حزب الله يلاقي التقارب الأميركي ـ الإيراني بتبديل خطابه الداخلي

خبراء يربطونه بمصالح طهران مع الغرب ويعدونه «تكيفا» مع المتغيرات

TT

رسم خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الأخير، أول من أمس، ملامح تبدل في سياسات الحزب تجاه قضيتين داخليتين مرتبطتين بالأحداث الجارية في المنطقة، أولهما ترحيب الحزب بدخول القوى الأمنية الحكومية إلى معقله في الضاحية الجنوبية، وتولي مهام الأمن وتفتيش السيارات والتدقيق بهويات العابرين، والثانية مرتبطة بالسلاح الكيماوي السوري الذي نفى نصر الله وصول كميات منه، معلنا رفضه لامتلاكه «لأسباب شرعية» ودينية.

والحزب الذي صعد خلال الشهر الماضي من حدة مواقفه، تجاه الضربة العسكرية الأميركية التي كانت مزمعة على سوريا، بهدف «تقويض قدرة النظام السوري على استخدام السلاح الكيماوي»، بدا خطاب نصر الله، أقل حدة، مع تأكيده على ضرورة الحل السياسي في سوريا، وهو ما قرأ فيه مراقبون «محاولة من الحزب لتجنب صراع مع المجتمع الدولي»، كيلا تتضاعف العقوبات الدولية عليه.

غير أن اعتبار التبدل في القرار «مفصليا»، ينفيه الباحث السياسي قاسم قصير، الذي يرى في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن هذه الليونة «ليست تبدلا جذريا»، مشيرا إلى أن الحزب «أراد تطمين الداخل والخارج بأنه مرتاح وليس محشورا»، مستدلا إلى الارتياح «بهدوء نصر الله وتبدل لهجته». وأكد أن الارتياح «ناتج عن التقارب الدولي، وتحديدا الانفتاح الأميركي - الإيراني، والتغير على الساحة السورية».

ولم ينف قصير أن يكون التبدل في الخطاب، بعد شهر من التصعيد الإقليمي، «منسجما مع الأداء الجديد الذي يمثله الرئيس الإيراني حسن روحاني»، قائلا إن التغيير الملموس «يمكن ربطه بالمناخات الدولية، والتقارب الإيراني - العربي، إلى جانب التقارب الإيراني مع الغرب». وفي هذا السلوك، يقول قصير، إن نصر الله «حاول أن يريح جمهوره والوضع الداخلي اللبناني، بملاقاته منحى الانفتاح الإيراني».

ويعد التبدل في السياسة الدولية تجاه سوريا وإيران، الجانب الأهم من هذا التحول اللافت في خطاب حزب الله. ويقول الباحث السياسي الدكتور توفيق الهندي لـ«الشرق الأوسط» إن إعلان نصر الله رفضه للسلاح الكيماوي، «يتناقض مع استراتيجية الحزب الذي يركز على محاربة إسرائيل بهدف إزالتها»، مشيرا إلى أن «يراعي المجتمع الدولي، بعد تخلي الرئيس السوري بشار الأسد عن المعادلة الاستراتيجية للبقاء في السلطة، وهو الكيماوي السوري مقابل النووي الإيراني»، لافتا إلى أن التراجع عن المعادلة في الصراع مع إسرائيل «يهدف إلى تخفيف الضغوط وحذف إمكانية الضربة المباشرة على سوريا من جهة، وحزب الله من جهة أخرى».

وكان نصر الله، نفى أول من أمس، حصول حزبه على أسلحة كيماوية من سوريا، ردا على اتهامات وجهتها المعارضة السورية معتبرا أن هذا الاتهام «مضحك حقا»، قائلا، في كلمة عبر التلفزيون: «إننا نفهم أبعاد وخلفيات هذه الاتهامات الخطيرة التي لها تداعيات خطيرة على لبنان»، مؤكدا أن لدى حزبه «محاذير دينية بشأن امتلاك الأسلحة الكيماوية»، مضيفا أن ما قالته المعارضة السورية عن تسليم حزب الله أسلحة كيماوية «كذب».

وفي هذا الإعلان، لم يرح حزب الله جمهوره فقط، على ما يقول مراقبون، بل حمل رسالة تطمين إلى المجتمع الدولي، ورسالة تطمين أخرى للداخل اللبناني، ولفرقاء الحكومة. وأولى تجليات هذه الرسائل، تتمثل بتأكيد الرئيس اللبناني ميشال سليمان، في حديث لـ«الفيغارو» الفرنسية أن حزب الله «لا يريد الأسلحة الكيماوية»، مؤكدا أنه سبق أن انتقد رسميا تدخل الحزب في سوريا وطلب منه أن يبلغ عناصره بضرورة تطبيق سياسة لبنان بعدم التدخل في الحرب الدائرة هناك.

ويرجع الهندي السبب في تراجع حزب الله عن إعلان وجود سلاح استراتيجي لديه لمقارعة إسرائيل، علما أن الكيماوي «سلاح الفقراء مقابل السلاح النووي لدى الأغنياء»، إلى «وجود الرئيس الأميركي باراك أوباما في السلطة، كونه يذهب إلى الاتفاق مع إيران حول معادلة»، يقول الهندي إنها «لن تتحقق»، موضحا أنها تقضي «بتخلي إيران عن إنتاج القنبلة النووية وعدم تسخين الصراع مع إسرائيل، والاتفاق على هدنة طويلة مع حزب الله، مقابل الرضا الأميركي والغرب عن رفع العقوبات عن طهران، والسماح لها بالتمدد في المنطقة».

وتتفاوت التقديرات بشأن إعلان حزب الله رفضه لامتلاك سلاح كيماوي. ويقول قصير إنه «لا مصلحة للحزب بالقول إن له علاقة بالكيماوي، لأنه ليس دولة، فضلا عن أن قوته لا تتمثل بأسلحة دمار شامل، بل بتكتيكات وأسلحة نوعية يقاتل بها إسرائيل، ويفاجئها بها»، معتبرا أن «السلاح الكيماوي لا يخدمه، وهو ليس موجودا أصلا، وفي هذا الإعلان، يريح جمهوره من أعباء تثقله بعد شهر من التوتر نتيجة الحديث عن الضربة العسكرية على سوريا والتفجيرات التي تعرضت لها الضاحية».

وانسحب التبدل في خطاب حزب الله، على التبدل في المواقف من الدولة اللبنانية تجاه «تحمل مسؤوليتها في فرض التدابير الأمنية في الضاحية الجنوبية»، إذ أعلن نصر الله ترحيب الحزب بنشر القوى الأمنية الحكومية اللبنانية في المنطقة، بعد تصعيد تجاه الحكومية اللبنانية، خلال الأسبوع الماضي، متهما إياها الحزب بالتقصير تجاه أمن الضاحية.

ويرى الباحث توفيق الهندي أن «الدولة تعود إلى حزب الله، كون دولته أقوى من الدولة اللبنانية»، لافتا إلى أنه يخفف عن نفسه عبء الأمن الذاتي، وشكاوى جمهوره الذي انزعج من إجراءاته الأمنية.

وتقود تلك المؤشرات على التبدل في خطاب نصر الله، إلى الدخول في ماهية حزب الله، وطريقة إدارته للملفات. ويقول قصير، إن حزب الله «من أكثر الأحزاب قدرة على التكيف والبراغماتية»، لافتا إلى تجربته «التي أثبتت أنه لا يذهب إلى أقصى درجات الصدام والمواجهة، إذ يأخذ التغييرات المحلية والإقليمية والدولية في عين الاعتبار، ويتكيف معها»، مجددا تأكيده أن المرحلة الحالية «ليست مرحلة صدام في العالم العربي، ويتكيف معها حزب الله».