خادم الحرمين الشريفين أمام مؤتمر مكة المكرمة: السعودية ليست حديثة عهد بشأن حقوق الإنسان

في كلمة ألقاها نيابة عنه الأمير خالد الفيصل بمقر رابطة العالم الإسلامي

الأمير خالد الفيصل افتتح نيابة عن خادم الحرمين الشريفين مؤتمر مكة المكرمة، وألقى كلمته أمام المشاركين.. وفي الصورة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ مفتي عام السعودية، والدكتور عبد الله التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي (تصوير: أحمد حشاد)
TT

أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أن بلاده قائمة على شريعة الإسلام، وأنها إذ تلتزم بالمواثيق الدولية «إنما تؤكد أن حقوق الإنسان كاملة مصونة بهذه الشريعة»، مشددا على أن المملكة «لم تكن يوما حديثة عهد بشأن حقوق الإنسان، بل إنها تطبقها منذ قيامها في إطار تطبيقها لشرع الله، وتراعي في تطبيقها ما تقتضيه المعاصرة من التزامات، فلم تتخلف عن المشاركة في المحافل الدولية، التي تداولت أعمال التأسيس لهذه الحقوق».

جاء ذلك ضمن كلمة خادم الحرمين الشريفين، التي ألقاها نيابة عنه الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، أمام مؤتمر مكة المكرمة الرابع عشر، برعاية الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي افتتحه نيابة عنه الأمير خالد الفيصل أمس، وتعقده رابطة العالم الإسلامي بمقرها في مكة المكرمة بعنوان «حقوق الإنسان بين الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية»، ويستمر ثلاثة أيام.

وأشار خادم الحرمين الشريفين إلى أن المملكة أعطت نموذجا تطبيقيا رائدا في التوفيق بين الالتزام بالإسلام والاستفادة من التجارب الإنسانية الإيجابية. وأضاف أن الإسلام صان حقوق الإنسان وكفلها «وأمرنا بالتعاهد على مراعاتها»، وأن الشريعة الإسلامية «لم تترك فضيلة إلا وقضت بها، ولا رذيلة إلا ونهت عنها»، وعلى هذه الأسس، الإيمان والعدل والإحسان والحرية والمساواة «قامت الدولة في الإسلام، وغطت رايتها نحو ثلثي العالم». وفي ما يلي نص الكلمة:

«بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..

أصحاب المعالي والفضيلة والسعادة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. شرفني خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بأن ألقي على جمعكم الكريم كلمته إلى مؤتمركم المنعقد على موضوع (حقوق الإنسان بين الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية). ويسعدني بداية أن أنقل إليكم تحياته، حفظه الله، وتمنياته لكم بالتوفيق والسداد. وأن أرحب بكم في مؤتمركم الجامع شمل الأمة، على هذه الأرض الطيبة، في أيام قدسية مباركة، تحتشد فيها قلوب العباد إلى ربها ضارعة. نسأل الله تعالى أن يديم على هذه البلاد عونه وتوفيقه، لتواصل أداء أمانتها، التي شرفها الله بها في خدمة الإسلام والمسلمين، وضيوفه الحجاج والمعتمرين.

الإخوة الأفاضل: قبل أربعة عشر قرنا ونيف، وكما هو معلوم، جاءت شريعة الإسلام قرآنا كريما وسنة مطهرة بكل ما يحفظ للإنسان دمه وماله وعرضه، ويحرره من كل عبودية عدا عبوديته لخالقه جل وعلا، وبذلك تتحقق للإنسان الحرية، في حدود ما قضى به المشرع الأعظم سبحانه وتعالى من أجل صلاح الدين والدنيا للإنسان، بأن يعبد الله حق عبادته، ويحقق القصد من استخلافه على الأرض، لأجل عمارتها وترقيتها على شرعه جل وعلا. وهكذا يصبح الناس سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، ومن هنا جاءت صرخة ثاني الخلفاء، في وجه واليه على مصر (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟!).. وفي نظام يقوم على هذه المساواة كان لا بد أن يقوم الحكم على أساس العدل، الذي ورد في غير موقع قرآني، منها قوله تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعمّا يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا). النساء 58. ولم تترك الشريعة الإسلامية فضيلة إلا وقضت بها، ولا رذيلة إلا ونهت عنها. وعلى هذه الأسس: الإيمان، والعدل، والإحسان، والحرية، والمساواة، وغيرها من قيم الفضيلة، قامت الدولة في الإسلام، وغطت رايتها نحو ثلثي العالم. من هنا يتبين لنا مدى فضل الله علينا، إذ بعث فينا خاتم أنبيائه ورسله (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) آل عمران 164.

وكشف لنا الإسلام حقوق الإنسان وكفلها، وأمرنا بالتعاهد على مراعاتها، بما في هذه الرسالة العظيمة من قيم، طبق المسلمون الأولون تعاليمها، ففاءت عليهم بالأمن والاستقرار النفسي والمجتمعي، ثم حملوها إلى أمم العالم، فحققوا للإنسان بها ما يفوق كثيرا المواثيق الدولية اليوم.

ولا شك أن بقاء هذه الرسالة الإسلامية مصونة بحفظ الله إلى يومنا هذا إنما هو رحمة، وسفينة نجاة للناس مما هم فيه يعمهون، وإن فرط بعض المسلمين في الاستقامة على منهاجها، وانحسر مدهم في العالم تبعا لذلك. ومع انتشار العنف والحرب المدمرة، المضيعة لكل حقوق الإنسان، والمؤدية لقهره، وطغيان المادة دون قلب يرحم، ولا دين يردع، في كثير من أنحاء العالم، اشتعلت على أثر ذلك الدعوة لرفع هذا القهر عن كاهل الإنسان وحفظ حقوقه، وتطور الأمر إلى قيام منظمات متخصصة في هذا الشأن، وأبرمت مواثيق وعهود، يلتزم بها العالم لتحقيق هذا الهدف.

الإخوة الأكارم: المملكة العربية السعودية، الدولة القائمة على شريعة الإسلام، إذ تلتزم بهذه المواثيق الدولية، إنما تؤكد أن حقوق الإنسان كاملة مصونة بهذه الشريعة، والمشرع فيها هو الله، جل وعلا، ولا يزايد على صنعة الله إلا زائغ. ولم تكن هذه المملكة يوما حديثة عهد بشأن حقوق الإنسان، بل إنها تطبقها، منذ قيامها، في إطار تطبيقها لشرع الله، وتراعي في تطبيقها ما تقتضيه المعاصرة من التزامات، فلم تتخلف عن المشاركة في المحافل الدولية، التي تداولت أعمال التأسيس لهذه الحقوق، ثم إصدار صكوكها، حتى تم التعاهد على تطبيقها، وبهذا أعطت المملكة نموذجا تطبيقيا رائدا، في التوفيق بين الالتزام بالإسلام، والاستفادة من التجارب الإنسانية الإيجابية.

وفي الختام، أشكر رابطة العالم الإسلامي، بقيادة رئيس مجلسها الأعلى، وأمينها العام، على ما تسهم به من جهود مميزة، في توعية الأمة بواجباتها نحو دينها وأوطانها وقضاياها، ورد الشبهات والأباطيل الموجهة ضد الإسلام وحضارته ورموزه ومقدساته. وأسأل الله تعالى أن يكلل أعمالكم بالنجاح والتوفيق، إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».

وكان رئيس هيئة الإفتاء وأهل السنة والجماعة بالعراق الدكتور عبد الملك السعدي ألقى كلمة نيابة عن المشاركين، عبر فيها عن الشكر والتقدير لخادم الحرمين الشريفين وحكومته على حسن الوفادة والتكريم، وبين أن الاجتماع يأتي في هذه الأيام الفاضلة المباركة على أرض بيت الله الحرام وبجوار الكعبة المشرفة في ظروف تمر بالعالم الإسلامي من أحلك الظروف. واستعرض أحوال المسلمين وما يعانونه في شتى الأقطار وما يجب على المسلمين تجاه إخوانهم، وحث علماء الأمة ودعاتها على تحمل مسؤولياتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

بينما ثمن الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، في كلمته بجهود الملك عبد الله بن عبد العزيز، وولي عهده، والنائب الثاني، في خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما، وعلى ما تلقاه الرابطة من التشجيع المتواصل لمختلف مناشطها ومناسباتها.

وأوضح أن الرابطة اختارت حقوق الإنسان موضوعا لمؤتمر مكة، آملة أن تبرز أبحاثه سمو الشريعة وأسبقيتها في صون حرية الإنسان وكرامته بصورة وافية وشاملة، وتبرز المبادئ التي تنطلق منها في تقرير الحقوق وحمايتها إبرازا يشجع الدول الإسلامية على الاهتمام بتطبيق الشريعة الإسلامية. وشدد على أهمية أن تبادر الأمة الإسلامية إلى استخراج ما يتعلق بـ«حقوق الإنسان» من مخزونها الثقافي الثري المستمد من كتاب الله وسنة رسوله. وبين أنه مما يضعف الأمة عن تبليغ رسالتها إلى العالم ما ابتليت به بعض مجتمعاتها من التطرف والغلو، وأعمال إجرامية مدمرة ذات طابع عنفي وإرهابي أصبحت مناطق عديدة من العالم مسرحا لها، والتي أكد أنه من المؤسف أنها تجد دعما خفيا أو جليا من بعض القوى التي تجد في ذلك خدمة لمصالحها وتحقيقا لمآربها، لافتا إلى أنه على المستوى الدولي يبدو واضحا التقصير في الشمولية والعدالة في تطبيق هذه الحقوق والكيل بمكيالين مختلفين إيثارا لاعتبارات من المصالح والتعصب الديني والحضاري، وهذا ما تشهد الدلائل عليه من قضايا المسلمين بصورة واضحة «كما هو الحال في ميانمار وفلسطين وسوريا».

بينما تحدث الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء، في كلمته بأن الإسلام صان حقوق الإنسان في المال والنفس والعرض، وأن هذه الحقوق نابعة من العقيدة الصحيحة، وأن هذه الحقول شاملة للجنس والنوع وفي جميع المجالات سواء كانت سياسية أو علمية، وهي حقوق مصدرها رب العالمين وليست من صنع البشر، وهي حقوق ثابتة غير متغيرة. وأضاف أن من حقوق الإنسان العدل بين الناس، متمنيا أن يخرج المؤتمر بتوصيات طيبة «توضح وتبين موقف الإسلام من هذه الحقوق العظيمة».