مجالس العزاء في العراق حرب مفتوحة في كل الاتجاهات

رجال دين شيعة وسنة يطالبون بـ«تقنينها»

عراقي يسير أمس في موقع انفجار استهدف مجلس عزاء في حي الأعظمية ببغداد أول من أمس (رويترز)
TT

بعد حرب المساجد والحسينيات التي بدأت قبل شهور لتفتح واحدة من أخطر الجبهات في ساحة العنف في العراق، بدأت الآن وعلى نطاق واسع حرب من نوع آخر وهي حرب «مجالس العزاء». ففي غضون الشهرين الأخيرين تم استهداف الكثير من مجالس العزاء سواء تلك التي تقام في المناطق والمحافظات ذات الأغلبية الشيعية أو ذات الأغلبية السنية. الأسبوع الماضي شهد استهداف ثلاثة مجالس عزاء في بغداد، هي مجلس عزاء كبير في مدينة الصدر ذات الكثافة السكانية الكبيرة والغالبية الشيعية، راح ضحيته أكثر من 90 قتيلا وأكثر من 300 جريح، أعقبه بيومين تفجير انتحاري في مجلس عزاء في مدينة الدورة جنوب بغداد ذات الغالبية السنية، ثم تلاه أول من أمس تفجير انتحاري هو الآخر في مجلس عزاء بحي الأعظمية السني شمال غربي بغداد. المفارقة الأكثر لفتا للنظر هي أنه في حين تعالت أصوات المسؤولين العراقيين بأن الهدف من هذه العمليات هو إثارة الفتنة، وهو ما يعني أن بوصلة هذه العمليات هي باتجاه مكون معين من مكونات المجتمع العراقي، وهو هنا المكون الشيعي من منطلق أن العمليات الانتحارية هي من اختصاص تنظيم القاعدة المحسوب على السنة، فإن توزيع الأعمال الانتحارية بين مناطق شيعية (الصدر والأورفلي وحسينية في الكسرة) وأخرى سنية (الأعظمية والدورة) قد يكون بعث رسالة اطمئنان بأن الهدف هو زعزعة الوضع السياسي والأمني بشكل عام كمقدمة لإثارة غضب الشارع العراقي ضد الطبقة السياسية العراقية.

مجالس العزاء التي أصبحت هدفا سهلا للانتحاريين تجد الحكومة نفسها غير قادرة على منعها لأنها مثلما يقول المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية وعمليات بغداد العميد سعد معن في حديثه لـ«الشرق الأوسط» بمثابة «أعراف اجتماعية متوارثة وثقافة مجتمع، وبالتالي فإنه ليس بالإمكان منعها، ولكن هناك إمكانية للنصح في أن تقام إما في مساجد أو حسينيات أو قاعات مخصصة لمثل هذه المناسبات مع قيام أهل المتوفى بإجراءات تفتيش دقيقة أو حتى من قبل الجهات الأمنية»، مشيرا إلى أنه «يصعب على الأجهزة الأمنية أن توفر حماية لكل مجالس العزاء التي تقام في الشوارع وأمام المنازل، لا سيما إذا كان الأمر يتعلق بانتحاري بإمكانه المرور من مداخل مختلفة، لكن عندما تقام في الأماكن التي أشرنا إليها فإن الضرر يكون أقل بكثير لأن السيطرة تصبح أكبر». ويضيف العميد معن أن «كل ما نستطيع عمله هنا هو النصح والإرشاد لأن المسؤولية هنا ليست فقط مسؤولية الأجهزة الأمنية، بل هي مسؤولية الناس لأن الأمن لا يمكن أن يتحقق دون وعي المواطن بالمخاطر المحيطة به». رجال الدين من الشيعة والسنة اقتربوا إلى حد كبير من مسألة التعامل مع هذه المسألة الحساسة دينيا وشرعيا. فالأستاذ في الحوزة العلمية والمقرب من المرجعية الدينية في النجف حيدر الغرابي يقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن «الإنسان في الإسلام مقدس ولا يوجد ما هو أشرف منه، بل هو رأس المال الأول، وبالتالي فإن الحفاظ عليه ليس فقط مسألة إيمانية، بل هو أيضا مسألة عقلانية وبالتالي فإن الناس هي التي تقدر ما إذا كان ذلك يشكل ضررا للنفس». ويضيف أنه «لا يوجد نص شرعي يمنع الناس من إقامة مجالس العزاء، ولكن ما يمكن أن تؤديه المرجعية هو وصية قد لا ترتقي إلى مستوى فتوى التحريم ولكنها لا تنزل إلى مستوى الاستحباب، وتنص على ضرورة الحماية للروح البشرية وتجنب إراقة دماء المسلمين سواء بتوفير الحماية لمجالس العزاء أو تقنينها قدر الإمكان». وأوضح أن «العبرة في مجالس العزاء شرعا هي التخفيف عن أهل الميت، ولكنها تحولت الآن إلى ميدان مفتوح لموت العشرات، وبالتالي لا بد من أن يلتزم أهل المجلس بما يوصي به الشرع بتجنب الضرر».

من جهته قال مفتي أهل السنة والجماعة في العراق الشيخ مهدي الصميدعي في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «مجالس العزاء ليست شرعا في الإسلام بقدر ما هي عرف، ولم تكن على عهود الإسلام الأولى مثلما هي اليوم، ولكنها تطورت اليوم إلى الحد الذي أصبحت فيه ترفيهية مرة وحتى تجارية في بعض الحالات مرة أخرى». ويضيف الصميدعي أن «الظروف الراهنة لا تجيز إشهار الضرر، وهو ما يعني أنه في حال موت إنسان وقد يكون من قبل قاتل فإنه عند إقامة مجلس عزاء كبير فإنني أعطي القاتل مبررا هذه المرة لقتل العشرات بشكل مجاني»، مبينا أن «منح الإرهابيين والقتلة تصريحا جديدا بالقتل من خلال مجالس العزاء لا بد أن يتوقف».