لاريجاني يعد المفاوضات المقبلة مع الدول الست «خطوة إيجابية»

ظريف يرد على المنتقدين: التقارب مع واشنطن نجاح كبير

رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني خلال مؤتمر صحافي في جنيف أمس (أ.ب)
TT

تستعد إيران لأول مفاوضات مع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا حول ملفها النووي الأسبوع المقبل، منذ انتخاب الرئيس الإيراني حسن روحاني في يونيو (حزيران) الماضي.

وقال رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني أمس إنه يتطلع بإيجابية لإجراء محادثات نووية جديدة الأسبوع المقبل وسط آمال في حدوث انفراج في الأزمة مع تولي قيادة جديدة المسؤولية في إيران.

وصرح لاريجاني الذي شغل في السابق منصبا كبيرا المفاوضين النوويين، للصحافيين، بأن «عددا من الدول يوجه تهديدات لبلادي، وهم يبحثون الآن عن حل سياسي، وأنا أعتبر ذلك خطوة إيجابية».

وأضاف لاريجاني قبل محادثات بين إيران والدول الست الكبرى (بريطانيا، الصين، فرنسا، ألمانيا، روسيا، الولايات المتحدة): «أتطلع إلى المفاوضات المقبلة بإيجابية».

ووصف لاريجاني المحادثات بأنها «نافذة فرصة» لحل المشكلة، قائلا: «لبناء الثقة نحتاج إلى اتخاذ الكثير من الخطوات، ويجب أن تكون لديك خطة»، مضيفا أنه يتوقع أن تكون المحادثات «جدية للغاية». وأضاف: «هذه ليست صفقة تجارية، بل إنها تتعلق ببناء الثقة».

وردا على سؤال حول موقف واشنطن من أن استخدام القوة لوقف البرنامج النووي الإيراني لا يزال غير مستبعد، قال لاريجاني: «بالنسبة لإيران لا أحد يعطي مثل هذه التهديدات الكثير من القيمة».

وترغب إيران في تخفيف مجموعة العقوبات الدولية والغربية على صادراتها النفطية التي بدأت في التسبب في مشاكل اقتصادية كبيرة العام الماضي.

إلا أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري دعا إيران أول من أمس إلى تقديم اقتراحات جديدة بشأن برنامجها النووي لكسر الجمود في المفاوضات.

ورفض لاريجاني أن يصرح بما إذا كانت إيران ستقدم أي تنازلات خلال المحادثات، قائلا: «تتصل في معظمها ببناء الثقة أكثر من الأخذ والعطاء التجاري». وأضاف: «المفاوضات حقيقة فرصة في حالة إذا كانت جميع الأطراف مستعدة لاستغلال هذه الفرصة».

وتترقب مجموعة الست، التي ستبدأ الثلاثاء المقبل وليومين جولة جديدة من المفاوضات مع طهران حول برنامجها النووي، ما سيأتي به المفاوض الإيراني من مقترحات «جديدة» من شأنها إخراج هذا الملف من حال المراوحة التي يتخبط فيها منذ سنوات. وتتأرجح حال الست، وفق مصادر دبلوماسية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» في باريس، بين الأمل في أن تترجم لهجة الرئيس الإيراني الجديد ووزير خارجيته بتغير «ملموس» حول طاولة المفاوضات.. الأمر الذي سيخرجها من الطريق المسدود وبين التخوف من أن يستعيد المفاوض الإيراني خطاب ومطالب بلاده السابقة التي تدعو الستة والغربيين بشكل خاص إلى رفع العقوبات المفروضة والاعتراف بـ«حق» إيران اللامحدود في تخصيب اليورانيوم بالنسب التي تريدها. وقالت المصادر المشار إليها إن الست في «حال انتظار لرؤية كيف ستترجم الوعود الإيرانية» بالتزام الشفافية التامة وبالتوصل إلى اتفاق شامل بعد ستة أشهر عقب سنوات من المناقشات العقيمة وقرارات من مجلس الأمن والوكالة الدولية للطاقة النووية التي لم تنفذ منها طهران شيئا.

وترد المصادر الفرنسية على ما طلبه يوم الأحد الماضي وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي دعا الست للذهاب إلى جنيف وفي جعبتهم «مقاربة ومقترحات جديدة لأن القديمة عفا عنها الزمن» بتأكيد أن «لا شيء تغير لدى الست» ليعدلوا مقترحاتهم، وأن الطرف الإيراني هو الذي قال وردد أن «الوضع تغير ويتعين نسيان الماضي والانطلاق في مسار جديد». ولذا، فإن «التتمة الطبيعية» لما تقوله طهران، بحسب باريس، هو أن يصل ممثلها إلى جنيف ويضع على الطاولة تصور إيران للخروج من حال المراوحة والتقدم نحو حل شامل.

وتحذر باريس التي كان رئيسها الوحيد من بين الزعماء الغربيين الأساسيين الذين التقوا روحاني في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة، طهران من «التوغل في التوهمات وافتراض أن الست سيجلسون ويقولون: هذه هديتنا لكم. سنرفع عنكم العقوبات». أما إذا جاءت طهران بمقترحات «جدية» أو تعاملت بجدية مع ما كان اقترحه الست في ألما - آتا (كازخستان) في شهري فبراير (شباط) وأبريل (نيسان) الماضيين وقبلت الانطلاق منها، فإن الست «سيكونون عندها مستعدين تماما لمواكبة إيران والتقدم باتجاه الحل».

ويريد الغربيون من إيران وقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة، الأمر الذي يجري في موقعي ناطانز وفوردو، وأن «تتخلص» من اليورانيوم المخصب بهذه النسبة بنقله إلى الخارج، وأن توقف العمل بإنشاء موقع أراك (قرب مدينة قم) الذي من المفترض أن يعمل بالمياه الثقيلة لإنتاج البلوتونيوم الصالح لتصنيع القنبلة النووية فضلا عن الاستجابة لمطالب الوكالة الدولية للطاقة النووية لجهة الإضاءة على المناطق الغامضة في البرنامج النووي الإيراني.

ومقابل ذلك، سيعمد الست والغربيون على تسهيل تجارة الذهب والمشتقات البتروكيماوية. وتقوم فلسفتهم على مبدأ «التبادلية»، بمعنى أن كل خطوة إيجابية من طهران يمكن أن تقابلها خطوة إيجابية من قبلهم.

وتعي باريس أهمية مساعدة الرئيس روحاني لتقوية موقعه داخل إيران، لكن التوجه العام لا يبدو للتساهل بشأن الملف النووي رغم الأجواء «الجديدة» التي أشاعها الأخير منذ انتخابه، وحاجته لأن يقدم للإيرانيين «شيئا ما» تكون له انعكاسات على حياتهم اليومية.

وبأي حال، ما زالت حالة الالتباس تحير الست الذين «لا يعرفون حتى الآن هامش المناورة» الذي يمنحه المرشد الأعلى خامئني لروحاني في الملف النووي الذي له اليد العليا بشأنه. ولذا فالمهم، من وجهة النظر الغربية، «ليس التعبير عن الانبهار بشخصية روحاني المتميز بالذكاء أو بقدرته على الحوار، بل بما يمكن أن ينتجه النظام الإيراني» المعقد بشأن الملف النووي.

وكان وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس نبه إلى استمرار إيران في استكمال إنشاء معمل أراك، واعتبر أن «الوقت داهم»؛ لأنه إذا نجحت إيران في إنجازه فسيكون من الصعب عندها التخلص منه عسكريا بسبب تسرب البلوتونيوم المشع وما يشكله من مخاطر. وقدر فابيوس الفترة المتبقية بعام واحد بعدها سيكون الوقت قد فات.

ومن جهة أخرى، وصف وزير الخارجية الإيراني التقارب الأخير بين طهران وواشنطن بأنه «نجاح كبير»، مؤكدا أنه شعر بوعكة إثر انتقادات الصحافة المحافظة في هذا الخصوص. ونقلت وكالة أنباء «مهر» عن ظريف قوله لدى الخروج من جلسة مجلس الوزراء: «أعتبر الزيارة إلى نيويورك بمثابة نجاح كبير للحكومة». وخلال أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نهاية الشهر الماضي أجرت إيران والولايات المتحدة تقاربا تاريخيا من خلال المحادثة الهاتفية بين الرئيسين حسن روحاني وباراك أوباما واللقاء الثنائي بين ظريف ونظيره الأميركي جون كيري.

لكن الانفراج بين البلدين اللذين لا يقيمان علاقات دبلوماسية منذ 1980، تعرض للانتقاد من قبل المسؤولين المحافظين الذين اعتبروا أن هذه الاتصالات سابقة لأوانها. أوردت صحيفة «كيهان» المحافظة تصريحات نسبت إلى ظريف أمام النواب أقر فيها بأن هذه الاتصالات كانت خطأ. وعنونت الصحيفة التي تعتبر مقربة من المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي أن «نقاش روحاني لم يكن في محله كما اللقاء المطول الذي عقدته مع كيري». واستخدمت الصحيفة أول من أمس عبارة خامنئي الذي انتقد السبت «قسما» من الزيارة إلى الأمم المتحدة.

وعلى صفحته على موقع «فيس بوك»، قال ظريف إنه شعر بوعكة بعد أن قرأ عنوان المقال. وأضاف: «لم أعد أستطيع المشي أو الجلوس. غادرت مقر وزارة الخارجية للتوجه إلى المستشفى. وأظهرت صورة الرنين المغناطيسي أن مشكلتي كانت خصوصا مرتبطة بالإرهاق وتشنج العضلات».

ونفى ظريف صحة التصريحات التي نسبت إليه. وقال على «فيس بوك»: «من المؤسف أن تلخص ساعة ونصف الساعة من المباحثات الجدية والصريحة والخاصة (...) بأربع عبارات لا يتماشى مضمونها مع ما قلته».