عسكريون وخبراء: ليست المرة الأولى التي تهدد فيها واشنطن بقطع المساعدات

اللواء قشقوش: المشكلة في تغيير مدرسة التسليح > مسؤول عسكري: التصنيع المحلي يغطي كل الذخائر

TT

من وراء نافذة في بناية عسكرية في شرق العاصمة القاهرة، يراقب مسؤول بالجيش المصري حركة السيارات والمشاة، بينما بدت أوراق الشجر تتحرك تحت رياح الشمال. وبدا الرجل البالغ من العمر أقل قليلا من خمسين عاما، غير قلق من أنباء بشأن وجود اتجاه في واشنطن بقطع المعونة الأميركية لمصر، وقال وهو يستدير في ثقة: «ليست هذه المرة الأولى التي يلوحون فيها بقطع المعونة، حتى لو قطعوها، ماذا سيحدث؟ هم الخاسرون».

وكان عمر هذا الرجل، الذي يحمل حاليا رتبة عقيد، لا يزيد على سبع سنوات أثناء آخر حروب مصر مع إسرائيل عام 1973، وحين وقع الرئيس الراحل أنور السادات اتفاقية المعونة مع الجانب الأميركي في عام 1981 كان العقيد الذي طلب عدم ذكر اسمه ما زال طالبا.

وأضاف: «منذ توقيع السادات لهذه الاتفاقية، الدنيا تغيرت محليا وإقليميا ودوليا، والأبواب، اليوم، كما ترى، أصبحت مفتوحة، ولم تعد أميركا المصدر الوحيد للسلاح».

وتقدم الولايات المتحدة لمصر منذ أكثر من ثلاثين عاما مساعدات سنوية تبلغ نحو 1.55 مليار دولار من بينها 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية، لكن العلاقة بين البلدين تدهورت عقب إطاحة الجيش بالرئيس المنتمي لجماعة الإخوان محمد مرسي، في الثالث من يوليو (تموز)، باعتباره أول رئيس مدني يفوز في انتخابات ديمقراطية نزيهة في أكبر البلدان العربية من حيث عدد السكان.

ودفع ذلك إدارة أوباما إلى تعليق تدريبات «النجم الساطع» السنوية التي كانت تجريها مع مصر في شمال غربي القاهرة، وقولها بعد ذلك إنها ستعلق نحو 585 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر إلى أن يجري إجراء مراجعة أوسع للسياسة، وتبعها تسريبات الليلة قبل الماضية بشأن وجود اتجاه لوقف غالبية المخصصات المالية من هذه المعونة. وبعيدا عن المبنى العسكري بعدة شوارع، وفي منتديات القاهرة حيث يفكر المصريون في مستقبل بلادهم، يسود اعتقاد، من خلال المناقشات، أن المساعدات الأميركية المالية للقاهرة، في الجانبين الاقتصادي والعسكري، ترتبط بشكل مباشر باتفاقية السلام المبرمة بين مصر وإسرائيل منذ عام 1979، وأن أي مساس بهذه المساعدات يؤثر على اتفاقية كامب ديفيد والترتيبات الأمنية المتعلقة بها والمستقرة منذ توقيع هذه الاتفاقية في أواخر عهد السادات. وتتطرق العديد من الأطروحات إلى متانة العلاقات بين واشنطن والقاهرة رغم الفتور الذي تسببت فيه عملية الإطاحة بمرسي. ويذكر البعض أنه، ومنذ مطلع ثمانينات القرن الماضي، يوجد تنسيق رفيع المستوى بين الجانبين، خاصة في الملف الأمني، كان أبرزه ما يتعلق بمكافحة الإرهاب، رغم تذبذب العلاقات السياسية بينهما في بعض الفترات، خاصة في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك. وبعد أن ازداد الجدل حدة في المقهى الأرستقراطي في ضاحية «مصر الجديدة»، برز سؤال عما إذا كان قطع المعونة و«الخصام مع أميركا» يمكن أن يؤثر على اتفاقية السلام المبرمة بين مصر وإسرائيل.

لكن اللواء عادل سليمان، مدير المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية، قال إنه لا توجد علاقة للمعونة باتفاقية السلام مع تل أبيب، رافضا استخدام البعض مصطلح «خصام»، وأضاف موضحا لـ«الشرق الأوسط»: «لا علاقة بين قطع المساعدات واتفاقية السلام؛ لأن المعونة العسكرية الأميركية تقررت بعد المعاهدة وبعد اتفاقية السلام، وليس هناك ارتباط، لكن لها ارتباط بحالة الاستقرار في المنطقة»، مشيرا إلى أن الربط بين المعونة الأميركية والسلام مع إسرائيل «خطأ شائع». وقال إن المعونة التي تقررت واتفق عليها السادات عام 1981 تهدف إلى «خلق حالة من التوازن (في التسليح) في المنطقة وضمان عدم عودة حالة الحرب».

وتابع سليمان قائلا: «لا نستطيع أن نستخدم مصطلح (خصام) بين القاهرة وواشنطن، ولكن يمكن أن نقول عدم الرضا عن السياسات التي يتبعها النظام الحالي في مصر. القانون الأميركي ينص على أن أي دولة يجري فيها تغيير (سياسي) بالقوة المسلحة لا تتلقى مساعدات أميركية»، مشيرا إلى أنه ولهذا السبب يناور الجانب الأميركي في اتخاذ موقف واضح من الأحداث التي شهدتها مصر منذ عزل مرسي. وقال: «لذلك فإنهم (الأميركان) يناورون، ولا يقولون إنه انقلاب، ولا يقولون إنه ليس انقلابا».

هل يمكن أن يؤثر قطع المعونة على التعاون والتنسيق الأمني بين مصر وأميركا من جانب وبين مصر وإسرائيل، خاصة في سيناء، من الجانب الآخر؟ وفقا لرؤية عدد من الخبراء العسكريين فإنه لن يؤثر. وقال اللواء سليمان إن احتمال قطع المعونة «ليس له تأثير على التعاون الأمني المصري - الإسرائيلي المتعلق بسيناء، وبالجماعات المتطرفة التي تناهض النظام القائم لمصر وتعلن عداءها لإسرائيل».

وقال اللواء محمد قشقوش، أستاذ الأمن القومي في أكاديمية ناصر العسكرية العليا بمصر، لـ«الشرق الأوسط»: «إن التهديد بقطع المعونات الأميركية لمصر حدث أكثر من مرة، واختلفت الإدارتان في القاهرة وواشنطن حول هذا الأمر عدة مرات». وأضاف أنه كانت هناك واقعة تتعلق برفض السادات إعطاء الأميركيين مكانا في منطقة برنيس بمصر (قرب البحر الأحمر) ليكون قاعدة لقوة الانتشار السريع المتجهة إلى الخليج، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة كانت في ذلك الوقت تحتاج لتلك القاعدة لإنزال القوات القادمة من فلوريدا، ورغم اعتذار مصر فإن الأميركيين لم يقطعوا المعونة.

ويبلغ مقدار الأموال المخصصة للتسليح سنويا ما بين 700 مليون دولار و800 مليون دولار، من إجمالي المساعدات العسكرية (1.3 مليار دولار)، حيث يذهب باقي المبلغ إلى الخبراء والشؤون الإدارية الأميركية، وفقا لما قاله اللواء قشقوش، وهو أيضا محلل استراتيجي عسكري، مضيفا أنه «حتى لو توقفت المعونة فإن مصر لن تموت»، لكنه أشار إلى أن المشكلة في الأمر هي التغيير من مدرسة (في التسليح) إلى مدرسة. ومع ذلك قال إن «المدرسة الأميركية لها امتداد غربي كبير يمكن أن نكمل منه احتياجاتنا. ولدينا نحو 65 في المائة من السلاح من أميركا و35 في المائة من روسيا وألمانيا والصين».

وحصلت مصر أخيرا على واحدة من أحدث الغواصات في العالم من ألمانيا، وتسمى «الدلفن». كما أن التصنيع العسكري في مصر يغطي كل الأسلحة الصغيرة والمتوسطة والهاونات وجميع الذخائر، ومنها قطع الغيار، إضافة إلى أن «مصر نفسها تصدر أسلحة للخارج». وبدت شوارع ضاحية «مصر الجديدة» أكثر سكونا بمرور الليل، بينما استمر العقيد المصري يعمل في مكتبه. ومن وراء الشجر، في طريق صلاح سالم، وقفت دبابتان وعدة جنود لفرض حظر التجوال المطبق في البلاد منذ عزل مرسي، وقال: «نفترض أن أميركا قطعت المعونة اليوم، فلن تظهر لهذا القرار آثار إلا بعد عدة سنوات، وعندها نكون قد تدبرنا أمورنا».