المعارضة السودانية تدعو لعصيان مدني.. وعدد المعتقلين تجاوز الألف

النظام يرفض التراجع عن قرارات رفع الأسعار.. وتمديد إغلاق مدارس الخرطوم إلى 20 أكتوبر

أصدقاء وأقارب صلاح مدثر الذي قتل في اشتباكات الخرطوم أول من أمس يمشون في جنازته ويطلقون الشعارات ضد الحكومة (أ.ف.ب)
TT

شهدت العاصمة السودانية الخرطوم أمس حالة من الهدوء المشوب بالتوتر والحذر، فيما استمر الشلل النسبي الذي أصاب الحياة العامة منذ أسبوع بسبب الاحتجاجات، بيد أن حركة المرور في وسط المدينة صارت أكثر ازدحاما من الأيام السابقة، التي كادت المدينة تتحول خلالها إلى مساكن أشباح.

لكن ذلك لم يمنع من قيام مظاهرات في عدد من الأحياء، خاصة داخل السوق الشعبية والعشرة والصحافة وجبرة والديم، بالإضافة إلى حي ودنوباوي بأم درمان. كما شهدت مدن شندي (شمال) وحلفا الجديدة (شرق) وبورتسودان (ميناء السودان على البحر الأحمر) مظاهرات حسب مصادر المعارضة السودانية أو الناشطين. وأعلنت سلطات العاصمة أمس إغلاق المدارس حتى العشرين من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

وأكدت السلطات السودانية أمس تمسكها بقرار زيادة أسعار الوقود وذلك في أول رد فعل على الاحتجاجات العنيفة المستمرة منذ أيام، مما قد ينذر بتصعيد جديد. وأكد وزير الإعلام السوداني أحمد بلال عثمان أن الحكومة لن تتراجع عن قرارها بزيادة أسعار الوقود. وقال إن زيادة الأسعار «هي الحل الوحيد». وهذا هو أول رد فعل رسمي على حركة الاحتجاج غير المسبوقة منذ تولي الفريق عمر البشير السلطة في 1989، والتي بدأت الاثنين الماضي إثر قرار الحكومة وقف دعم أسعار المحروقات. وأدى القرار إلى تضاعف سعر الوقود تقريبا. وتواصل الوجود العسكري الكثيف في أنحاء المدينة، ولا تزال عربات الدفع الرباعي المحملة بجنود مدججين بالسلاح، وبمدنيين مسلحين، تجوب المدينة، في الوقت الذي كثفت فيه القوات الأمنية وجودها على الجسور التي تربط بين مدن الخرطوم الثلاث.

وبينما تواصلت الدعوات من القوى السياسية والتنظيمات الشبابية لمواصلة المظاهرات، وللامتناع عن العمل والدخول في عصيان مدني وإضراب سياسي، يتوقع أن يبدأ اليوم، وصف مراقبون الرسالة التي تقدم بها 31 من قادة حزب المؤتمر الوطني، أبرزهم مستشار الرئيس السابق غازي صلاح الدين، ونائب الأمين العام للحركة الإسلامية السابق حسن رزق، وقائد المحاولة الانقلابية الأخيرة العميد محمد إبراهيم «ود إبراهيم»، بأنها أول انشقاق كبير يشهده الحزب الحاكم منذ خروج د.حسن الترابي عنه في 1999. ودعت المجموعة التي أطلقت على نفسها تيار الإصلاح الرئيس البشير لوقف قتل المتظاهرين، وإلغاء الإجراءات الاقتصادية وكفالة الحريات، والتحقيق في إطلاق الذخيرة على المتظاهرين، وحرية الصحافة والإعلام.

وفي تطور لافت، دعا حزب الأمة القومي بقيادة المهدي، في بيان حصلت عليه «الشرق الأوسط»، القوى السياسية للخروج للشارع واللحاق بالجماهير، حتى يتحقق النصر. ويعد هذا البيان أقوى موقف يتخذه الحزب الكبير، الذي يتهم معارضون مواقفه بأنها موالية للنظام، فيما دأب هو بإصرار على التأكيد على أنه يعارض النظام وفقا لرؤيته، وليس وفقا لرؤية الآخرين.

وقال الحزب الشيوعي في بيان صدر أمس إن القمع المفرط و«الأكاذيب» لن تقود إلى قمع الانتفاضة التي أصبحت تتنامى، وتسير حثيثا على طريق الإضراب السياسي والعصيان المدني لإسقاط النظام. وأضاف أن إغلاق المدارس، وتعطيل خدمة الإنترنت، وإيقاف الفضائيات (مثل «سكاي نيوز»، و«العربية») ووضع شروط شبه مستحيلة لصدور الصحف تجعلها «بوقا» للنظام، أمور لن توقف ثورة الشعب. وتواصلت حملة الاعتقالات بين النشطاء والقادة السياسيين، وتقدر أعدادهم بالمئات في أنحاء متفرقة من البلاد. ومن جهتها، أكدت الهيئة السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات ارتفاع أعداد المعتقلين، وقالت إن عددهم تجاوز الألف معتقل منذ اندلاع الاحتجاجات، وإن نصيب مدينة ود مدني منهم 142 معتقلا، وفي بورتسودان بلغ عددهم 40 معتقلا، و40 في ولاية شمال كردفان.

وقال رئيس الهيئة السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات فاروق محمد إبراهيم، في تصريحات أمس، إن هيئته شكلت غرفة طوارئ خاصة منذ الاثنين الماضي لرصد الانتهاكات التي تطال حقوق الإنسان، وإن السلطات الأمنية قامت بحملة اعتقالات منظمة ضد الناشطين ووسط الأحياء، مشيرا إلى وجود أعداد كبيرة من المفقودين الذين لا تعلم أسرهم أماكن وجودهم، وأبرزهم صديق كبلو وصديق يوسف من الحزب الشيوعي، وساطع الحاج من الحزب الناصري، ولبابة الترابي، وآخرون.

في سياق آخر، أوقفت سلطات الأمن صحف «القرار»، و«الجريدة»، و«المشهد الآن»، و«الانتباهة» عن الصدور لأجل غير مسمى لاحتجابها عن الصدور ورفضها لتنفيذ تعليمات حاول جهاز الأمن فرضها على إدارات تحريرها بشأن تغطية الاحتجاجات. ويأتي ذلك وسط شكوى الصحافيين من تشديد الرقابة على الصحافة منذ صدور قرار زيادة أسعار المشتقات النفطية الذي أدى إلى احتجاجات دموية واسعة في البلاد. والسبت، أعلنت شبكة الصحافيين السودانيين، وهي تجمع غير رسمي يطالب بحرية التعبير، إضراب أعضائها عن العمل بسبب المحاولات الرسمية لفرض رقابة على تغطية الاحتجاجات. وتضم الشبكة نحو 400 عضو.