاء رغم فرض حظر التجول المطبق على محافظة الجيزة بالكامل منذ أغسطس الماضي».

وأفاد عبد الحميد، بأن عناصر مسلحة من التيارات الإسلامية تفرض سطوتها على كرداسة وتمنع دخول الأمن والغرباء إليها، ووضعوا كميات من الرمال والحجارة في الشوارع الرئيسة لمنع حركة السيارات.

وتضم كرداسة 7 قرى وتعد من أهم المزارات السياحية غرب الجيزة. ويعمل غالبية أبناء المنطقة في الزراعة والتجارة، لكن تنامي نفوذ التيارات الإسلامية، خاصة من جماعة الإخوان والجماعة الإسلامية، حول حياة السكان إلى كابوس، وأدى تحالف التيارات الإسلامية مع مجموعات من البلطجية والمطلوبين للعدالة إلى تفاقم الوضع هناك.

ونظم أهالي كرداسة أمس، وقفات شارك فيها المئات تأييدا للشرطة والجيش، وأطلقوا الهتافات «الجيش والشرطة والشعب ايد واحدة».

ويقول محمد نور، وهو من شباب كرداسة، إن «المواطنين تسيطر عليهم حالة من الرعب منذ 35 يوما بعد أن احتل البلطجية أماكن ومساحات كبيرة من المدينة». ويسرد نور حال المدينة قبل اقتحام الشرطة والجيش لها أمس: «بالقرب من قسم شرطة كرداسة المتفحم، ذي الجدران الهاوية، تجد ما يشبه اللجان الشعبية، حيث يستوقفك أشخاص مسلحون بأسلحة آلية، للقيام بأعمال التفتيش الذاتي الدقيق، مع السؤال عن سبب قدومك لكرداسة وكأنها أصبحت منطقة حرب، ولن تتمكن من الدخول إلا بمساعدة أحد أصدقائك من سكان المنطقة».

وتفاقمت الأوضاع في «كرداسة» بعد حرق قسم الشرطة. وخرج عدة آلاف من أهالي وشباب المدينة في مظاهرات اعتراضا على الاعتداء على رجال الشرطة. وقبل أن تلجأ السلطات لاقتحام المدينة أمس، حاولت في البداية نزع فتيل الأزمة، وناشدت المسلحين بتسليم أنفسهم، وهي خطة كانت قد نفذتها بنجاح في عدة مناطق شهدت اضطرابات أقل حدة.

وطوق آلاف الجنود من الجيش والشرطة مداخل ومخارج الضاحية. واستخدمت القوات مروحيات لتوفير مظلة تأمين بمشاركة أكثر من 40 تشكيلا أمنيا ومجموعات قتالية من الجيش والشرطة مدعومة بالآليات العسكرية والسيارات المدرعة وسيارات فض الشغب. وبدأ الاقتحام في الساعات الأولى من يوم أمس، من كافة مداخل المدينة، مع تنبيه القوات على السكان عبر مكبرات الصوت، بالتزام البيوت وعدم ارتقاء أسطح العقارات. وقالت مصادر أمنية في مديرية أمن الجيزة، إن «القوات انقسمت بمجرد دخولها المدينة لفرق فصل وضبط وتأمين، قامت خلالها بتأمين كرداسة ومنع الدخول أو الخروج منها لضبط المطلوبين، بالإضافة لفرق فرض السيطرة التي انتشرت في كل أركان المدينة وخصوصا مناطق الزراعات.

فيما استمر تقدم القوات، حلقت مروحيات القوات المسلحة لتشكل ستار مسح جوي للتأكد من فرض السيطرة الأمنية. وقالت المصادر الأمنية إن «استخدام الطائرات بسبب صعود عدد من العناصر الإرهابية المسلحة أعلى أسطح العمارات والمدارس واستهداف قوات الأمن المتمركزة على الأرض بإطلاق الأعيرة النارية». وأضافت المصادر الأمنية، أن المواجهات أسفرت عن مقتل اللواء نبيل فراج مساعد مدير أمن الجيزة، وإصابة 9 مصابين، بينهم 5 ضباط و4 مجندين.

واستقبل أهالي المدينة القوات الأمنية بالتهليل والفرحة، لعودة السيطرة الأمنية للقرية مرددين هتاف «الجيش والشرطة والشعب ايد واحدة». وقام عدد من الأهالي بتوزيع المشروبات والحلوى والمأكولات على قوات الشرطة المتمركزة بمحيط قسم كرداسة، وعبر الأهالي عن سعادتهم البالغة في تحرير المنطقة من الإرهاب. وأكدوا أن العناصر المسلحة كانت تصيبهم بالفزع والرعب كل ليلة، خاصة في ظل غياب قوات الشرطة بعد حريق قسم كرداسة.

وضبطت الشرطة نحو 70 من المسلحين، وأكدت أنه صدرت بحقهم قرارات بضبطهم وإحضارهم من النيابة العامة على خلفية تورطهم في أحداث قسم شرطة كرداسة، والتعدي على رجال الشرطة وسحلهم والتمثيل بجثثهم، وقالت: إن «قوات الأمن تستهدف تطهير كرداسة من الخارجين عن القانون».

ويقول محمد نور: «كنا نتلهف لدخول الجيش والشرطة للتصدي للبلطجية الذين أرهبوا الأهالي وأحرقوا المنازل، إلا أننا نرى الآن الأمن يلاحق أنصار جماعة الإخوان والجماعة الإسلامية المتشددين».

وتوجه ضباط العمليات الخاصة إلى منازل المطلوبين في قضية مجزرة مركز الشرطة، الذين يتخطى عددهم الـ130 متهما. وقال مصدر أمني رفيع المستوي في مديرية أمن الجيزة، إنه «بالتنسيق مع ضباط العمليات الخاصة والأمن الوطني والعام والقوات المسلحة، جرت عدة مداهمات لبعض الأماكن أثناء اقتحام مدينة كرداسة بحثا عن قيادات الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية والجهادية، حيث جرى تمشيط المناطق بحثا عن القيادي الإخواني عصام العريان بعدما ترددت أنباء عن تواجده بمسقط رأسه في قرية ناهيا المجاورة لكرداسة، كما جرى تمشيط عدة مناطق بحثا عن قيادات الجماعة الإسلامية عاصم عبد الماجد والأخوان عبود وطارق الزمر، إلا أنهم تمكنوا من الهروب قبل عمليات الاقتحام، وحثوا الشباب على الاستبسال، والوقوف ضد قوات الشرطة والجيش».

وقال شاهد عيان من مدينة كرداسة، إن قيادات الإخوان والجماعة الإسلامية دعوا قبل عملية الاقتحام بساعات إلى تنظيم مظاهرة أمام مسجد الشاعر، أطلقوا عليها «يوم من رابعة»، للتأكيد على أنهم لا يخافون من عملية الاقتحام. وأضاف شاهد العيان أن «شباب الإخوان أقاموا منصة كبيرة ورفعوا شعارات اعتصام رابعة العدوية، وأعلاما لـ(القاعدة) وصورا للرئيس السابق مرسي وصورا لأشخاص قتلوا في فض اعتصام رابعة واستخدموا مكبرات الصوت، وشارك في الحشد عشرات السيدات من كرداسة وقراها».

وأوضح شاهد العيان، أن الشباب أكدوا أثناء التظاهر أنهم سيتصدون بقوة لقوات الأمن حال محاولتها اقتحام كرداسة، لكن انقطعت صلة العريان وعبد الماجد وباقي القيادات بالشباب عقب دخول قوات الأمن.

ووصفت جماعة الإخوان، الحملة الأمنية على كرداسة بأنها حملة «غير مناسبة» تستهدف المعارضين للإطاحة بمرسي. ونشرت الصفحة الرسمية لحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، بيانا قالت فيه أمس، إن «التطرف الأمني لن يجدي، ولن يحل الأزمات المتواصلة، فضلا عن أنها ستشعل ثورة الغضب ضد حكم العسكر».

من جانبه، أكد اللواء هاني عبد اللطيف المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية، أن القوات لن تتراجع إلا بعد تطهيرها من كافة البؤر الإرهابية والإجرامية، موضحا أن خطة اقتحام كرداسة اعتمدت على شقين أساسيين، الأول يتعلق بحصار كرداسة من الخارج ومن ناحية الظهير الصحراوي، والشق الثاني يتعلق بالمواجهة المباشرة مع العناصر الإرهابية والإجرامية، وهو الشق الذي تقوم به المجموعات القتالية التابعة للعمليات الخاصة.

في السياق ذاته، نعت الحكومة مقتل مساعد مدير أمن الجيزة، وقال بيان صحافي لمجلس الوزراء أمس، إن الدكتور حازم الببلاوي رئيس مجلس الوزراء، شدد مجددا على أن أمن الوطن والمواطن هو خط أحمر، وأن الحكومة لن تتهاون أو تُهادن الجماعات الإجرامية والإرهابية التي ترفع السلاح لترويع الآمنين.