لبنان: توجس من نشوء ميليشيات جديدة بعد خطة لتسليح شرطة البلديات

وزير الداخلية يشير إلى تدريب 350 عنصرا.. ولبنانيون يحنون لأيام «سلطة الحارس»

TT

أثارت الخطة التي أطلقها وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل بشأن تسليح حرس البلديات وتسليمهم مسؤولية حفظ أمن بلداتهم ومدنهم، الخوف من «شرعنة» إنشاء جهاز «أمن رديف» خاص بكل بقعة جغرافية، لا سيما أن غالبية البلديات تدين بالولاء لجهات حزبية وسياسية. وجاء توجه شربل هذا على خلفية التفجيرات المتكررة التي طالت مناطق لبنانية في الأشهر الأخيرة، وفي ظل غياب العدد المطلوب من العناصر الأمنية الكفيل بضبط الأمن في الشوارع.

وفي حين يعتبر وزير الداخلية، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» تسليح شرطة البلدية «خطوة إيجابية» لتمسك كل بلدية بالأمن ضمن نطاقها الجغرافي المسؤولة عنه، تتوجس بعض القوى السياسية من «تكريس مبدأ الميليشيات داخل كل بلدة ومدينة في حال لم تمتثل هذه العناصر لسلطة القانون».

وتحدد المادة 74 من قانون البلديات صلاحيات الشرطة التي تعد جزءا من مؤسسة البلدية، أي السلطة المحلية المنتخبة والتي تتمتع بالاستقلال المالي والإداري. ويتولى رئيس البلدية وفق القانون شؤون الأمن على المستوى المحلي أو ضمن نطاقه الجغرافي بواسطة شرطة البلدية، التي تتمتع بصفة الضابطة العدلية شرط أن لا يتعرض رئيس البلدية في تأدية هذه المهام للصلاحيات الممنوحة لسائر دوائر الأمن في الدولة.

ويشير وزير الداخلية إلى «البدء بتدريب 350 عنصرا من شرطة البلدية لمدة شهر ونصف، بهدف تمكينها من ممارسة دورها بحسب إمكانياتها ومخصصاتها»، لافتا إلى أن وزارته «ستمنح المتدربين أسلحة مرخصة منها على أن يتحملوا مسؤولية حفظ أمن الضاحية وغيرها من المناطق اللبنانية». ويسهب في الحديث عن «الدور الإيجابي الذي تمارسه بعض البلديات في تقليص نسبة الحوادث والجرائم»، موضحا أن دوريات يومية تسيّرها البلديات لمراقبة الوضع في مناطق عدة، من بلدة كفرشوبا جنوبا، وصولا إلى بلدة ضهور الشوير بمحافظة جبل لبنان. ويصر شربل على إيجابية خطوته إذ أن «من شأنها تطمين الناس وإراحتهم»، لافتا إلى أن بلدية الحازمية، قرب بيروت، ألقت القبض على تاجر مخدرات منذ أيام.

وفي موازاة تأكيد وزير الداخلية على انفتاحه على «نقاش أي اعتراض واستعداد الوزارة لتعديل المواد المتعارض عليها توافقيا، باعتبار أن الهدف الأساسي بسط الأمن ومحاربة الأمن الذاتي»، لا ينكر النائب في كتلة المستقبل «قانونية» وجود شرطة البلدية. لكنه، في الوقت ذاته، يبدي لـ«الشرق الأوسط» تخوفه من أن «تتحول إلى ميليشيات حزبية إذا تجاوزت إطارها القانوني وتنفلت الأمور بعدها»، مقترحا الاكتفاء باستخدام الشرطة للعصي عوضا عن استخدام السلاح الذي قد يؤدي بالوضع إلى ما لا تحمد عقباه، خصوصا في المناطق حيث تكثر الخلافات العائلية والعشائرية».

وفي حين امتنعت بلدية بيروت عن تسليح حراسها الذين يتجاوز عددهم الـ700. باعتبار أنهم غير مدربين كفاية لحمل السلاح، مستعيضة عن ذلك بتركيب كاميرات مراقبة مرتبطة بغرفة تحكم، بالتعاون مع الأجهزة الأمنية، وبتسيير دوريات راجلة، كان اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله، سباقا في اعتماد خطوة تسليح حرس البلدية.

ويعترف رئيس اتحاد بلديات الضاحية، رئيس بلدية الغبيري، محمد الخنسا باستباق الوزارة في اتباع هذه الخطوة. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: نرحب بخطة وزير الداخلية، لكننا بدأنا العمل منذ سنتين تحديدا بعد «حرب تموز» 2006. نظرا للظروف المحتمة التي فرضت آنذاك التواجد المكثف لشرطة البلدية، وكذلك اليوم، نافيا أن نكون قد كرسنا «الأمن الذاتي» من خلال استخدام شرطة البلدية في حفظ الأمن. ويشدد على أن «هذه الخطوة قانونية 100% لكن بعض الجهات السياسية تحاول تهميش دورها واعتبارها غير مسؤولة»، مذكرا بالدور الريادي الذي كانت تقوم به شرطة البلدية قبل سنوات الحرب الأهلية.

وفي سياق متصل، يرى رئيس بلدية الدكوانة، في منطقة المتن المحاذية لبيروت، أن «بإمكان شرطة البلدية أن تساهم في ضبط الأمن في شوارع وقرى لبنان». ويقول في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا مانع من تفعيل دور البلدية والاستفادة من صلاحيات حرسها للإشراف على راحة المواطن»، لافتا إلى أن «نسبة الجرائم والنشل تقلصت منذ اعتماد شرطة البلدية في الدكوانة عام 2010 من 90% إلى 50% حاليا». ويشير إلى أن 75 عنصرا يتبعون لبلديته، بينهم عناصر أمنية متقاعدة، خاضعة لتدريب محترف وتجيد كيفية التعامل.

ويعتبر محمد، وهو أحد عناصر شرطة البلدية في منطقة الغبيري، في الضاحية الجنوبية لبيروت، أنه «في الوضع الراهن نخاطر بأرواحنا خصوصا مع كثرة الانفجارات والفوضى الأمنية». ويوضح لـ«الشرق الأوسط أنه على كل عنصر عند التحاقه بشرطة البلدية وإجرائه امتحانا تمهيديا يخوله ذلك، أن يخضع لدورة مكثفة لمدة 3 أشهر تقريبا في معهد قوى الأمن الداخلي، حيث «نتعلّم خلالها تطبيق القوانين والأنظمة والتعامل مع المواطنين»، على حد تعبيره.

وفي حين يتفاوت راتب كل حارس أو شرطي وفق الإمكانيات المالية لكل بلدية، فإن تجربة تسليح حراس البلدية تعيد اللبنانيين إلى السنوات السابقة لاندلاع الحرب الأهلية وإحكام الميليشيات الحزبية قبضتها الأمنية، حيث كان للحارس سلطته وهيبته وسلاحه الأميري المرخص، ولم يكن دوره مقتصرا على تسجيل المخالفات وتنظيم حركة السير كما هو سائد اليوم. وتقول الحاجة أم أحمد، القاطنة في منطقة المزرعة في بيروت لـ«الشرق الأوسط»، إنه «كان لشرطي البلدية مكانته، فإذا همس همسة صغيرة بإمكانك رمي الإبرة وسماع رنتها على الأرض»، معتبرة أن هيبته كانت كما هيبة المخاتير ورؤساء البلديات الذين كانت لهم كلمتهم قبل سنوات الحرب.