معركة «اليونيسكو» تطبخ على نار حامية.. والمنافسة تدور رحاها بين المديرة الحالية ومرشحين من جيبوتي ولبنان

ترشيح جوزيف مايلا يعيد خلط الأوراق.. والعرب منقسمون على أنفسهم

TT

مع اقتراب موعد انتخاب مدير عام جديد لمنظمة التربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو)، وهي إحدى أبرز المؤسسات المتفرعة عن الأمم المتحدة، الذي سينطلق في الرابع من الشهر المقبل في مقر المنظمة في باريس، أخذت الاتصالات تتسارع في العاصمة الفرنسية وفي العواصم المعنية لحشد الدعم وتوفير الأصوات للمرشحين المتنافسين. ويُنتظر أن تجري العملية الانتخابية خلال انعقاد الدورة الـ192 للمجلس التنفيذي المنوطة به هذه المهمة، على أن تصدق الجمعية العامة على اختياره في مؤتمرها الذي سيُعقد في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

ويخوض غمار المنافسة ثلاثة مرشحين، هم المديرة العامة الحالية، البلغارية إيرينا بوكوفا، التي تسعى لولاية ثانية، وسفير جيبوتي في باريس ولدى «اليونيسكو» ودول غربية أخرى، رشاد فرح، والبروفسور جوزيف مايلا الذي شغل مناصب أكاديمية وتعليمية في أرقى الجامعات العالمية، فضلا عن مناصب إدارية. ويحمل مايلا، اللبناني - الفرنسي الهوية، شهادتي دكتوراه في الفلسفة والعلوم الاجتماعية.

وتؤكد مصادر «اليونيسكو» التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أن الوضع الانتخابي «ما زال مائعا» حتى الآن، بمعنى أن الأمور غير واضحة أو محسومة سلفا. وحتى شهر مارس (آذار) الماضي، كانت الصورة أبسط، إذ لم يكن في الميدان سوى بوكوفا وفرح. الأولى تحظى بدعم أوروبي (غربي وشرقي) وأميركي ومن الدول الصناعية بشكل عام، بما فيها الولايات المتحدة وروسيا واليابان، والثاني حصل على تأييد الاتحاد الأفريقي في قمة أديس أبابا بداية العام الحالي ودعم الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.

بيد أن ترشيح جوزيف مايلا، بناء على طلب من رئيس الجمهورية اللبنانية، الذي جاء في الساعات الأخيرة من المهلة القانونية، أعاد رسم خطوط اللعبة الانتخابية، وخلط بعض أوراقها.

ينقسم المجلس التنفيذي الذي يتألف من 58 عضوا إلى ست مجموعات جغرافية، أكثرها عددا المجموعة الأفريقية (14 مقعدا)، تليها مجموعة الدول الآسيوية ودول الهادئ (12 مقعدا). وتنقسم أوروبا إلى مجموعتين؛ الغربية (تسعة مقاعد)، وتضم بين صفوفها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، والشرقية (سبعة مقاعد)، أبرز بلدانها روسيا والتشيك وسلوفاكيا. أما العرب، فلهم ستة مقاعد تعود لمصر والسعودية والجزائر والإمارات العربية المتحدة وتونس. ويتعين على المرشح الفائز أن يحصل على 30 صوتا. وتجري الانتخابات على عدة دورات ولا يبقى في الدورة الأخيرة سوى المتنافسين الأولين، ويمكن أن تحسم من الدورة الأولى في حال حصول أي من المرشحين على النصف زائد واحد.

وتؤكد مصادر وثيقة الصلة بـ«اليونيسكو» وعايشت عدة معارك فيها، أن الانتخابات المقبلة، وبعكس التقليد الذي عرفته «اليونيسكو»، جاءت بجديد؛ إذ عادة ما تكون إعادة انتخاب مدير عام «مجرد عملية شكلية»، بينما تنتظر المديرة الحالية بوكوفا «معركة حقيقية». وتعد هذه المصادر أن فشل بوكوفا من الفوز في الدورة الأولى سيكون بمثابة «لطمة على خدها، والأجدر بها أن لا تستمر في المنافسة».

ويعزى وضع بوكوفا لما تسميه المصادر ذاتها بـ«فشلها الإداري»، الأمر الذي وثّقه تقرير رسمي فرنسي حول عدد «النواقص» الإدارية والمالية والوظيفية لـ«اليونيسكو» في السنوات المنقضية. غير أن المقربين منها ما زالوا يؤكدون أنها «واثقة» من الفوز.

ونقلت المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أن السفير البلغاري في باريس أكد، بداية الأسبوع الحالي، أن في حوزته 35 رسالة خطية تؤكد دعم بوكوفا. وتحظى بوكوفا بعطف من بعض البلدان العربية، التي أعربت علنا عن تأييدها لها.

وما بين مرشح جيبوتي الأفريقي - العربي وبوكوفا، يسعى المرشح اللبناني الذي كان الأخير في الوصول إلى ميدان السباق، لاجتذاب الأصوات، وهو يراهن على صورة لبنان في العالم، وما يمثله من عيش مشترك، ومن تعددية دينية وثقافية ومن منبر لحوار الحضارات والأديان، على الرغم من مشكلاته المختلفة.

ويراهن مايلا على تجربته وخبراته وتاريخه في التعاطي مع الشؤون التي تقع في قلب مهمات «اليونيسكو» من تعليم وحوار فكري وثقافة السلام.

ويعتبر مايلا أن «اليونيسكو».. «منظمة مفتوحة»، وسعيه يتجه نحو «وجود إجماع» حول ترشيحه، وهو يؤكد أنه إذا فاز «فسيكون فوزا للبنان، وإذا فشل سيكون فشله هو»، أما بخصوص موقف الجامعة العربية، فيرى مايلا أنه جاء قبل إعلان ترشحه. وبأي حال، يرى مايلا أن الاقتراع السري «يعطي هامشا من حرية التصرف» للبلدان الناخبة، وأن ترشيحه يلاقي «أصداء إيجابية» من جهات كثيرة. وينشط مايلا، مثل المرشحين الآخرين، في القيام بلقاءات الوفود في باريس، كما قام بجولات خارجية منها إلى السعودية ومصر ووجهات أخرى، فضلا عن أنه يعول على ما يمكن أن تقوم به «الدياسبورا» اللبنانية المنتشرة في كثير من بلدان العالم.

وتقول المصادر التي تعرف عن قرب آليات عمل «اليونيسكو» ومجريات العملية الانتخابية إن «الوعود شيء، وما سيجري في الداخل شيء آخر»، وثمة فروق بين «حساب البيدر وحساب الغلة»، وفق ما يقول المثل اللبناني.