تنامي نفوذ المتطرفين في الرقة يخيف المسيحيين ويدفعهم للنزوح

عناصر «داعش» رفعوا رايات «القاعدة» على كنيستين بعد إحراقهما

TT

كشفت الاعتداءات الأخيرة التي نفذتها «دولة العراق والشام الإسلامية» ضد كنائس في محافظة الرقة، شمال وسط سوريا، قبل يومين، حجم التهديدات التي بات مسيحيو المدينة يعيشون في ظلها. وعلى الرغم من خروج ناشطين رقاويين في مظاهرات تندد بارتكابات «داعش» ضد الكنائس، فإن مصادر مسيحية معارضة عبرت عن خشيتها من تزايد نزيف الهجرة المسيحية في ظل تنامي نفوذ الجماعات الإسلامية المتشددة.

وكان عناصر من تنظيم «دولة الإسلام في العراق والشام» قد اقتحموا أول من أمس، كنيسة «سيدة البشارة»، التابعة لطائفة الروم الكاثوليك وكنيسة «الشهداء» التابعة لطائفة الأرمن الكاثوليك، وحطموا رموزها الدينية رافعين مكانها رايات تنظيم القاعدة، ليتطور الأمر إلى إحراق الكنيستين بشكل كامل، في ظل منع الناشطين الإعلاميين من التصوير وتهديدهم بالاعتقال.

وتعتبر هذه الحادثة جزءا من «سياق طويل هدفه تهجير المسيحيين وإخراجهم من مناطقهم»، وفق ما أكده عضو المكتب الإعلامي في المنظمة الأشورية السورية المعارضة جميل ديار بكرلي لـ«الشرق الأوسط»، مشيرا إلى أن «تقدم الكتائب الإسلامية (داعش) و(النصرة) يثير مخاوف المسيحيين ويدفعهم إلى مغادرة قراهم ومدنهم». وأوضح أن «ما يتجاوز الـ300 عائلة مسيحية كانوا يقطنون في مدينة الرقة قبل تحريرها وسيطرة الجهاديين عليها، بات عددهم الآن أقل من 50 شخصا».

وأشار دياربكرلي إلى أن «المسيحيين الرقاويين كانوا يتوزعون على طوائف الأرثوذكس والسريان والروم الكاثوليك والأرمن»، لافتا إلى أن «الجماعات المتطرفة لا تستهدف فقط المسيحيين وإنما جميع السوريين من كافة الطوائف ولعل خروج سكان الرقة في مظاهرات ترفض التعرض للكنائس أبلغ دليل على ذلك».

وكان ناشطون مدنيون قد خرجوا في مظاهرات جابت شوارع مدينة الرقة تستنكر الاعتداء على الكنائس من قبل عناصر «داعش» وأظهرت أشرطة فيديو تم بثها على موقع «يوتيوب» المتظاهرين وهم يحملون الصلبان التي قام عناصر «داعش» بانتزاعها من الكنائس. وطالب المتظاهرون بخروج عناصر «الدولة» من مدينة الرقة ووجهوا نداءات للجيش الحر للتدخل ضدها.

بدوره، ناشد دياربكرلي المعارضة السورية «اتخاذ موقف حاسم ضد انتهاكات (داعش) عبر توحيد الكتائب المقاتلة تحت قيادة الجيش الحر وتكوين جيش وطني للوقوف في وجه هذه الكتائب المتشددة التي تحاول تغيير صورة الوطن السوري».

ويعيش في مدينة الرقة عدد قليل من مسيحيي منطقة الجزيرة التي تضم مدن دير الزور والقامشلي والحسكة. ويشير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إلى أن «غالبية مسيحيي مدينة دير الزور غادروا مدينتهم، بعدما كان عددهم فيها يقارب أربعة آلاف مواطن»، فيما تشهد مدينة الحسكة انتشارا واسعا لحالات اختطاف وابتزاز لأبناء عائلات مسيحية بهدف الحصول على المال. وسبق أن وجّه عدد من أساقفة المحافظة، نداء إلى الفاتيكان، من أجل بقاء نحو 25 ألف مسيحي في هذه المدينة. ولفت الأساقفة في ندائهم إلى وجود «عدد من الحواجز على الطرق تقيمها جبهة النصرة المتشددة».

ويؤكد ناشطون معارضون أن «أكثر من 400 أسرة مسيحية غادرت مدينة القامشلي باتجاه أوروبا في حين باتت مدينة (رأس العين) خالية من الوجود المسيحي عقب دخول الكتائب الإسلامية المتطرفة إليها». وكانت «الدولة الإسلامية» بدأت منذ سيطرة أميرها العراقي أبو بكر البغدادي على قيادتها تطبيقا مشددا للشريعة الإسلامية على السكان، خصوصا في مدينة الرقة، حيث المعقل الرئيس لها. ويتهم ناشطون مسيحيون عناصر «داعش» باختطاف الأب باولو دالوليو، الإيطالي الأصل، بعد زيادة قام بها قبل أشهر إلى مدينة الرقة. وقد عرف عن دالوليو مناصرته للحراك السوري المعارض للنظام.

تجدر الإشارة إلى أن لبنان استضاف أمس اجتماعا لمجلس بطاركة الشرق الكاثوليك، لتحضير ورقة عمل تمهيدا للقاء مرتقب للبطاركة مع البابا فرنسيس الأول في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وتوافقت آراء المجتمعين على المطالبة بـ«احترام المسيحيين في أوطانهم، وهم فيها مواطنون منذ 2000 سنة، بحكم المواطنة»، ومطالبة المجتمع الدولي بـ«الضغط على الدول التي ترسل أسلحة للفريقين المتنازعين في سوريا لإيقافها والعمل على حل النزاعات القائمة بالحوار والمفاوضات الرسمية، وصولا إلى سلام عادل وشامل ودائم».