إعداد خطة لطرابلس اللبنانية تشمل «الأمن والإنماء والمصالحة»

مقاتلون ميدانيون في التبانة: خذوا سلاحنا وأعطونا وظائف

TT

تترقب مدينة طرابلس، شمال لبنان، بدء الترجمة الفعلية لخطة أمنية تلقى إجماع قياداتها كافة، مشابهة لتلك التي دخلت حيز التنفيذ بداية الأسبوع الحالي في منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله، حيث تسلمت القوى الأمنية مسؤولية حفظ الأمن بعد انتشار مظاهر «الأمن الذاتي». وكلف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، المتحدر من طرابلس، وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل، أمس «بوضع خطة أمنية للمدينة، من قبل مجلس الأمن المركزي بالتنسيق مع قيادة الجيش اللبناني، إضافة إلى ضبط التجاوزات الأمنية اليومية والأعمال المخلة بالأمن».

وأكد ميقاتي بعد ترؤسه اجتماعا موسعا في السراي الحكومي لبحث الإعداد للخطة الأمنية، بحضور الوزراء المعنيين ووزراء المدينة ونوابها والقادة الأمنيين، أن «المطلوب ألا يكون هناك أي فلتان أمني في طرابلس»، مشددا على «أنه لا أحد في طرابلس إلا ويرفض السلاح ويؤيد الخطة الأمنية لضبط الأوضاع في المدينة».

واتفق المجتمعون على خطة ترتكز، وفق ما أعلنه وزير الشباب والرياضة في حكومة تصريف الأعمال فيصل كرامي، إثر انتهاء الاجتماع، على معالجة كل ما يتعلق «بالفلتان الأمني الحاصل داخل المدينة»، و«ضبط السيارات المفخخة»، إضافة إلى «معالجة المشكلة المزمنة بين جبل محسن وباب التبانة».

وتشهد طرابلس وضعا أمنيا متوترا بين الحين والآخر، إذ سرعان ما تتحول مع غياب التنمية وتفاقم الحرمان والفقر إلى صندوق بريد يتخطى الحدود اللبنانية وساحة اشتباكات عنيفة بين منطقتي جبل محسن، ذات الغالبية العلوية، وباب التبانة، ذات الغالبية السنية. وغالبا ما تبدأ هذه الاشتباكات وتنتهي في أحيان كثيرة من دون أي سبب واضح، قبل أن تنتقل عدوى القتال إلى قادة المحاور على خلفية بسط النفوذ والتمدد، علما بأن قسما منهم ينتمي إلى تيارات سلفية تجد لها ملاذا ونفوذا في طرابلس.

وزادت أزمة سوريا من الواقع الأمني المتوتر في المدينة، والذي بلغ ذروته مع انفجاري سيارتين مفخختين، بعد صلاة الجمعة، استهدفا الشهر الفائت مسجدي التقوى والسلام، وأديا إلى سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى. ودفع الانفجاران أهالي المدينة إلى تكرار مطالبة قياداتها السياسية برفع الغطاء السياسي عن المسلحين الذين يشاركون في الاشتباكات، ومناشدة الأجهزة الأمنية اتخاذ إجراءات لحماية المدينة من تكرار سيناريو الانفجارات.

وجدد ميقاتي أمس إشارته إلى تقديم القوى السياسية في المدينة «الغطاء السياسي اللازم لضبط الأوضاع»، وقال إن «الأجواء في المدينة باتت جاهزة على كل المستويات لكي تكون الخطة الأمنية ناجحة بالكامل، وسيتم توفير كل المتطلبات الضرورية للجيش والقوى الأمنية للقيام بواجباتهم بحماية الأمن وسلم المواطنين». وشدد على أنه «لا أحد من الموجودين في اجتماع الأمس (قيادات المدينة من الاتجاهات السياسية كافة) أو من غير الموجودين هنا يعطي غطاء لأي عمل خارج عن القانون، وإذا كان هناك من يسعى لأعمال مخلة بالأمن أو لإعطاء تغطية للمسلحين فليعلن عن نفسه»، معتبرا أن طرابلس «تريد أن تعيش في كنف الدولة ورعايتها وحمايتها، وأهلها متمسكون بهذا الخيار».

وقال وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال لـ«الشرق الأوسط» أمس إن «القوى السياسية في طرابلس رفعت الغطاء عن المسلحين والمخلين بالأمن منذ فترة طويلة، وكلها أكدت أمس تأييدها لتطبيق خطة أمنية حاسمة في المدينة». واعتبر شربل أن «الموضوع اليوم لم يعد يتعلق برفع الغطاء السياسي فحسب، بل ببحث الإجراءات التي يجب اتخاذها لتحسين الوضع الأمني وحماية الأهالي». وأشار إلى أنه «لا يمكن تحديد المدى الزمني لبدء تطبيق الخطة ميدانيا، قبل وضع هذه الخطة»، لافتا إلى «اجتماع سيعقده مجلس الأمن المركزي يوم الأربعاء المقبل» لبحث تفاصيل الخطة.

وكان أحد قادة جبهات القتال في منطقة باب التبانة، ويدعى زياد علوكي، قد استبق الاجتماع الموسع لدى ميقاتي أمس، واقترح على شربل مبادرة تهدف إلى تسليم 500 مسلح أسلحتهم إلى الدولة. وقال علوكي «لدي تفويض من 500 شاب مسلح على الأرض، مستعدين لتسليم سلاحهم الكامل إلى وزير الداخلية أو أي إنسان في الدولة، مقابل توظيفهم في وظيفة ليعتاشوا منها، ومحو مذكرات التوقيف عنهم».

وقال شربل في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» أمس إن هذا الموقف «يعكس عمليا أن الناس كلهم يريدون الدولة في طرابلس، حتى الذين يحملون السلاح باتوا يدركون ألا مهرب من تسليم سلاحهم إلى الدولة». وقال إن «خطة شاملة لطرابلس يفترض وضعها، تتضمن ثلاثة عناوين كبيرة: الأمن، والإنماء، والمصالحة بين أهاليها»، مشددا في الوقت ذاته على أن «الأولوية للأمن، إذ لا يمكن تحقيق الإنماء قبل أن يستتب الأمن».

ويلخص احد المقاتلين الميدانيين في منطقة باب التبانة لـ«الشرق الأوسط» حال من يحملون السلاح بأنهم في معظمهم من العاطلين عن العمل، يحملون السلاح لإثبات وجودهم، فيما قلة تقاتل انطلاقا من خلفية عقائدية أو آيديولوجية». ويقول المقاتل، الذي يرفض الكشف عن اسمه، إنه وزملاءه مستعدون «لترك السلاح متى تمكنوا من العمل وتأمين قوت عائلاتهم»، مؤكدا أن «أبناء المدينة متى وجدوا ما ينشغلون به لن يحمل أحدهم السلاح». وفي ما لا ينفك عن تحميل الدولة «الغائبة عن طرابلس إنمائيا وخدماتيا، على الرغم من مرافقها الكثيرة المعطلة، مسؤولية الوضع الراهن في المدينة»، كرر بين عبارة وأخرى «أوجدوا لنا فرص العمل وخذوا سلاحنا».

وتعاني مدينة طرابلس، التي كانت حتى الأمس القريب العاصمة الاقتصادية للبنان، من حرمان كبير، على الرغم من دورها كنقطة عبور تجارية، بحرا وبرا. ولم يشفع تمثليها في الوزارات والمجالس النيابية المتعاقبة في رفع الحرمان عنها، خصوصا بعد التدفق المتزايد لأبناء الريف المجاور إليها، علما بأن المدينة ممثلة في الحكومة الأخيرة برئيسها نجيب ميقاتي و5 وزراء، كما أنها ممثلة بستة نواب في البرلمان اللبناني.