المعسكر الغربي ينتزع تنازلات من موسكو هي الأولى من نوعها منذ عامين ونصف العام

مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط»: صدور القرار الدولي سيعيد الاهتمام بـ«صلب» الأزمة السورية

TT

رغم أن نص قرار مجلس الأمن الدولي لم يوضع تحت الفصل السابع، فإن المعسكر الغربي الذي كان يطالب بذلك يعتبر أنه انتزع مجموعة من التنازلات من موسكو هي الأولى من نوعها بعد عامين ونصف العام من اندلاع الانتفاضة السورية.

وقالت مصادر دبلوماسية غربية رفيعة المستوى تحدثت إليها «الشرق الأوسط» في باريس إن أول التنازلات يتمثل في قبول روسيا أن يعود الملف السوري مباشرة إلى مجلس الأمن إذا تبين للمفتشين الدوليين أن النظام يراوغ أو لا يتعاون بشكل مرض أو يسعى لكسب الوقت، وذلك من غير الحاجة للمرور مجددا عبر منظمة منع السلاح الكيماوي التي مقرها فيينا. وكانت روسيا تطالب بأن يعود الملف أولا إلى المنظمة التي تتولى مناقشة تقرير المحققين وتتثبت منه وتصوت عليه قبل أن يرفع إلى مجلس الأمن. ودرجت المنظمة على اتخاذ قراراتها بالإجماع، مما يعني أن تخطي حاجزها يحرم روسيا من ورقة مهمة لكبح رغبات الساعين الغربيين الذين سيعجلون بالتوجه مجددا إلى مجلس الأمن لدى أول مخالفة سورية.

وتعتبر المصادر المشار إليها أن روسيا قدمت تنازلا ثانيا مهما بقبولها أن ينص قرار مجلس الأمن على ضرورة سوق المسؤولين عن استخدام السلاح الكيماوي في سوريا إلى العدالة الدولية، ولكن من غير تحديد الجهة التي ستتولى مهمة المحاسبة ولا الجهة المسؤولة عن استخدام السلاح الكيماوي، علما بأن المعسكر الغربي يحمل المسؤولية للنظام السوري بينما موسكو تشكك في صدقية تقرير المفتشين وتستمر في تأكيد مسؤولية المعارضة المسلحة.

أما التنازل الروسي الثالث فيكمن في قبول موسكو الإشارة في القرار الجديد حول سوريا، الموضوع تحت الفصل السادس، إلى اللجوء إلى الفصل السابع ولكن في قرار لاحق باعتبار أن روسيا كانت ترفض بشكل تام ذكر الفصل السابع من قريب أو بعيد. وجاءت هذه الصيغة الدبلوماسية لإخراج المساومات من الطريق المسدود الذي آلت إليه بسبب المواقف المتناقضة للمعسكرين المتواجهين، الأمر الذي حمل مصدرا فرنسيا على القول إن القرار الجديد «وضع تحت الفصل السادس ونصف»، لأن تنفيذه إلزامي، ولأنه يهدد بالعودة إلى مجلس الأمن وهذه المرة مباشرة تحت الفصل السابع في حال أخلت دمشق بتعهداتها «الكيماوية».

بيد أن هذه القراءة الغربية «المتفائلة» تقابلها قراءة روسية تشدد على أن تمكن مجلس الأمن من إصدار قرار عجز عنه طيلة سنتين ونصف السنة «لم يصبح ممكنا إلا عندما قبل الغربيون بشروط موسكو». وأهم هذه الشروط اثنان: لا للفصل السابع، ولا لتعيين المسؤول عن المجزرة الكيماوية في 21 أغسطس (آب) الماضي.

وترى باريس أن التفاهم «أخيرا» على القرار الدولي بشأن تدمير الترسانة الكيماوية السورية وتصويت مجلس الأمن على القرار ستكون أولى نتائجه «غلق هذا الملف والعودة إلى المسألة الأساسية» أي كيفية التوصل إلى حل سياسي في سوريا عبر الدعوة إلى مؤتمر «جنيف 2» وشروط انعقاده. وكان «الكيماوي» قد استحوذ على الاهتمام العالمي وأبعد إلى الظل يوميات الحرب السورية ومآسيها.

وبحسب الأوساط الفرنسية الرسمية التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» فإن تحول اجتماع نيويورك أمس من اجتماع ثلاثي «أميركي - روسي – أممي» إلى اجتماع سداسي يضم الخمسة الكبار في مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة بناء على اقتراح فرنسي «وضع حدا للثنائية الأميركية - الروسية وأسهم في العودة إلى مقاربة جماعية».

وكانت باريس عبرت عن تذمر صامت إزاء التفرد الأميركي - الروسي بالملف السوري الذي برز في مناسبتين رئيستين: الأولى عندما توصل الوزيران كيري ولافروف وحدهما إلى اتفاق جنيف في 14 من الشهر الحالي، والثانية عندما أوجدا الحلول الوسط في نيويورك ليل أول من أمس بشأن النقاط العالقة في القرار المنتظر.

وتعتبر المصادر الفرنسية أن صدور القرار الدولي حتى من غير عقوبات ومن غير تحديد المسؤول عن اللجوء المكثف إلى السلاح الكيماوي في غوطتي دمشق سيساعد المعارضة على قبول الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وهو ما كان أمرا غير ميسر من غير القرار. وبحسب باريس، كان من الصعب على المعارضة «التفاوض مع ممثلين للنظام السوري المسؤول عن مقتل المئات بالغازات السامة». أما بعد صدور القرار الدولي، فثمة «مظلة فتحت» من شأنها أن «تحمي» المعارضة التي تقبل الآن التفاوض وإرسال وفد إلى جنيف رغم بقاء الوضع الميداني على حاله والانقسامات في صفوفها الداخلية.

بيد أن المصادر الفرنسية تعترف بأن المسائل «الأساسية» التي حالت حتى اليوم دون الدعوة إلى «جنيف 2» ما زالت على حالها، وعقبتها الرئيسة مصير الرئيس السوري، وصلاحيات الحكومة المؤقتة التي من المفترض قيامها للإشراف على المرحلة الانتقالية، وصيغة وقف إطلاق النار والجهات التي ستناط بها الإشراف عليه.