قسنطيني لـ«الشرق الأوسط»: بفضل المصالحة تخلى الكثير من المسلحين عن الإرهاب

مسؤول حقوقي جزائري يصرح بأنه لا يمكن محاسبة رجال الأمن المتورطين في تجاوزات عقد التسعينات

TT

قال رئيس هيئة حقوقية جزائرية مرتبطة برئاسة الجمهورية إن تجاوزات حصلت خلال فترة الاقتتال الدامي بين قوات الأمن والجماعات الإسلامية المسلحة في عقد التسعينات من القرن الماضي «تتحمل السلطات مسؤوليتها، لكن لا يمكن أن ننسب الجرائم التي حدثت للجيش أو قوات الشرطة».

وذكر فاروق قسنطيني، رئيس اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان في الجزائر، لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مرور ثماني سنوات على استفتاء «المصالحة (29 سبتمبر/ أيلول، 2005) إن رجال الأمن «تورطوا في بعض الأعمال خارج القانون، ولكن باسم التصالح ولطي صفحة الماضي وتفاديا لمزيد من النزيف في الجرح الذي تعاني منه الجزائر، لا يمكن أن نحاسب هؤلاء. ولو فعلنا ذلك سنعود إلى نقطة البداية».

وتقول جمعيات الدفاع عن المختفين قسريا إن الآلاف من مناضلي «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» اعتقلتهم قوات الأمن بسبب نشاطهم السياسي، عقب تدخل الجيش لإلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية التي فاز بها الحزب الإسلامي نهاية 1991. كما تقول إنهم لم يعودوا إلى عائلاتهم إلى يومنا ولم يحاكموا، وتطالب بالكشف عن أماكن اعتقالهم أو عن أماكن دفنهم إن قتلوا. وتبدي السلطات حساسية كبيرة من أي إيحاء يفيد بأن قوات الأمن قتلت المختفين قسريا تحت التعذيب. وصرح المسؤولون في بداية الأزمة الأمنية بأن «المفقودين التحقوا بصفوف الجماعات المسلحة، وقتلوا في مواجهات مع قوات الأمن».

يشار إلى أن أهالي المفقودين رفضوا مقترح التعويض، وعدوا ذلك «رشوة لشراء صمتنا»، وطالبوا بـ«التحقيق والقصاص من مرتكبي الجرائم». ويتعرض قسنطيني لانتقاد شديد من طرف منظمات حقوق الإنسان المستقلة عن الحكومة، التي تتهمه بـ«تبرير ممارسات السلطة بشأن خرق حقوق الإنسان في الجزائر».

وأفاد قسنطيني بأن سياسة المصالحة «حققت أهدافا بنسبة كبيرة، غير أن هناك بعض المشاكل التي ينبغي حلها. والحل ينبغي أن يبادر به رئيس الجمهورية بنفسه، كأن يجري تحديد الأشخاص الممنوعين من العودة إلى السياسة بالأسماء، وليس في المطلق، لأن العقوبة لا يمكن أن تكون جماعية وإنما فردية».

وحظرت «المصالحة» ممارسة السياسة على كل الإسلاميين المتورطين في الدماء التي سالت، وبذلك وجد كل إسلاميي «جبهة الإنقاذ» أنفسهم ممنوعين من الترشح في لوائح الانتخابات كما منعوا من تأسيس أحزاب. ويعد نائب رئيس «جبهة الإنقاذ» علي بن حاج أكثر المستهدفين بهذا الحظر الذي لم يعترف به أبدا.

وأوضح قسنطيني بخصوص ما يؤخذ على سياسة المصالحة، من جانب قطاع من السياسيين «لا ينبغي أن نحجب فضائل المصالحة رغم كل النقائص. فقد جرى إطلاق سراح المئات من المساجين الضالعين في الإرهاب، وصرف أموال ضخمة على ضحايا الإرهاب على سبيل التعويض، والفضل في كل هذا يرجع إلى صاحب المشروع، الرئيس عبد العزيز بوتفليقة». وتابع «من حسنات سياسة المصالحة أنها أقنعت الكثير من المسلحين بالتخلي عن الإرهاب، مما مكننا من حقن الدماء». ولم تقدم السلطات حصيلة دقيقة عن عدد المسلحين الذين غادروا معاقل الإرهاب بموجب «المصالحة».

وكان مشروع تهدئة سابق صدر في 1999، سمي «الوئام المدني»، أفضى إلى تخلي سبعة آلاف من أفراد «الجيش الإسلامي للإنقاذ»، الذراع المسلحة لـ«جبهة الإنقاذ»، عن السلاح. أما «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» (تحولت مطلع 2007 إلى «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي») فقد رفضت كل سياسات التهدئة التي أعدتها السلطات بذريعة أنها «خدعة تستهدف وقف الجهاد».