سوريا: «داعش» أقوى التنظيمات الإسلامية وأكثرها تصادما مع «الحر»

أغلب مقاتليها من الأجانب.. وتنامي نفوذها يخيف المعارضة والغرب

TT

لم تتمكن كتائب «الجيش السوري الحر» من الدفاع عن مدينة أعزاز شمال حلب، قبل أيام، إذ خلال ساعات قليلة استطاع مقاتلو تنظيم «دولة العراق والشام الإسلامية» (داعش) السيطرة على المدينة وطرد عناصر لواء «عاصفة الشمال» منها. وعلى الرغم من توقيع اتفاق بين الطرفين أول من أمس، قضى بوقف إطلاق النار، ودخوله حيز التنفيذ أمس مع التزام «الدولة» بإطلاق سراح عدد من المعتقلين لديها، فإن المواجهة الأخيرة كشفت ضعف كتائب المعارضة أمام تنامي حجم الجماعات الإسلامية المتشددة.

ويثير تنامي النفوذ الإسلامي ميدانيا، وتحديدا في المناطق المحررة من سيطرة النظام السوري، مخاوف المجتمع الدولي والمعارضة السورية، التي تجد نفسها مضطرة أحيانا لمواجهة الكتائب الإسلامية في موازاة مواجهتها للقوات النظامية. ودفع هذا الواقع رئيس الحكومة السورية المؤقتة (حكومة المعارضة) أحمد طعمة، في أول تصريحاته بعد انتخابه، إلى التعهد بمواجهة مقاتلي تنظيم «القاعدة» في المناطق المحررة.

وعلى الرغم من أن العدو المعلن للجماعات الإسلامية المقاتلة في سوريا هو نظام الرئيس السوري بشار الأسد، فإن وتيرة الاشتباكات المتقطعة بين الإسلاميين ومقاتلين ينتمون إلى الجيش الحر تصاعدت في الآونة الأخيرة، وكانت آخرها اشتباكات أعزاز، شمال حلب. وباتت سوريا، مع طول أمد الصراع العسكري بين المعارضة والنظام، ملاذا لعدد كبير من الجماعات الإسلامية، لكن تنظيم «دولة العراق والشام الإسلامية» إضافة إلى جبهة «النصرة» يعتبران التنظيمين الأكثر قوة على هذا الصعيد. وفي حين يتمركز مقاتلو «الدولة» في مدن حلب والرقة ودير الزور، ينتشر مقاتلو «النصرة» في مدينة درعا جنوب سوريا.

وتمكنت «دولة العراق والشام الإسلامية»، وفق ما يقوله الداعية والخبير اللبناني في الجماعات الجهادية عمر بكري فستق، لـ«الشرق الأوسط» من تصدر الجهاديين في الشام، لأنها «رفعت شعار تطبيق الشريعة منذ اليوم الأول لدخولها ساحة الصراع السوري». ويعتبر فستق أن «الدولة» لم تكرر «خطأ جبهة النصرة في التحالف مع الجيش الحر قبل أن تفترق عنه لاحقا».

ويرى فستق أن «سبب الخلاف بين (الدولة) و(الحر) يعود إلى رغبة الأولى في الدخول إلى المناطق المحررة لنشر تعاليم الإسلام وتحقيق خدمات صحية ومعيشية وإغاثية، وهو ما لا تقوم به كتائب الحر مع تركيز جهدها على القتال». ويؤكد أن «معظم مقاتلي (الدولة) هم من الأجانب الذين جاءوا إلى الجهاد في سوريا، وهؤلاء لا يريدون التصادم مع أحد، لكنهم في الوقت نفسه يسعون لبناء الدولة الإسلامية وسيحاربون كل من يقف في وجههم».

في المقابل، يعزو ناشطون معارضون سبب الخلاف بين تنظيم «دولة الإسلام» والجيش الحر إلى «عدم الاتفاق على مبادئ القتال وتكفير التنظيم بعض الكتائب وقتل عناصر منها، مما أدى إلى الاشتباك في بعض الأحيان، خصوصا في مدينة الرقة وريفها». ويقاتل الجيش الحر، وفق ما يقوله أحد قيادييه لـ«الشرق الأوسط»، من أجل إسقاط نظام الرئيس السوري، في حين «ينطلق المقاتلون الإسلاميون من أجندة جهادية إسلامية لا تعنيها قيم الثورة ضد النظام المستبد القائم، بقدر ما يعنيها تحقيق هدفها بتأطير الحراك الإسلامي تمهيدا للوصول إلى الخلافة الإسلامية».

ويثير وجود التنظيم في المناطق السكنية استياء عدد كبير من السوريين، خصوصا بعد تدخلهم في الحياة العامة وفرضهم قيودا على السكان الذين يحاولون باستمرار اللجوء إلى كتائب الجيش «الحر» لحمايتهم من سلطة التنظيم القاسية.

وينقل موقع معارض على شبكة الإنترنت عن مقاتل يمني في صفوف تنظيم «دولة العراق والشام الإسلامية» بريف إدلب قوله لمجموعة من الناشطين «نحن مليار مقاتل. سنحارب أميركا والعالم لإنشاء دولة الخلافة وقتال المرتدين، ومنهم بعض كتائب الجيش الحر، حيث إن قتلهم واجب قبل قتال بشار الأسد».

وتنشر «دولة العراق والشام الإسلامية» خيما دعوية في عدة مناطق من سوريا، منها حلب وريفها. وهي لا تختلف من حيث الشكل عن الخيم الدعوية الأخرى للحركات الإسلامية مثل حركة «أحرار الشام». لكن سلوك مقاتلي «الدولة» يجعل من الخيم الدعوية التابعة لها ذات شهرة. ويقول أحد الناشطين إن ما يقوم به عناصرها في بعض المناطق والأرياف يظهر وكأنه «دعوة تمارس بقوة السلاح، وليس خيمة دعوية».

وفي قرى جبل الأكراد في الساحل السوري، يخرج تنظيم «دولة العراق والشام الإسلامية» عن نشاطه العسكري ليمارس سلطة اجتماعية، في ظل عدم تدخل فصائل الجيش «الحر» المقاتلة هناك، حيث يعلن قرى معينة كمناطق عسكرية مغلقة، و«يتصرف كما يحلو له ويسيء للمدنيين»، وذلك «بدعوى الأمر بالمعروف»، وفق ناشطين يقيمون في المنطقة.

ويعمد عناصر «الدولة» في هذه المناطق إلى منع الفتيات من اللعب وإجبارهن على العودة إلى بيوتهن لارتداء الحجاب. كما يمنعون الناشطين من التصوير والتنقل، ويفتشون السيارات بذريعة تأمين القرى. لكن شهود عيان عدة يؤكدون أن عناصر الدولة «لا يسرقون أو ينهبون ولا يكسبون من رزق الناس».

وفي حين ينطق بعض مقاتلي الدولة بلكنات غريبة أو عربية غير سليمة، وتختلف أشكالهم ولباسهم، فإنهم يشتركون في ملامح مظهرهم لناحية سمرة بشرتهم ولحاهم الطويلة. ويعرف عنهم عدم اهتمامهم بهندامهم ونظافتهم الشخصية كثيرا. وذكر أحد الناشطين أن بعض المجتمعات المحلية بريف اللاذقية الشمالي تلقبهم بـ«سلاحف النينجا».

وعلى الرغم من أن «جبهة النصرة» مصنفة أميركيا من بين الجماعات الإرهابية فإنها تحظى بقبول شعبي في المجتمع السوري أكثر من «دولة العراق والشام الإسلامية»، بسبب انتماء عدد كبير من السوريين إليها، على نقيض «الدولة» التي يشكل «الأجانب» النسبة الأكبر من مقاتليها.

وشهدت العلاقة بين «الدولة» و«النصرة» انشقاقات وصراعات عدة. إذ أعلن أمير تنظيم «دولة العراق والشام الإسلامية» أبو بكر البغدادي في التاسع من أبريل (نيسان) الماضي عن حل كل من تنظيم «دولة العراق الإسلامية» الذي يقوده بنفسه وتنظيم جبهة «النصرة» في الشام الذي يقوده أبو محمد الجولاني لدمجهما في التنظيم الجديد الذي سماه «الدولة الإسلامية في العراق والشام». وانشق نحو 70 في المائة من أعضاء جبهة «النصرة» بمحافظة إدلب إثر إعلان البغدادي هذا، لينضموا إلى التنظيم الجديد، وسارع الجولاني في اليوم التالي لاستنكار قرار البغدادي الذي قال إنه تم من دون مشورته، معلنا أن بيعته لن تكون إلا لأمير تنظيم القاعدة أيمن الظواهري باعتباره القائد الأعلى.

ولحسم الخلاف، أصدر الظواهري بيانا عاتب فيه الطرفين، وقرر إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل إعلان البغدادي دمج التنظيمين بحيث يكون كل منهما أميرا على تنظيمه، لكن تقديرات تفيد بانضمام نحو 90 في المائة من المقاتلين غير السوريين (المهاجرين) إلى «دولة العراق والشام الإسلامية» ليصبح هذا التنظيم المعروف بقربه من «القاعدة» الأقوى بين الكتائب الإسلامية.

وفي حين يعرف عن المقاتلين الإسلاميين تنظيمهم الشديد وقوتهم وصلابتهم في القتال، فإن تنامي وجودهم وقوتهم يثير مخاوف الدول الغربية بشكل خاص، ويثنيها وفق محللين وخبراء عن تقديم الدعم اللازم أو الأسلحة لقوات المعارضة السورية المتمثلة في كتائب «الجيش الحر»، على الرغم من تعهدها أكثر من مرة بدعمهم في مواجهة قوات الأسد.