هدوء يسبق عاصفة إعلان نتائج الانتخابات في ثاني مدن إقليم كردستان

السليمانية يصيبها الوجوم في ظل غياب زعيمها طالباني وخسارة حزبه

TT

لا تبدو السليمانية، ثاني مدن إقليم كردستان العراق، على طبيعتها. هذه المدينة التي عرفت بحيويتها وازدحام شوارعها، وبعد أن خاضت انتخابات مصيرية غيرت من خريطتها السياسية، باتت هادئة، وهناك من يصر على أنه الهدوء الذي يسبق العاصفة، عاصفة إعلان نتائج انتخابات برلمان كردستان بصورة رسمية، إذ إن هناك من لن يرضى عن هذه النتائج، بل إن الطرفين الرئيسين في هذا الصراع، الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي جلال طالباني وحركة التغيير المعارضة بزعامة نوشيروان مصطفى، غير راضيين عن النتائج الأولية التي تقول إن الأول حصل على 19 مقعدا، والثاني على 23 مقعدا، وهذه نتائج غير رسمية.

الرئيس طالباني، الغائب في أحد مستشفيات برلين للعلاج من الجلطة الدماغية، حضرت صوره فقط في لافتات الدعايات الانتخابية لحزبه، بينما كان حاضرا بقوة في الانتخابات السابقة، وحضوره اليوم كان مهما في معقل حزبه التقليدي، السليمانية، إذ أثر غيابه بشكل كبير، هذا الغياب الذي جعل الاتحاد الوطني، الحزب العريق، وهو أكبر ثاني حزب كردي بعد الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي أسسه قائد الثورة الكردية الملا مصطفى بارزاني ويتزعمه اليوم نجله مسعود، رئيس إقليم كردستان. وحسب كاتب سياسي من أنصار الاتحاد الوطني فإن «غياب الأب الروحي للحزب وللسليمانية خذلنا بلا شك. الصور الكبيرة واللافتات التي تتحدث باسم مام جلال لم تأت بنتائج إيجابية، والأنباء التي صرح بها الطبيب الخاص للرئيس والتي تطمئن الناس بأن صحة طالباني جيدة وأنه تحدث معه هاتفيا ربما جاءت بنتائج سلبية، إذ إن هناك وحتى من أكثر المخلصين لزعيم الحزب من طلب أن يظهر (طالباني) في لقطات تلفزيونية، ولو لثوان، يحيي فيها شعبه أو أنصار حزبه»، مشيرا بلا شك إلى «الصراعات الداخلية بين قيادات الحزب والتي أسهمت في خسارتنا بهذه الصورة المؤلمة».

في المقابل ينتشي أنصار حركة التغيير الذين حصلوا على المرتبة الثانية في نتائج الانتخابات بعد الحزب الديمقراطي الكردستاني، فهم يعيشون نصرين بدل الواحد، الأول بلا شك بفوزهم والثاني بتقدمهم على حزب عريق وكبير كالاتحاد الوطني الذي خرجت من رحمه قيادات التغيير ذاتها، فزعيم الحركة نوشيروان مصطفى كان الرجل الثاني في الاتحاد الوطني، أو كما يصفه طالباني كان القائد المكرر بعدي، أي الرجل الأول، وله الصلاحيات والمهام نفسها، وباقي قيادات الحركة ومعظم أنصارها هم من قيادات وأنصار حزب طالباني، وهذا ما منح خلية إدارة عملية الانتخابات فرصة لمعرفة كيفية النيل من الاتحاد الوطني ومهاجمتهم من نقاط ضعفهم التي برزت بغياب طالباني. تضاف إلى ذلك قدرة نوشيروان مصطفى الخطابية المقنعة.

يقول أحد قياديي التغيير لـ«الشرق الأوسط» إن «فوزنا في هذه الانتخابات دليل على صحة سياساتنا التي اتبعناها في الدورة البرلمانية السابقة، وكان لعدم مشاركتنا في الحكومة دوره الفاعل في كسب المزيد من الجماهير والناخبين لأننا لم نتورط في مشاكل الفساد والسلطة».

ولكن هل ستبقى حركة التغيير بعيدة عن السلطة في هذه الدورة، بعد أن حققت نتيجة جيدة في الانتخابات؟ يقول هذا القيادي الذي فضل عدم نشر اسمه «نحن ما زلنا في انتظار النتائج الرسمية للانتخابات، لأننا على يقين كسبنا أصواتا أكثر، وقد يصل عدد مقاعدنا في البرلمان إلى الثلاثين، وهذا يعني أننا لو شاركنا في الحكومة سوف تكون نصف الوزارة لنا، إضافة إلى نائبي رئيس الحكومة والبرلمان»، مستدركا «هذا إذا شاركنا، فنحن لم نقرر بعد، وطريق المفاوضات هذه المرة سيكون طويلا ومعقدا وليس سهلا، إذ لا نعرف ماذا سيكون دور الاتحاد الوطني وحجمه في الحكومة، وما هو دوره في مدينة السليمانية التي أكد أهلها أن الهيمنة الآن فيها لنا».

المستقلون من أهالي السليمانية يجدون أنفسهم اليوم بين مطرقة حركة التغيير وسندان الاتحاد الوطني. يقول حكمت بكر، وهو تاجر في سوق السليمانية «نحن لم نستفد من الاتحاد الوطني، ولن نستفيد من حركة التغيير، فكل منهم يفيد جماعته ولا يقدم للناس أي شيء»، مشيرا إلى أن «الأحزاب السياسية في السليمانية تدلل جماعتها فقط، فالوظائف الجيدة وفرص الاستثمار وقطع الأراضي تكون من نصيب أعضاء الأحزاب عادة»، مضيفا أن «كوران (حركة التغيير) وعدت بالكثير وهاجمت أحزاب السلطة، لكنها غدا عندما ستكون في السلطة ستتصرف مثلما كان يتصرف اليكتي (الاتحاد الوطني)، وسوف يستفيد قيادات وأعضاء الحزب وتبقى وعودهم مجرد وعود».

ويشير عمر فاروق، وهو صاحب متجر كبير للملابس الرجالية وسط سوق السليمانية، إلى أن «الحركة التجارية متوقفة منذ ما قبل الانتخابات حتى اليوم، ولا ندري ماذا سيحدث. (السوق واقف) يعني لا توجد حركة بيع أو شراء حقيقية، والكل يتخوف مما سيجري لاحقا خاصة إذا أعلن عن فوز كوران (التغيير) وكيف سيتصرف أنصار اليكتي (الاتحاد الوطني)». وحتى إعلان نتائج الانتخابات بصورة رسمية يبقى الجميع في مدينة السليمانية يحبس أنفاسه، إذ يفضل غالبية السكان هناك البقاء في بيوتهم وهم يتابعون مسلسلا دراميا كوريا مدبلجا للغة الكردية تعرضه قناة «كرد سات» التي تشرف عليها هيرو أحمد زوجة الرئيس طالباني، بينما تبث بقية القنوات المستقلة والمعارضة وقنوات الحزب الديمقراطي الكردستاني برامج سياسية ومتابعات إخبارية للانتخابات ونتائجها.