لوران فابيوس يطالب بـ«التشدد» مع إيران.. وظريف يدعو القوى الكبرى إلى إعادة النظر في اقتراحاتها بشأن المفاوضات النووية

نتنياهو: العقوبات على طهران على وشك تحقيق أهدافها

لوران فابيوس
TT

يوم 24 سبتمبر (أيلول) الماضي، اجتمع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بنظيره الإيراني حسن روحاني في نيويورك، في بادرة هي الأولى من نوعها منذ أيام الرئيس الأسبق محمد خاتمي. وفي الأسبوع ذاته التقى وزيرا خارجية البلدين لوران فابيوس ومحمد جواد ظريف للبحث في المواضيع نفسها. وبحسب مصادر فرنسية واسعة الاطلاع، لم يسفر الاجتماعان عن «التزامات ملموسة» من الجانب الإيراني، بل بقي روحاني وظريف في العموميات، وفي التعبير عن «النوايا الحسنة» والرغبة في التعاون في القضايا الساخنة وعلى رأسها اثنان: الملف النووي الإيراني والحرب في سوريا.

وتقول المصادر الفرنسية إن باريس «عدلت موقفها» من الملف الثاني، وتحديدا من مشاركة إيران في مؤتمر «جنيف 2» الموعود قياسا لما كان عليه العام الماضي، حيث رفضت فرنسا بشدة حضورها «جنيف 1» رغم إلحاح المبعوث العربي والدولي وقتها كوفي أنان، حيث كانت ترى أنها «جزء من المشكلة وليست جزءا من الحل».

وكانت باريس تضع شروطا في وجه طهران ليس أقلها وقف الدعم للنظام السوري وتسوية ملفها النووي والامتناع عن التدخل لدى جيرانها واحترام حقوق الإنسان وغيرها من الشروط صعبة التحقيق. والحال أن باريس بعد اجتماعي نيويورك وفي بادرة حسن نية إزاء العهد الجديد وتوجهاته «المعتدلة» طورت موقفها ولم تعد تمانع في حضور إيران ولكن بشرطين: الأول، أن تقبل طهران ما أفرزه «جنيف 1» وتحديدا تشكيل حكومة انتقالية تعود إليها كافة السلطات التنفيذية في سوريا، ما يعني نزعها من الرئيس الأسد، بما فيها الإشراف على الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة. والثاني، امتناع إيران عن السعي لـ«مقايضة» تعاونها في الملف السوري مقابل «تنازلات» غربية في الملف النووي.

وحتى اليوم، ما زالت باريس تلتزم موقفا متشددا إزاء الملف النووي الإيراني كما يفهم من تصريحات الوزير فابيوس الذي استبق أمس المحادثات التي ستجرى يومي 15 و16 الجاري في جنيف بين مجموعة الستة (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا) وإيران لرسم العلامات التي تريد فرنسا أن تجري المحادثات في إطارها. وأكثر من ذلك، اعتبر الوزير الفرنسي أن هناك «سباقا زمنيا» بين تقدم البرنامج النووي الإيراني والسرعة التي تسير فيها المفاوضات المتوقفة منذ الربيع الماضي والتي لم يحدث فيها أي تقدم منذ زمن بعيد.

وبحسب فابيوس، فإن استمرار إيران على نهجها النووي الحالي خصوصا في موقع فوردو المحصن «القريب من قم» حيث يجري تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة وفي مفاعل أراك الذي يعمل بالمياه الثقيلة، يعني أنه «إذا استمر على هذا المنوال، فسيكون من الصعب وضع حد له خلال عام واحد»؛ إذ عندها «ستتغير طبيعة المفاوضات» مع إيران. ويشير فابيوس بذلك ضمنا إلى أن إيران ستكون قادرة على الحصول على القدرة النووية العسكرية خلال عام واحد.

وتظن باريس، كما الدول الغربية، أن طهران تسعى لإنتاج السلاح النووي تحت حجة تطوير الاستخدام السلمي لهذه الطاقة. ولا تعارض فرنسا كما الدول الست أن تحصل إيران على هذه الطاقة. وبالمقابل تعرض تحولها إلى قوة نووية لأن ذلك، بحسب المواقف الفرنسية المعلنة، سيطيح بمعاهدة منع انتشار السلاح النووي، من جهة، كما أنه سيعرض استقرار المنطقة للخطر، وسيطلق سباقا للتسلح النووي. والأسوأ من ذلك أنه سيفضي إلى تدخل عسكري إسرائيلي في إيران. وبهذا الصدد، نبه الوزير الفرنسي من قيام إسرائيل باستهداف إيران، وقال إن ذلك سيكون بمثابة «الكارثة». بيد أنه أعرب عن اعتقاده أن الإسرائيليين «لا يتمنون» تطورا كهذا رغم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي إن إسرائيل «ستقوم بعمل منفرد» إذا لم تضع إيران حدا لبرنامجها النووي.

إزاء هذا الوضع المعقد حيث تراوح الدبلوماسية مكانها منذ ثماني سنوات على الأقل، طالب الوزير الفرنسي إيران بالتزام «الشفافية» إزاء برنامجها النووي. ولا يبدو أن هذا المطلب قد اختير بشكل عشوائي؛ إذ إنه يعد ردا على ما أعلنه روحاني وظريف في الأسابيع الأخيرة أكثر من مرة حيث أكدا أن بلادهما ستكون «الأكثر شفافية». كذلك حث فابيوس على التزام موقف «متشدد» (المختلف عن الموقف الداعي إلى الحرب) وذلك رغم الانفتاح الذي أظهره قادة طهران الجدد.

بيد أن فرنسا، المرتاحة للخطاب «المنفتح» الصادر عن الرئيس روحاني الذي «اختاره الإيرانيون لأنهم يريدون التغيير»، إلا أنها لا تكتفي بذلك بل «تريد أفعالا». وما يدفعها إلى الحذر أنها متيقنة أن «المفتاح النووي» موجود بين يدي المرشد علي خامنئي، وفق ما قاله الوزير فابيوس.

ويأتي التعبير عن هذه المواقف المتشددة فيما قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إن القوى العالمية الست المعنية بالتفاوض مع طهران بخصوص برنامجها النووي المثير للخلاف يجب أن تطرح اقتراحات جديدة قبل المحادثات المقررة في جنيف يومي 15 و16 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري.

وتريد الولايات المتحدة من إيران الاستجابة لاقتراحات قدمتها القوى العالمية في فبراير (شباط) الماضي باعتبارها نقطة بداية للمحادثات. وفي حال لم تتوصل الأطراف إلى اتفاق على كيفية بدء المفاوضات ستقل احتمالات الاتفاق على قرار في غضون الأشهر الستة التي يريد الرئيس الإيراني إبرام اتفاق خلالها.

وقال ظريف في مقابلة مع التلفزيون الرسمي الإيراني مساء أول من أمس «الخطة السابقة التي قدمتها مجموعة الخمس زائد واحد لإيران باتت من الماضي وعليهم أن يخوضوا المحادثات برؤية جديدة».

وأضاف: «على اللاعبين أن يتحرروا من هذه الأوهام التي تصور لهم أنهم يستطيعون فرض أي شيء على الشعب الإيراني».

من جهته، دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس إلى عدم تخفيف العقوبات على إيران، مشيرا إلى أنها «على وشك تحقيق هدفها» المتمثل «بحرمان إيران من قدراتها على التخصيب».

وقال نتنياهو في الاجتماع الأسبوعي للحكومة «العقوبات على إيران فعالة. إنها صارمة وعلى وشك تحقيق أهدافها».

وبحسب نتنياهو، فإنه «يجب عدم تخفيفها قبل تحقيق هدف حرمان إيران من قدرتها على التخصيب وقدرتها على تصنيع السلاح النووي».

والتقى نتنياهو الأسبوع الماضي الرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض وأجريا محادثات تركزت حول البرنامج النووي الإيراني وألقى نتنياهو خطابا حول الموضوع أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقال نتنياهو «لا نعارض إجراء مفاوضات دبلوماسية مع إيران. نصر على أن هذه المفاوضات يجب أن تؤدي إلى إزالة القدرة الإيرانية على التخصيب»، في إشارة إلى الجهود الأميركية الأخيرة لإعطاء فرصة أمام الدبلوماسية في سياق التقارب بين واشنطن وطهران.

وتابع: «إيران تدعي أنها معنية بهذه القدرة من أجل احتياجات برنامجها النووي المدني. هنالك 17 دولة في العالم تنتج الطاقة النووية لأغراض مدنية من دون جهاز طرد مركزي واحد.. ومن دون تخصيب لأن التخصيب يعد المركب الأساسي في إنتاج المواد الانشطارية من أجل تصنيع القنبلة النووية».

على صعيد ذي صلة، وجهت إسرائيل أمس تهمة التجسس لحساب إيران إلى بلجيكي من أصل إيراني قالت: إنه أرسل إلى أراضيها لإقامة شركة تكون واجهة لجمع المعلومات.

ولم يرد علي منصوري، الذي اعتقل في 11 سبتمبر (أيلول) في تل أبيب، وكشفت إسرائيل النقاب عن احتجازه قبل أسبوع على التهمة قبل جلسة علنية لتلاوة قرار الاتهام عليه في غضون أسبوعين.

وتزامنت أنباء احتجازه مع زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي للولايات المتحدة التي تركزت على البرنامج النووي الإيراني. وشكك بعض المحللين الإسرائيليين في توقيت الإعلان عن هذه القضية وقالوا: إن إعلانها يأتي في إطار الجهود لإجهاض انفتاح طهران على واشنطن.

وقال نتنياهو في كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثلاثاء الماضي إن عميلا إيرانيا اعتقل أثناء محاولته جمع معلومات لتنفيذ هجمات محتملة على السفارة الأميركية في تل أبيب.

وأشار قرار اتهام منصوري إلى أنه التقط صورا للسفارة الأميركية من الخارج لكنه قال: إن مهمة المشتبه به - 55 عاما - الرئيسية كانت إنشاء شركة في إسرائيل تكون غطاء لأنشطة تجسس.

وقال قرار الاتهام الذي وزعته وزارة العدل «كان يأمل في توقيع عقود تجارية تمكن من كلفوه من تأسيس شركة يمكن أن تستخدمها المخابرات الإيرانية في المستقبل».

واتهم منصوري، الذي قالت إسرائيل إنه ولد في طهران وغير اسمه بشكل قانوني في بلجيكا إلى الكس مانز بالتجسس ومساعدة عدو في زمن الحرب.

وقال ميحال اوكابي محامي منصوري للصحافيين الأسبوع الماضي إن القضية معقدة وإن «محاولة الزعم أن موكلنا جاء إلى هنا لتنفيذ هجمات في إسرائيل بعيدة كل البعد عن الحقيقة ولا أساس لها».