الرئيس الأميركي يخول كيري التفاوض مع طهران.. ويبقي خيار القوة للتعامل مع المنطقة

أوباما يعلن معالجة ملف إيران النووي وحل النزاع العربي ـ الإسرائيلي أولويات إدارته الدبلوماسية

باراك أوباما يصافح الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بعد إلقاء الرئيس الأميركي كلمته في اجتماعات الجمعية العمومية بنيويورك أمس (أ.ف.ب)
TT

خصص الرئيس الأميركي باراك أوباما خطابه الخامس أمام الجمعية العامة للتطورات في منطقة الشرق الأوسط، مؤكدا عزم بلاده السعي وراء دبلوماسية إيجابية مع إيران لتخطي «التاريخ الصعب» بين البلدين. وكشف أوباما في خطابه في نيويورك صباح أمس عن تخويله وزير خارجيته جون كيري مسؤولية التفاوض مع الإيرانيين حول برنامجهم النووي في إطار دولي مع الاتحاد الأوروبي. وأعلن أوباما أن معالجة الملف النووي الإيراني وحل النزاع العربي – الإسرائيلي أولويات إدارته الدبلوماسية، بينما خصص جزءا من خطابه للرد على الانتقادات الموجهة له في معالجة الملف السوري من دون تقديم حلول جديدة للنزاع هناك.

وبدأ أوباما خطابه في الحديث عن أهمية «معالجة التحديات الدولية»، معتبرا أن «التقلبات الجديدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» نموذج على التحديات التي تواجه العالم. وعاد أوباما في نهاية خطابه إلى المطالبة بآلية فعالة للأمم المتحدة في معالجة الاضطرابات الداخلية ومنع «الصراع الداخلي» بدلا من العمل فقط على «منع الحروب بين الدول». وتحدث عن «إنهاء عقد من الحرب»، في إشارة إلى حربي العراق وأفغانستان، مؤكدا أن «العام المقبل، سينهي التحالف دولي الحرب في أفغانستان، مع تحقيق مهمته في تفكيك جوهر تنظيم القاعدة الذي هاجمنا في 11 سبتمبر (أيلول) 2001».

ولفت أوباما في خطاب استمر 42 دقيقة إلى أن «التقلبات الكبيرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أظهرت الانقسامات العميقة داخل المجتمعات، بينما يقلع نظام قديم والشعوب تتساءل عما سيأتي لاحقا». ولفت إلى أن «الحركات السلمية تلاقي ردا عنيفا، من الذين يقاومون التغيير ومن المتطرفين الذين يريدون سرقة التغيير». وأضاف: «النزاعات الطائفية عادت من جديد، وانتشار محتمل لأسلحة الدمار الشامل يلقي بظلاله على السعي وراء السلام»، معتبر أن «سوريا تشهد أقوى تصادم لهذه التطورات». وتحدث أوباما مطولا عن التطورات في سوريا، معتبرا أن رد «المجتمع الدولي لم يتناسب مع شدة التحدي في سوريا».

وأوضح أوباما أن «جهود الولايات المتحدة الدبلوماسية ستركز على المدى القصير، على قضيتين: سعي إيران للسلاح النووي، والنزاع العربي – الإسرائيلي». وأضاف: «بينما القضيتان ليست أساس كل مشكلات المنطقة، تشكلان مصدرا أساسيا لعدم الاستقرار منذ زمن طويل وحلهما سيساعد في وضع أساس لسلام أوسع».

وتحدث أوباما مطولا عن «عزلة» إيران والولايات المتحدة من بعضها البعض، مؤكدا رغبته في إنهاء تلك المرحلة. ولفت أوباما إلى أسباب عدم ثقة طهران بواشنطن، قائلا: «لقد شكى الإيرانيون منذ زمن من تاريخ تدخل الولايات المتحدة بشؤونها، ودور الولايات المتحدة في انقلاب على حكومة إيرانية خلال الحرب الباردة» في إشارة إلى الانقلاب على محمد مصدق عام 1953. ولكنه قال إن «الأميركيين من جهتهم يرون حكومة إيرانية أعلنت الولايات المتحدة عدوا وقامت – أو من خلال عملاء – باختطاف الأميركيين وقتل الجنود والمدنيين الأميركيين وهددت حليفتنا إسرائيل».

ولفت إلى أن «تخطي هذا التاريخ الصعب لن يحدث بين ليلة وضحاها.. ولكن إذا قمنا بحل قضية برنامج إيران النووي ستكون هذه خطوة أساسية في طريق طويل لعلاقة مختلفة مبنية على المصالح المشتركة والاحترام المشترك». وأكد أوباما أنني «منذ توليت منصبي، أوضحت في رسائل إلى المرشد الأعلى (علي خامنئي) وأخيرا إلى الرئيس (حسن) روحاني أن الولايات المتحدة تفضل معالجة مخاوفنا من البرنامج النووي الإيراني سلمي، لكننا مصرون على منع إيران من تطوير سلاح نووي». وكرر أوباما موقف بلاده العلني بعدم السعي لتغيير النظام الإيراني واحترام حق طهران بتطوير الطاقة النووية السلمية.

وأشاد أوباما بالتصريحات الإيجابية من قادة إيران، معتبرا أن تصريحات الطرفين «يجب أن تقدم أساسا للاتفاق ذات معنى، ومن الممكن أن نصل إلى حل يحترم حقوق الشعب الإيراني مع إعطاء العالم الثقة بسلمية البرنامج النووي». وأضاف: «كي تكون ذات معنى، يجب أن تكون هناك تصرفات شفافة ويمكن التأكد من دقتها، تضاهي التصريحات الإيجابية».

وقال أوباما إنه «بناء على التزام الرئيس الإيراني للتوصل إلى اتفاق، وجهت جون كيري للسعي وراء هذه الجهود مع الحكومة الإيرانية بالتعاون الوثيق مع الاتحاد الأوروبي – المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وروسيا الصين». وعلى الرغم من إقراره بصعوبة المسار، قال: «أؤمن بأنه من الضروري اختبار المسار الدبلوماسي.. والتزام حقيقي من إيران لمسار (دبلوماسي) سيكون جيدا للمنطقة والعالم». وكرر أوباما موقف إدارته بالالتزام بالسعي للسلام بين العرب والإسرائيليين، مؤكدا أن بلاده لن «تساوم على أمن إسرائيل أو دعمنا لوجودها كدولة يهودية». واعتبر أوباما أن «الوقت ملائم لدعم المجتمع الدولي كله لدفع الشعب إلى السلام». وطالب الجميع «بالمجازفة من أجل السلام». والتقى أوباما أمس بالرئيس الفلسطيني محمود عباس للتأكيد عن التزامه بدعم جهود عباس لإقامة دولة فلسطينية، بينما يستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن الأسبوع المقبل.

وفيما يخص سوريا. أعلن أوباما في خطابه عن 339 مليون دولار إضافية من المساعدات الإنسانية لسوريا، ليصل إجمالي الدعم الإنساني المالي الأميركي لسوريا 1.4 مليار دولار منذ بدء الأزمة. وستوزع المساعدات على عدد من وكالات الأمم المتحدة منها المفوضية السامية للاجئين وصندوق الأمم المتحدة للأطفال «يونيسيف». ولكنه قال إن «المساعدات لا تستطيع أن تتماشى مع وتيرة معاناة المصابين والمشردين». وأشار أوباما إلى المعارضة السورية، قائلا: «الولايات المتحدة وآخرون عملوا لدعم المعارضة المعتدلة ولكن المجموعات المتطرفة استطاعت أن تنتشر لاستغلال الأزمة». ويذكر أنه كان من المرتقب أن يلتقي وزير الخارجية الأميركي برئيس الائتلاف السوري أحمد الجربا والتي تعول عليه واشنطن لتقديم وجه «المعارضة المعتدلة».

وانتقد أوباما «حلفاء (الرئيس السوري بشار) الأسد التقليديين الذين دعموه بحجة مبادئ السيادة لحماية نظامه»، مضيفا أن «يوم 21 أغسطس (آب) الماضي، استخدم النظام الأسلحة الكيماوية في هجوم قتل أكثر من ألف شخص بمن فيهم المئات من الأطفال». واعتبر أوباما أن الأزمة في سوريا وزعزعة استقرار المنطقة تطرح تحديات أوسع للمجتمع الدولي، متسائلا: «كيف نرد على النزاعات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والنزاعات بين دول وداخلهم أيضا، وما هو دور القوة العسكرية لحل نزاعات التي تهدد استقرار المنطقة وتضعف كل المقاييس الأساسية للسلوك الحضاري، ما هو دور الأمم المتحدة والقانون الدولي في الرد على المناشدة من أصل العدالة؟».

ولم يقدم أوباما حلولا لمعالجة الأزمة السورية، قائلا إن «على المجتمع الدولي فرض حظر السلاح الكيماوي كنقطة أولية»، ولكن هناك خلافات شديدة تجعل من الصعب التوصل إلى اتفاق حول فرض حقيقي لهذا الحظر مع انقسام مجلس الأمن. واعتبر أوباما أن «الوضع في سوريا يعكس تناقضا موجودا في المنطقة منذ عقود: الولايات المتحدة تواجه الانتقادات للتدخل في المنطقة.. وفي الوقت نفسه الولايات المتحدة تلام بعدم التدخل بشكل كاف لحل مشكلات المنطقة».

وتحدث أوباما مطولا عن إعلانه الأولي بضرب سوريا ومن ثم التراجع، رافضا المنتقدين لسياسته ومعتبرا أن المعضلة ليست سهلة. وقال: «كنت أفضل دائما حلا دبلوماسيا لهذه القضية». واعتبر أن «الحكومة السورية اتخذت خطوة أولية من خلال إعطاء تفصيل لترسانتها والآن يجب أن يكون هناك قرار حاسم من مجلس الأمن للتأكد من التزام نظام الأسد بتعهداته ويجب أن تكون هناك نتائج في حال فشلوا في ذلك». وأضاف أن «الاتفاق بشأن الأسلحة الكيماوية يجب أن ينشط جهودا دبلوماسية أوسع للتوصل إلى حل سياسي في سوريا، ولا أعتقد أن عملا عسكريا من داخل سوريا أو من قوى خارجية يمكنه أن يحقق سلاما دائما، ولا تستطيع أميركا أو أي دولة أن تقرر من سيقود سوريا.. ولكن قائدا ذبح مواطنيه وخنق الأطفال بالغازات السامة لن يستطيع إعادة الشرعية لقيادة بلد مهمش». وشدد على أن «فكرة عودة سوريا إلى وضع ما قبل الحرب أمر خيالي». وهنا حدد إيران وروسيا بشكل أخص، قائلا إن «على روسيا وإيران التيقن بأن الإصرار على حكم الأسد سيؤدي مباشرة إلى النتيجة التي يخشونها: زيادة المساحة لنشاط المتطرفين». ولكنه في الوقت نفسه قال: «من منا يواصل دعمه للمعارضة المعتدلة يجب أن يقنعهم بأن الشعب السوري لا يمكنه أن يتحمل انهيار المؤسسات الحكومية وأن التوصل إلى حل سياسي غير ممكن من دون معالجة المخاوف الشرعية للعلويين وغيرهم من أقليات». وحدد أوباما مصالح واشنطن في سوريا، قائلا إنها «الوضع الجيد لشعبها، واستقرار دول جوارها والتخلص من الأسلحة الكيماوية والتأكد من عدم جعلها مأوى للإرهابيين». وفي إشارة إلى إيران، قال أوباما: «أرحب بنفوذ كل الدول التي يمكن أن تساعد في تحقيق حل سياسي للحرب الأهلية السورية».

وأعلن أوباما السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط وشمال أفريقية لما يتبقى من رئاسته التي تنتهي عام 2016. فقال: «الولايات المتحدة الأميركية مستعدة لاستخدام كل قواها، بما فيها القوة العسكرية لضمان مصالحها الأساسية في المنطقة، سنرد على أي تحرك عدواني ضد حلفائنا وشركائنا مثلما فعلنا في حرب الخليج»، في إشارة إلى تحرير الكويت عام 1991. وأضاف: «سنضمن التدفق الحر للطاقة من المنطقة إلى العالم، فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة بدأت تقلل تدريجيا من اعتمادها على النفط المستورد، ما زال العالم يعتمد على مصادر المنطقة للطاقة وأي اضطراب قوي قد يزعزع اقتصاد العالم بأجمعه». وتابع: «سنهدد الشبكات الإرهابية التي تهدد شعوبنا، وأينما يمكن ذلك، سنبني قدرات شركائنا ونحترم سيادتها والعمل على معالجة أسس الإرهاب، ولكن عندما نضطر للدفاع عن الولايات المتحدة من هجوم إرهابي، سنقوم بعمل مباشر». وأنهى تكثير أولوياته قائلا: «أخيرا، لن نتحمل تطوير أسلحة الدمار الشامل أو استخدامها». وكان خطاب أوباما واضحا في أن «دعم الديمقراطية ليس من المصالح الأساسية التي سيعمل على حمايتها»، قائلا: «العراق أظهر لنا بأنه لا يمكن فرض الديمقراطية بالقوة».

ولفت أوباما باختصار إلى مصر، قائلا: «عمدا لم نختر طرفا لدعمه في مصر. وأضاف: «سنبقي علاقة بناءة مع الحكومة الانتقالية التي تدعم مصالحنا الأساسية مثل اتفاق كامب ديفيد ومكافحة الإرهاب». وأوضح أن «الولايات المتحدة ستعمل أحيانا مع حكومات لا تتماشى مع التوقعات الدولية العالية ولكن ستعمل معنا من أجل مصالحنا الأساسية ولكن لن نكف عن الحديث عن المبادئ التي تتماشى مع قيمنا».

وحذر أوباما من انسحاب بلاده من المسرح الدولي، قائلا: «على أميركا أن تبقي سياسة التواصل من أجل أمنها وأؤمن بأن العالم سيكون أفضل بهذه السياسة». ورد أوباما على روسيا بشكل غير مباشر مرات عدة في خطابه. وعند الحديث عن دور الولايات المتحدة في العالم، قائلا: «أعلم أن البعض قد يختلف معنا، ولكنني أؤمن بأن الولايات المتحدة دولة استثنائية». وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كتب مقالا في صحيفة «نيويورك تايمز» الأسبوع الماضي ينتقد فيها أوباما، قائلا إنه لا دولة «استثنائية» كما يدعي الأميركيون. واعتبر أن الخطر في العالم هو «إذا انسحبت الولايات المتحدة من العالم وتركت فراغا في القيادة الدولية».

وأطلق الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون النقاش العام للجمعية العامة بخطاب ركز على الأزمة السورية، مشددا على أن أي اتفاق حول السلاح الكيماوي السوري لا يحل الأزمة المتفاقمة هناك. وأما الرئيس التركي عبد الله غل فكان المتحدث الذي جاء مباشرة بعد أوباما، مؤكدا على أن السلام ليس فقط غياب الحرب بل نظام عالمي قوي، اعتبره غل مهددا الآن بعد «الأزمات الأسوأ وهي النزاعات الداخلية» التي تحتاج إلى «نظام داخلي».

وتحدث غل عن «المأساة» في سوريا، مطالبا الأمم المتحدة بلعب دور بناء. وقال إن «عدم تحرك مجلس الأمن يشجع الأنظمة القمعية»، موضحا أن «سوريا بلد عظيم ومن المخزي أن مجلس الأمن فشل في تحمل مسؤوليته في هذه القضية، من المؤسف أن توازن القوى السياسية منع حل هذه الأزمة». واعتبر غل أن الوضع في سوريا يشكل «تهديدا حقيقيا لأمن المنطقة واستقرارها، وأزمة اللاجئين تشكل مخاطر للدول المضيفة». وشدد غل على أهمية التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية، منددا بـ«التوسع الاستيطاني». وشدد على أن الاحتلال يمثل «تهديدا لمبدأ العدالة كليا».

ويذكر أن وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف حضر خطاب أوباما، بينما حضر مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري خطابي أوباما وغل، ولم يحضر وزير الخارجية السوري وليد المعلم.