بعلبك تشيع ضحاياها وسط رفض للفتنة والأمن الذاتي

وزير الداخلية: الخلاف فردي وليس طائفيا ولا علاقة لـ«النصرة» به

حاجز تفتيش للجيش اللبناني في بعلبك أمس بعد يوم من اشتباكات دامية بين حزب الله ومسلحين (رويترز)
TT

عاد الهدوء النسبي إلى مدينة بعلبك البقاعية أمس، غداة يوم تخللته اشتباكات عنيفة بين عناصر أمنية تابعة لحزب الله، كانت موجودة على حاجز للحزب في أحد أسواق المدينة وأفراد من عائلة الشياح (من الطائفة السنية)، أوقعت خمسة قتلى، اثنان منهم من الحزب وقتيل من الجيش اللبناني، ونحو 15 جريحا. وتوالت أمس المواقف المستنكرة لحواجز حزب الله ولأمنه الذاتي في مناطق نفوذه، محذرة من تداعيات الحوادث الطائفية المتكررة.

وشيعت المدينة ضحاياها أمس وسط أجواء من الغضب وإقفال الأسواق والمحال التجارية، فيما سير الجيش اللبناني دوريات مؤللة في المنطقة وداخل السوق حيث وقعت الاشتباكات وعمل على توسيع انتشاره بإقامة حواجز ثابتة وتفتيش السيارات.

وأعلن وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل أمس انسحاب حزب الله من المدينة، مؤكدا أن «الجيش اللبناني تسلم حواجز الحزب كافة»، وهذا ما أكده نائب المنطقة في كتلة حزب الله كامل الرفاعي، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجيش تسلم كل الحواجز التي كانت في أيدي عناصر حزب الله ولا سيما تلك الواقعة على مداخل المدينة»، مطالبا في الوقت عينه «بزيادة كثير القوى الأمنية في المنطقة لطمأنة الأهالي الخائفين من تكرار ما حدث السبت الماضي».

وأوضح الرفاعي أن الحزب أقام حواجزه الأمنية «نتيجة الخوف من تعرض المنطقة لاستهداف ما، على غرار ما حصل في الضاحية الجنوبية في بيروت، وها هو انسحب بمجرد أن تسلمت القوى الأمنية دورها». ونفى الرفاعي أن تكون خلفية الاشتباكات طائفية، مشيرا إلى أن «الإشكالات مع عناصر الحزب الأمنيين لم تكن مقتصرة على أبناء الطائفة السنية، وحصلت في بعض الأحيان إشكالات مماثلة مع أشخاص من الطائفة الشيعية». وقال إن «مرد الاشتباكات إلى تذمر من قبل أهالي المنطقة من وجود هذه الحواجز»، مؤكدا في الوقت نفسه أن «الخطاب التحريضي هو الذي أدى إلى هذه النتيجة».

وأمل الرفاعي أن «يستمر الهدوء في المنطقة، وأن يشيع الضحايا بعيدا عن أي مشكلات»، مثنيا كذلك، على «الجهود التي تبذلها السلطات اللبنانية والقيادات السياسية والدينية في المنطقة لتفادي أي مواجهات بين أبناء المنطقة الواحدة ».

وفي تعليقه على الأحداث الأمنية المتنقلة، اعتبر وزير الداخلية اللبناني أن «الأمن في لبنان سياسي»، مشيرا إلى أن «الدولة اعترفت بعجزها عن التغطية الأمنية في كل المناطق نظرا لعدم قدرتها، بسبب نقص في الكثير والأموال»، وأعلن عن «مذكرة لاستدعاء عناصر لقوى الأمن الداخلي من الاحتياط من رتبة معاون وما دون». ونفى شربل المعلومات التي كانت ذكرتها وسائل إعلام تابعة لحزب الله، لناحية مشاركة عناصر جبهة النصرة في أحداث بعلبك، موضحا أن «خلاف بعلبك فرديا وليس طائفيا وهو امتداد لخلاف حصل منذ ثلاثة أيام، ولا علاقة لجبهة النصرة في الإشكال».

وكانت قيادة الجيش – مديرية التوجيه، أصدرت بيانا، مساء السبت، أعلنت فيه تعزيز انتشار وحداتها في مدينة بعلبك، واتخاذ إجراءات مكثفة لإعادة فرض الأمن، وقد أسفرت عمليات الدهم التي نفذتها الوحدات العسكرية، عن توقيف عدد من المشتبه بهم، مؤكدة أنها ستواجه بحزم جميع المظاهر المسلحة إلى أي عائلة أو جهة انتمت، بما في ذلك استخدام القوة وإطلاق النار.

ورأى رئيس الحكومة المكلف تمام سلام أن «ما حصل في بعلبك أظهر المخاطر التي تهدد المناطق اللبنانية بسبب انتشار السلاح غير الشرعي واعتماده وسيلة هيمنة قرار لفئة على أخرى إضافة إلى الشحن والخطاب الطائفي والمذهبي والفئوي». ولفت، خلال استقباله زوارا أمس، إلى أن «معالجة هذا الأمر تكون بتكريس هيبة الدولة من خلال أجهزتها الأمنية وحدها، ومن خلال شبكة الأمان السياسي التي يجب أن تنشط باتجاه رفع الغطاء عن كل مخل ومتماد في ممارسة العنف ووضع حد للفلتان الأمني».

من جهتها، استنكرت الجماعة الإسلامية اشتباكات بعلبك، وقالت إنها ترى فيها «مدخلا خطيرا لفتنة كبيرة تهدد صيغة العيش الفريد الذي تميزت به المدينة والسلم الأهلي الذي ما زال صامدا إلى الآن ووحدة واستقرار البلد». وأكدت أن «سياسة الأمن الذاتي فشلت في توفير الأمن لأصحابها، بل جرت عليهم مزيدا من العزلة وتوتر العلاقة مع شركائهم في الوطن، وطالبت الدولة اللبنانية بأجهزتها الأمنية والقضائية بوضع حد لفوضى السلاح وإزالة حواجز الأمن الذاتي من بعلبك وغيرها من المدن وتوفير الأمن والاستقرار لكل المواطنين ووقف كل الممارسات الحزبية الميليشياوية التي يقوم بها المستقوون بالسلاح بحق المواطنين، وتوقيف المتسببين بالأحداث والمعتدين على المواطنين».

في المقابل، قال رئيس كتلة حزب الله النائب محمد رعد، ألا أحد منا يريد أمنا ذاتيا في مناطقه، بل يريد للدولة أن تتحمل مسؤولياتها، وحين يستشعر الناس بجهوزية الدولة لذلك سينكفئون جانبا ويرحبون بأجهزتها، بينما أصدرت حركة أمل إقليم البقاع، بيانا أسفت فيه للأحداث الأليمة التي ألمت بمدينة العيش المشترك وأكدت أنها تعمل مع مختلف القوى السياسية وفاعليات المنطقة لإعادة التهدئة وقطع الطريق على الفتنة التي تعود بالخسارة على جميع أهل المنطقة. وطالبت «القوى الأمنية بالضرب بيد من حديد لحماية المواطنين والحفاظ على مصالحهم». وعلى خط أمني آخر، اختطف الصيدلي وسام الخطيب على أيدي مسلحين في منطقة الكرك في البقاع، لأسباب مجهولة، وقطع أفراد عائلته الطريق احتجاجا، في حين لم تسلم مدينة طرابلس من تداعيات حادثة بعلبك، إذ سجل ليل أول من أمس، توترا أمنيا بين باب التبانة ذات الغالبية السنية وجبل محسن، ذات الغالبية العلوية، أدى إلى وقوع قتيل وأربعة جرحى.

ويوم أمس، أصيب ثلاثة عسكريين جراء سقوط قذيفة مصدرها الجانب السوري بالقرب من مركز للجيش اللبناني في بلدة النورة الحدودية، شمالا، وفق ما ذكرت «الوكالة الوطنية للإعلام».