غياب المعارضة الهاجس الأكبر في كردستان في ظل التوجه لحكومة «القاعدة العريضة»

قيادي إسلامي: سنسعى إلى تفعيل الحكومة المقبلة كما فعَّلنا البرلمان السابق

TT

تشير تسريبات من العديد من المصادر إلى أرجحية تشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة في إقليم كردستان يشارك فيها جميع الكتل الفائزة في الانتخابات الأخيرة. وجميع الأحزاب تتحدث عن حساسية الوضع الراهن بكردستان، وحاجتها إلى أوسع مشاركة بالحكم من أجل تعزيز التجربة الديمقراطية. لكن في المقابل هناك مخاوف لدى الكثير من الأوساط السياسية والنخبة الثقافية من غياب دور المعارضة الذي كان مؤثرا خلال السنوات الأربع الماضية في حال انخراط الأحزاب المؤتلفة سابقا في جبهة المعارضة البرلمانية في الحكومة المقبلة.

وتتداول الأوساط السياسية والإعلامية بكردستان العديد من السيناريوهات المطروحة بشأن شكل الحكومة المقبلة، خاصة بعد أن تغيرت المعادلات السياسية في الإقليم، وظهر تبادل للأدوار بين الأحزاب الرئيسية، وذلك بصعود حركة التغيير المعارضة إلى الواجهة كقوة ثانية، وتراجع الاتحاد الوطني بزعامة الرئيس العراقي جلال طالباني إلى المرتبة الثالثة وخروجه إلى حد ما من معادلة الحكم الذي ناصفه طوال السنوات العشرين الماضية مع غريمه السابق وحليفه الحالي الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة رئيس الإقليم مسعود بارزاني.

وهناك عدة سيناريوهات مطروحة حاليا لشكل الحكومة المقبلة، منها تشكيل حكومة يكون قطباها حزب بارزاني وحركة التغيير مع كل من الاتحاد الإسلامي والجماعة الإسلامية وأحزاب «الكوتا» التركمانية والمسيحية، وتحول الاتحاد الوطني إلى حزب معارض.

في المقابل هناك من يتحدث عن سيناريو آخر بأن تتشكل الحكومة من حركة التغيير والاتحاد الوطني والأحزاب الإسلامية. وكلا الاحتمالين بعيد المنال؛ لأن الجميع متفقون على عدم إمكانية إخراج قطبي السلطة (حزبي بارزاني وطالباني) من معادلة الحكم بهذه السهولة، ولذلك فإن الاحتمال الأرجح هو تشكيل حكومة قاعدة عريضة تتمثل فيها جميع الكتل الفائزة بالانتخابات (أحزاب السلطة والمعارضة) معا.

ويقول عبد الستار مجيد، عضو المكتب السياسي للجماعة الإسلامية لـ«الشرق الأوسط» إن «الأرجح عندنا هو تشكيل حكومة القاعدة العريضة التي تتناسب تماما مع الوضع الحساس لكردستان، فلا يمكن بأي حال من الأحوال تهميش أو إقصاء القوتين الرئيستين؛ الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني، اللذين لهما جذورهما داخل الأرض الكردستانية».

وبسؤاله عن بعض الطروحات التي تتمحور حول محاولة السلطة بكردستان جر الأحزاب الإسلامية إلى الحكومة بهدف تشويه سمعتها كما جرى بالنسبة لتجربة «الإخوان المسلمين» في مصر، قال مجيد: «أولا ظروف كردستان تختلف تماما عن مصر وعن بقية البلدان الأخرى، ثانيا نحن لا ندعي أن حجمنا الحالي سيسمح لنا بأن ننفرد بالسلطة ونقصي الآخرين، وأثبتت تجارب الشعوب، وخاصة بالمنطقة، أنه لا العلمانيون قادرون على شطب ومحو الإسلاميين من المعادلات السياسية، ولا نحن الإسلاميين قادرون على محو العلمانيين، يجب أن نتعايش، ونحن بالأساس لا نسعى للانقلاب على السلطة بالعنف، بل هدفنا هو الوصول إلى الحكم عبر المشاركة لكي نستطيع خدمة مواطنينا».

من جهته، قال محمد توفيق رحيم، القيادي البارز في حركة التغيير، إن المهم بالنسبة للحركة «هو برنامج الحكومة، أيا كان شكلها، سواء كانت ذات قاعدة عريضة، أو حكومة ائتلافية أو تحالفية، لا يهمنا سوى أن نصوغ برنامجا واضحا يهدف إلى خدمة المواطن، وعلى الحكومة أن تؤشر ببرنامجها ماذا ستفعل خلال الأشهر الستة الأولى، وماذا ستفعل خلال سنة، وهكذا، يجب أن تحدد جميع مراحل الحكم ومتطلباته، وأن يكون البرنامج واضحا أمام الجميع».

وفي ظل توارد الحديث عن دخول حركة التغيير ومعها الحزبان الإسلاميان إلى الحكومة المقبلة، يتداول البعض حديثا حول تأثيرات غياب دور المعارضة في المرحلة المقبلة. ويبدو أن هذا يشكل الهاجس الأكبر، خاصة بعد أن نجحت أحزاب المعارضة خلال الدورة السابقة في تفعيل دور البرلمان وجعله رقيبا على السلطة. وهذا ما يضع القيادي الإسلامي عبد الستار مجيد حلا له بالقول: «من الممكن أن نجعل من البرلمان المقبل رقيبا على السلطة، مثلما في معظم بلدان العالم الديمقراطية، حيث يعتبر البرلمان أعلى سلطة تشريعية بالبلاد». ويضيف: «إن ما فعلناه بالدورة السابقة بتفعيل البرلمان، من الممكن أن نكرره في الحكومة المقبلة».

وفي حين يرشح البعض الاتحاد الوطني لدور المعارضة البرلمانية، وصدرت فعلا تصريحات من عدد من قيادييه وكوادره بضرورة التخلي عن السلطة والتوجه إلى قيادة جبهة المعارضة البرلمانية، إلا أن مصدرا قياديا كرديا، طلب عدم ذكر اسمه، يرى أن «من الصعب أن يتخلى الاتحاد الوطني عن الحكم (...) من الصعب جدا أن ينزوي بنفسه ويغيب عن المشهد السياسي، حيث إن بقاءه بالبرلمان سيحجم دوره كثيرا، فلن يبقى له أي أثر في المعادلة السياسية».

يذكر أن فاضل ميراني سكرتير الحزب الديمقراطي الكردستاني قد أشار في تصريحات سابقة إلى أن حزبه يتطلع إلى تشكيل حكومة ائتلافية تضمه مع حزب الاتحاد الوطني والاتحاد الإسلامي، مشيرا إلى أن هناك اتفاقا استراتيجيا يربط بين حزبه والاتحاد الوطني، وإذا رغب الاتحاد في دخول الحكومة المقبلة فإن حزبه «لن يشكل حكومة بمعزل عنه»، آملا أن «يشارك الاتحاد الإسلامي الكردستاني في تلك الحكومة».

وكان قيادي بالاتحاد الإسلامي ذكر شروط حزبه للمشاركة بالحكومة المقبلة، منها «أن نكون شركاء بالقرار السياسي فيما يتعلق بالشؤون الداخلية والخارجية». وأضاف: «هناك شروط أخرى منها إلغاء الاتفاق الاستراتيجي بين الحزبين الرئيسين، وهذا لا يعني تهميش أو إقصاء الاتحاد الوطني، بل هو لإنهاء صيغة المناصفة بالحكم، ووقف التدخلات الحزبية في شؤون الحكومة، وخاصة ما يتعلق بهيمنة الحزب على الموازنة».