اللواء إدريس عن انشقاقه: خجلت من لباسي العسكري فاتخذت القرار

التقى مع مهربيه تحت صورة للأسد.. والخوف الأكبر كان على بناته

TT

تحدث رئيس أركان «الجيش السوري الحر» اللواء سليم إدريس للمرة الأولى عن قراره وملابسات انشقاقه الذي تأخر بعض الشيء عن زملائه في العمل المسلح نتيجة ظروف قال إنها كانت تمنعه من ذلك، أبرزها الخطر الذي تهدد كل عائلته.

عندما أصبح إدريس يخجل من ارتداء بدلته العسكرية المزينة بالشارات والأوسمة «لأن الجيش يقتل الشعب» اتخذ قرار الانشقاق وانتظر التوقيت المناسب. في هذا الحوار يتحدث إدريس عن لحظات صعبة عاشها مع أفراد عائلته لدى تنفيذ عملية الانشقاق، وأن يده كانت على الزناد وكذلك ابناه ومرافقوه.. وكانت تعليماته لهم القتال حتى الموت خوفا على عائلته من مصير بشع، خصوصا البنات.

* قرار الانشقاق الذي اتخذته، لماذا وكيف؟

- أنا كنت برتبة عميد: دكتورا مهندسا في أكاديمية الهندسة العسكرية في حلب. وأنا من مدينة حمص، من قرية صغيرة شرق بحيرة قطينة، قريبة من القصير. كان أهلي في القرية من أوائل من كانوا يذهبون للتظاهر في بابا عمرو. نفذت مجزرة من قبل النظام في حق هؤلاء، وخسرنا شهداء في هذا الاعتصام، ثم سقط لنا شهداء في بابا عمرو، ثم داهم النظام قريتنا وقتل 4 أشخاص من بينهم عقيد متقاعد، دون سؤال أو جواب. وأخذ 70 رجلا (نحن من قرية صغيرة جدا، تقريبا من عائلة واحدة) أخذوهم بعد أن أهانوا كرامتهم إلى المعتقلات، وبعضهم لا يزال حتى الآن لا نعلم أين هو، والبعض أعيد مقتولا، ثم أحرقوا القرية بعد أن سرقوها. اسم القرية «المباركية»، وأنا كنت في النظام، هل يعتقد أحد أنه يمكنني أن أقول ماذا حصل؟ كانوا يعرفون أنني من القرية ويسألونني ماذا حصل؟ كان جوابي أن هناك جماعة إرهابية جاءت ودمرت «المباركية»، وإذا كان جوابك غير ذلك فستذبح أنت وعائلتك. طبعا منذ أن بدأ النظام في إطلاق نار على المواطنين كنا نقوم ببعض النقاشات مع بعض الإخوة الضباط الموجودين هناك، وكانت آراؤنا جميعا أن هذا النظام مجرم، سيزج الجيش ضد الشعب، وأن ما سيجري في سوريا سيكون مغايرا تماما لما جرى في تونس ومصر، وأن عندنا مأساة لأن العلويين يسيطرون على الجيش. 95 في المائة من ضباط الجيش علويون، وفي الفترة الأخيرة أصبحت نفسياتهم لا توصف، عدوانية هائلة جدا. فطبعا قررت ألا أبقى في هذا الجيش، لكن يجب أن أختار الفرصة المناسبة لأن لدي عائلة وبنات في الجامعة وإخوة وعائلاتهم، يجب تأمينهم قبل أن أخرج.

أمنت العائلة والأقارب على قدر المستطاع، وبعضهم داخل سوريا.. ثم في أحد الأيام بعد انتهاء الدوام الرسمي عدت إلى البيت، رغم أنني لم أكن أقرر من قبل أن هذا اليوم هو الذي سأخرج فيه، وكنت متفقا أنا وزوجتي على توقيت محدد، والأولاد لا يعرفون أننا سنخرج. عندما ذهبت إلى البيت رأيت الجميع يبكي، فزوجتي أخوها أعتقل منذ عام من دون ذنب وهو وحيد. عندي 4 عائلات في البيت كانت نازحة من حمص وبابا عمرو. يومها كان النظام قد شن هجوما على قرية «شنشار» وسقط اثنان من العائلة قتيلين. أتيت إلى البيت وكان الجميع يبكي، فهذا الوضع لم يترك لي الفرصة للانتظار، وفورا قلت لزوجتي «إن كنتم جاهزين فلنخرج»، وفعلا كنا جاهزين لأن كل واحد منا سيخرج مع حقيبة يده لأن بيتي كان مراقبا. فعدت إلى الثكنة لأن بندقيتي كانت في خزانتي في المكتب، طبعا لا توجد مشكلة في الدخول والكل يعرفني، فأنا مدير معهد هناك، وعضو مجلس أكاديمية، والجميع فتح لي الباب مبتسما وأنا أعتصر بالألم، فدخلت إلى مكتبي أخذت بندقيتي وخرجت وأنا أعلم أنني آخر مرة سأكون فيها في هذه الأكاديمية، إلا إذا عدنا إليها بطريقة أخرى. العائلة كانت جاهزة وقلت لهم أن يخرجوا من باب البناية بشكل مموه، كل اثنتين من البنات تذهبان إلى موقف الباص ويذهبن جميعا إلى حلب على أساس أنهن ذاهبات للتبضع. زوجتي اتجهت مع ابني إلى مكان آخر باتجاه بقالة في الحمدانية، وأنا اتجهت باتجاه ملعب الحمدانية. توزعنا بشكل غريب واتفقت مع الإخوة الذين سيخرجونني من المدينة إلى المناطق المحررة على أن تمر 4 سيارات واحدة باتجاه حلب لتحضر البنات اللائي ذهبن للتسوق، وواحدة إلى ملعب الحمدانية لأرجع أنا، وواحدة إلى البقالة التي ذهبت إليها زوجتي وابني. والتقينا في حلب. وبعدها توجهنا باتجاه المناطق المحررة في ريف إدلب وبتنا ليلة عند أحد الضباط المنشقين، وفي اليوم التالي توجهنا نحو الشريط الحدودي، وكان أول يوم في شهر رمضان، عبر الجبال مشيا على الأقدام إلى مخفر شرطة تركي. وصلنا ليلا مع المساء، الجميع كان صائما، فورا الإخوة الأتراك جاءوا بـ«حصير» جلس عليه البنات، ريثما أحضروا سيارة، وتم نقلنا بعد إجراءات خفيفة جدا إلى معسكر، مخيم الضباط داخل الأراضي التركية.

* لم تكن رحلة سهلة..

- تصور أنك معرض للقتل أو الاعتقال ما دمت موجودا على الأراضي السورية.

* كيف كان شعورك عندما وصلت؟

- لم أكن خائفا على نفسي. أنا انشققت مع سلاحي وكانت بندقيتي جاهزة بيدي، وأعطاني الإخوة الذين أحضروني في السيارات «وهم مدنيون» مسدسا، وهم كلهم كانوا مسلحين. كان فقط يراودني إحساس لا سمح الله إن وقعنا بيد النظام، الخشية على البنات وزوجتي. ابني الكبير كان معه بندقية، كذلك ابني الصغير، وأنا قلت لهم إذا وقعنا في كمين أو في يد النظام تقاتلون حتى الموت. اجتمعنا عند تحويلة الرقة، قبل حلب بقليل، عند صورة للمجرم بشار، انطلقنا بعدها على الجسر، ما لا يزيد على كيلومتر واحد، فقال لي الإخوة أنت في المناطق المحررة، لن ترى النظام ولا حواجز للنظام. أغلب ضباط الجيش خاصة المهندسين هناك معرفة شخصية معهم. لكن كان إجرام النظام ليس له حدود.. قالوا لي ابق وسوف ترفع إلى رتبة لواء، أي رتبة لواء يتكلمون وكل أهلي ذبحوا؟ هل الإنسان فقد الكرامة والشعور؟ أصبحنا عندما نأتي في نهاية الدوام إلى بيتي في الحمدانية أخجل أنني ارتدي اللباس العسكري لأن الجيش يقتل الشعب، علما بأن اللباس العسكري جميل خاصة في الرتب العالية، وهناك أوسمة قصيرة وإشارات حمراء، ولافت للنظر. أصبح الإنسان يخجل بدلا من أن يعتز ويفتخر بأنه يرتدي هذه البزة العسكرية.