ترشيح هندوسي مناهض للمسلمين لرئاسة وزراء الهند ينذر بانتخابات دموية

احتجاجات عنيفة عقب إعلان المعارضة اسم ناريدرا مودي لسباق قيادة الحكومة

TT

بدأ التحضير لأهم انتخابات تشهدها الهند منذ عقود، الشهر الحالي بالطريقة نفسها التي عادة ما تبدأ بها الانتخابات المتعاقبة هنا، بإعلان وحالة شغب مروعة. ففي نيودلهي، أعلن حزب المعارضة الرئيسي «بهاراتيا جاناتا» الأسبوع الماضي أنه اختار ناريدرا مودي، أحد أكثر السياسيين محل الخلاف في تاريخ البلاد، كمرشحه لمنصب رئيس الوزراء في الانتخابات العامة المقررة الربيع المقبل.

يعد مودي، رئيس حكومة ولاية غوجارات الواقعة غرب الهند، هندوسيا متعصبا يفتقر للتسامح اتهم بجرائم قتل جماعي. بدأ مودي يقلل من خطبه المطولة المعادية للمسلمين ولجأ بدلا منها إلى رسالة مختلفة معتمدة على سجل في غوجارات يعترف المعارضون أنفسهم أنه رائع. غير أن منتقدين يزعمون أن حزبه القومي الهندوسي قد أفاد من العنف في الماضي بين الهندوس والمسلمين، مستغلا إياه في محاولات إخفاء الفروق التاريخية للهندوس من حيث الطبقة الاجتماعية، وحملهم على التصويت ككتلة على طول خطوط دينية.

وعلى نحو ليس محض مصادفة، اندلعت احتجاجات ضخمة الأسبوع الماضي في أوتار براديش، أشهر ولايات الهند وأهمها على المستوى السياسي، بعد أن تداول مشرع من الحزب المنتمي إليه مودي، مقطع فيديو مزيفا لاثنين من الهندوس يعدمان على يد مجموعة من المسلمين. وقُتل أربعة وأربعون شخصا وتم تشريد 42 ألفا بسبب نهب القرى.

وأشار ريازات علي من بواري إلى أنه كان يتابع المشهد من غرفة خفية، حين داهمت مجموعة من الهندوس منزله وضربت أخاه ضربا مبرحا حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، وأطلقت على ابنة أخيه البالغة من العمر 18 عاما النار لترديها قتيلة. وقال علي، الذي كان يقيم في مخيم لاجئين في كاندلا خلال الأسبوع الماضي مع أطفاله الأحد عشر: «رأيت كل شيء. كان وابل من الرصاص ينهال داخل المنزل».

ربما تكون الهند أكبر الدول الديمقراطية في تعداد السكان في العالم، غير أن الحملات الانتخابية هنا عادة ما تذكيها مشاعر الكراهية وتسفك فيها الدماء. باختيار مودي، الخطيب العنيف الذي ملأ خطبه بعبارات معادية للمسلمين، أثار حزب «بهاراتيا جاناتا» احتمال أن تكون هذه الانتخابات الأكثر دموية منذ عقود.

يشكل الهندوس نسبة 80% من سكان الهند، فيما يمثل المسلمون نسبة 13%. ويقول وزير الداخلية الهندي سوشيل كومار شندي إنه كانت هناك بالفعل 451 قضية عنف طائفي العام الحالي، لتتخطى إجمالي قضايا العنف التي رفعت العام الماضي والتي بلغ عددها 410 قضايا. وحذر من احتدام العنف مع اقتراب الانتخابات.

بين شباب الحضر في الدولة، يحظى مودي بجاذبية نجم لموسيقى الروك. نصف سكان الهند تحت سن الخامسة والعشرين، والسواد الأعظم منهم لم يشهد من قادته أكثر من همسات هادئة من أشخاص في الثمانينات من أعمارهم على شاكلة رئيس الوزراء مانموهان سينغ. وبالمقارنة، يعد مودي خطيبا يتمتع بشخصية جذابة بدولة الهند الناهضة، وهي رؤية يجدها ملايين متورطون في اقتصاد متعثر مثيرة. بالنسبة لكثير من الهندوس، يعد جيدا على نحو مدهش. لكن بالنسبة للكثير من المسلمين، يعتبر بغيضا. في عام 2002. بعد مرور أقل من عام على تعيينه رئيسا لوزراء الحكومة في الولاية، اندلعت أعمال الشغب في غوجارات وراح ضحيتها أكثر من 1000 شخص، معظمهم من المسلمين. وجرى تعذيب الأمهات وحرق الأطفال وتمزيق أجساد الآباء إربا إربا.

زعم شهود عيان أن مودي شجع هذا العنف، وهو ما أنكره مودي بدوره. لم توجه إليه أي اتهامات مطلقا، لكن جرى اتهام مساعدين مقربين منه بإذكاء حالة الشغب. ويقول سومانت بانيرجي، وهو زميل بـ«المعهد الهندي للدراسة المتقدمة» في شيملا: «إنهم يرغبون في تشكيل كتلة تصويتية تتجاوز حدود الطبقة الاجتماعية، وسوف يوظفون الكراهية في ذلك».

لم تفعل أعمال الشغب شيئا سوى تعزيز الموقف السياسي لمودي. وبعد مرور أشهر، بعد أن وحد الكتلة التصويتية الهندوسية، قاد حزبه نحو انتصار ساحق في انتخابات الولاية. ومنذ ذلك الحين، هيمن على الشؤون السياسية في غوجارات، وتبقى أحمد آباد، أكبر مدن الولاية، معزولة عرقيا بشكل كبير، كما أن معظم المسلمين في الهند يكرهونه.

رفض مودي، 63 عاما، طلبات ترد إليه على مدى أشهر بإجراء مقابلة (قلما يتحدث إلى المؤسسات الإخبارية الغربية). ويقول جاي نارايان فياس، وهو قيادي بالحزب المعارض المنتمي إليه مودي، إنه لم يكن من اللازم إلقاء اللوم على مودي في أحداث شغب عام 2002 وإن حزبه لم يشوه صورة المسلمين. ويضيف أن «فلسفة حزب بهاراتيا جاناتا هي العدالة للجميع، دون استرضاء أي طرف». وأشار فياس إلى أن مودي كرئيس وزراء، قد يحقق الرخاء للهند ويخفف من حدة الفوضى السياسية بها. وأشار إلى أن الهند بحاجة إلى قائد قوي «لا يسمح بأن تكون الديمقراطية جواز مرور لسوء التصرف».

سوف يقف مودي في مواجهة ضد «حزب المؤتمر الهندي»، الذي لم يحدد بعد اسم مرشحه لمنصب رئيس الوزراء. الرأي الشائع عن سينغ أنه مسن جدا بصورة لا تسمح له بالمشاركة، فيما يشار إلى أن سونيا غاندي، رئيسة الحزب، مريضة. ولم يتضح بعد ما إذا كان راؤول غاندي، ابن سونيا غاندي، مهتما بالسعي لشغل المنصب أم لا.

«يكمن السبب وراء حاجة مودي لفرصة للقيادة في أنه أول سياسي منذ نهرو يضع رؤية اقتصادية واضحة»، هذا ما قاله تافلين سينغ، وهو مؤلف ومعلق كان يشير إلى جواهر لال نهرو، أول رئيس وزراء للهند، والذي أشار إلى أن جرائم الكراهية كان يثيرها في المعتاد قادة هنود إلى حد أنه لا يمكن إعفاء أي حزب أو سياسي بارز من المسؤولية.

تملأ مصانع السيارات الآن ضواحي أحمد آباد. ويقول رجال أعمال رفيعو المستوى إنهم أقاموا مصانع في غوجارات لأن مودي وفر لهم أراضي وكهرباء دائمة وقوة عاملة مرنة، وهو مزيج يندر توفره في معظم أنحاء الهند. ورغم أن غوجارات تضم 5% فقط من سكان الهند، فإنها تمثل 16% من إنتاجها الصناعي و22% من صادراتها.

من خلال التجول بين جمهور ناخبي مودي في مانيناغار في هذه المدينة الغربية، تتضح الآمال والمخاوف المحيطة به. الحي عبارة عن منطقة معزولة معظم أفرادها من الطبقة المتوسطة تضم منازل مرتبة ومباني سكنية أنيقة مقامة في شوارع مرصوفة، مع وجود نظام صرف يعمل وكهرباء باستمرار.

في أي دولة متقدمة، يمكن أن يكون حي مانيناغار عاديا. ولكن في دولة عادة ما تكون غالبية طرقها في حالة مزرية، ولا يستطيع معظم سكانها استخدام المراحيض، والكهرباء متقطعة إن وجدت، يعد حي مانيناغار بمثابة نموذج يحتذى به. بل إنه حتى أكثر الأحياء ثراء في نيودلهي ومومباي تفتقر لتلك الخدمات.

لكن عندما تقود سيارتك عبر ورشة إصلاح السيارات «إم إس»، يصبح هذا المشهد أكثر ظلمة. هنا، تكون الطرق وعرة ومتكسرة، والمنازل عبارة عن أكواخ أسقفها من القصدير، والقمامة في كل مكان وتفوح راحة الصرف الكريهة. ويشير سكان إلى أن هذه المناطق يسكنها مسلمون. وقال محمد يوسف، أحد سكان المنطقة وهو يصلح إطارا داخليا مثقوبا في عجلة دراجة قديمة: «ينبغي أن يكون المكان أفضل كثيرا، لكنه ليس كذلك».

* خدمة «نيويورك تايمز»