الحلقة الثالثة: الطبقة السياسية في ميانمار.. بين الجنرالات و«السيدة»

محامي انغ سان سو تشي لـ «الشرق الأوسط» : علينا ألا ننسى المعتقلين السياسيين

أنغ سان سو تشي زعيمة المعارضة الملقبة باسم «السيدة» (إ.ب.أ)
TT

تتمتع الطبقة السياسية في ميانمار باهتمام دولي نادر خلال السنتين الماضيتين، حيث يستقبل الرئيس الحالي تين سين استقبال «البطل» بعد أن أطلق عملية انفتاح نادرا ما تشاهد على المسرح الدولي. وبعد أن استقبل في واشنطن ولندن وغيرها من عواصم سياسية غربية بحفاوة وترحيب، يحاول تين سين وعمره 67 عاما التأكد من صلابة الدعم الغربي لبلاده وانفتاحها مع إبقاء العلاقات الاستراتيجية مع الصين. ولكن هناك صوتا سياسيا من ميانمار أكثر تأثيرا على الصعيد الدولي، وهو صوت أنغ سان سو تشي، الحاصلة على جائزة «نوبل» للسلام عام 1991، والتي خاضت معارك سياسية وشخصية لدفع بلادها نحو الانفتاح ولتقلص من نفوذ الحكم العسكري في البلاد.

بعد أن كانت الوجه الأبرز للمعارضة في ميانمار، أنغ سان سو تشي، الملقبة باسم «السيدة» أصبحت اليوم عضوة في البرلمان وتجول العالم بعد أن قضت 15 عاما تحت الإقامة الجبرية على مراحل متقطعة بين عامي 1989 و2010. وعند لقاء أنغ سان سو تشي، تبدو هادئة وقوية في آن واحد، تتكلم الإنجليزية بلهجة بريطانية منذ سنوات دراستها في جامعة أكسفورد العريقة. والتقت «الشرق الأوسط» أنغ سان سو تشي وتين سين ضمن لقائهما مع عدد من القيادات الشابة من حول العالم ضمن برامج محددة لتحسين نقاط التواصل بين ميانمار والعالم الخارجي، ولكنهما رفضا إجراء حوار صحافي، وكانت إجابتهما مقتضبة في جلسات مغلقة حول قضايا المسلمين والأقليات في البلاد.

ويشرح جاريد جينسر، المحامي الأميركي لأنغ سان سو تشي خلال سنوات فرض الإقامة الجبرية عليها أنها «تواجه معضلة لأنها كانت ناشطة سياسية وحقوقية، ولكنها اليوم سياسية، عليها أن تتصرف كسياسية مما يعني أن بعض الهالة التي كانت حولها تتغير». وجاء جينسر للمرة الأولى إلى ميانمار عام 2002، عندما كان يعمل في لندن وقرأ في إحدى الصحف عن معاناة أحد الناشطين السياسيين المعتقلين في البلاد وقرر الترافع عنه. وفي عام 2005 قاد جينسر حملة لوضع ميانمار على جدول مجلس الأمن لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان الشاسعة فيها. وأصبح جينسر عام 2006 المحامي الدولي الوحيد لأنغ سان سو تشي، بينما كان لديها مجموعة من المحاميين داخل البلاد. ولكنه لاحقا منع من السفر إلى ميانمار إلى حين نهاية عام 2012، عندما رفعت السلطات العسكرية اسمه من لائحة سوداء للممنوعين من الدخول إليها. وأضاف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك هناك انفتاح ملحوظ في البلاد وذات أهمية إقليمية وعالمية، ولكن الوضع الداخلي ما زال شائكا وبحاجة للانتباه وعدم نسيان ما تبقى من معتقلين سياسيين في البلاد، ناهيك بالأوضاع للأقليات مثل الكاشين والروهينغا».

وميانمار، الغنية من حيث المصادر الطبيعي من الغاز والنفط والأحجار الكريمة والمهمة استراتيجيا من حيث الموقع الجغرافي إذ تقع بين العملاقتين الآسيويتين الصين والهند، تجذب انتباه الغرب والصين في حين الوضع الداخلي للبلاد وخصوصا الأقليات لا يحظ بالانتباه الكافي للضغط على أنغ سان سو تشي وتين سين وغيرهما من ساسة لحمايتهم. وقال مسؤول من وزارة الخارجية البريطانية يتابع ملف ميانمار إن «سيادة القانون هو أمر أساسي، هل سيؤمن الشعب بأن الحكومة ستعمل بشفافية وتضمن حقوق الجميع؟»، لافتا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «النزعات الإثنية والعرقية موجودة في البلاد وستزال فقط عند بناء الثقة بين أبناء الشعب بغض النظر عن خلفيتهم العرقية». وأضاف: هنا يأتي دور المجتمع الدولي «لإبقاء الضغوط على الحكام والمؤثرين في البلاد ليعالجوا هذه القضية جذريا».

وسيكون الاختبار السياسي الأكبر لتين سين عام 2015، موعد الانتخابات العامة المقبلة للبلاد، والتي تطمح الناشطة السياسية أنغ سان سو تشي إلى خوضها بقوة وأن تصبح رئيسة البلاد عبرها. وأشار مساعدون لتين سين إلى أنه قد يقرر الاعتزال من الحياة السياسية بعد الانتخابات، معتبرا نفسه مسؤولا عن المرحلة الانتقالية للبلاد فقط. وتين سين، الجنرال البورمي المتقاعد، يعتبر جزءا لا يتجزأ من النظام العسكري ولكنه من جناح الإصلاحيين الذين سعوا لكسر عزلة بلادهم والاعتماد شبه الكلي على الصين التي باتت تتحكم باقتصاد البلاد حتى عام 2011 عندما بدأت عملية رفع العقوبات الغربية من عليها. ومنذ يوليو، بدأ «الخط الصيني – البورمي» للغاز الطبيعي بضخ الغاز الطبيعي عبر 1700 ألف ميل، ليشكل ستة في المائة من احتياجات الصين للغاز الطبيعي. وعلى الرغم من أن ست دول تقف وراء تمويل هذا المشروع، من بينها الهند وكوريا الجنوبية، تملك الصين 50.9 في المائة منه، مما يعني أنها تستطيع التحكم به. وهذا فقط نموذج من المصالح المتعددة والواسعة للصين في ميانمار، والتي لن تتخلى عنها في هذا الموقع الاستراتيجي الحيوي، ليزيد النفوذ الأميركي والغربي فيها.