سوري يقاتل النظام بالبندقية وبتدريس التلاميذ في حلب

يعلم طلابه بناء سوريا عبر «الجهاد» في المدرسة لا في الجبهة

TT

لم يتصور أبو ياسين أنه قد يحمل في أحد الأيام سلاحا لقتال نظام الرئيس بشار الأسد، لكن رؤية طفل ينزف حتى الموت بين ذراعي والديه دفعته إلى ترك دراسته والانضمام إلى قوى المعارضة المسلحة في سوريا.

وعند انطلاق الاحتجاجات ضد نظام الرئيس الأسد في مارس (آذار) 2011 كان الشاب طالب في البيولوجيا في السنة الثانية في جامعة حلب، ولم يكن أتم العشرين من عمره. بعد ذلك بدأ الكثيرون من أبناء جيله يلتحقون بالكتائب التي تقاتل الجيش السوري النظامي. وفي الخريف الماضي قرر ترك دراسته، والانضمام إلى صفوف المعارضة المسلحة.

ويقول الشاب الذي يبلغ من العمر واحدا وعشرين عاما، وهو يرتدي ملابس سوداء ونظارة «تطوعت في مستشفى زكاري الميداني - الذي كان مسجدا في السابق في غرب حلب - لأنني كنت متأكدا أنني لست جيدا في القتال».

ويروي أبو ياسين، الذي أطلق لحية خفيفة، وصوته يرتعش لوكالة الصحافة الفرنسية «كنا نعالج كل يوم أطفالا ونساء وكبارا في السن أصيبوا بجروح فظيعة جراء القصف (...) لم أتخيل أبدا أن الحروب بهذا السوء (...) أبدا». ورأى الشاب في أحد الأيام رجلا فقد رجليه جراء انفجار يجلس في مؤخرة شاحنة وصلت إلى المستشفى وبين ذراعيه ابنه الصغير الذي ينزف بغزارة من بطنه المبقور. ولم يكن بالإمكان القيام بشيء لإنقاذ حياة الطفل الذي كان بحاجة إلى إجراء عملية جراحية طارئة.

ويقاتل الشاب منذ يناير (كانون الثاني) الماضي في حي صلاح الدين ضمن كتائب لواء التوحيد، أحد أكبر تشكيلات «الجيش السوري الحر» في شمال البلاد. وفي الأشهر الماضية، قرر أبو ياسين استخدام الكتاب إلى جانب البندقية، كما يقول، إذ بدأ في تعليم مادة الأحياء للأطفال في حي سيف الدولة الذي يسيطر عليه مقاتلو المعارضة. ويؤكد «أنا أكثر فائدة هنا من كوني مقاتلا على الجبهة». وفي درس عن الجهاز التنفسي، يشرح الشاب لأولاد تتراوح أعمارهم ما بين عشرة واثني عشر عاما كيفية دخول الأكسجين إلى الجسم وخروج ثاني أكسيد الكربون منه قائلا «شهيق.. زفير».

ولا يحب أبو ياسين الحديث عن الحرب، حيث ما زالت تطارده ذكرى أول رجل قتله وتمنعه من النوم. ويتابع «أفكر في ذلك الرجل وأدعو له ولعائلته. لست فخورا بأنني قتلته، لكن في وقت الحرب ليس لدينا الخيار. في كل مرة أضغط على الزناد أقتل عدوا وأنقذ حياة في المقابل».

واعتاد طلابه على رؤيته يصل إلى المدرسة أيام الأحد والاثنين والثلاثاء وبيده بندقيته، وهو أمر يثير فضولهم. ويؤكد «لا أتحدث عن الذي أراه أو أقوم به.. يطلب مني الأولاد أن أخبرهم بماذا يحدث في القتال لكنني أخبرهم دائما بأنني آمل أن يكبروا وألا يضطروا لحمل السلاح». ويشرح لطلابه «جهادكم ليس على الجبهة ولكن في المدرسة، تعلموا من أجل بناء سوريا».

ويحلم أبو ياسين بسوريا يتخذ الناس فيها قراراتهم «حيث نكون أحرارا في الاختيار وارتكاب الأخطاء». وأضاف «لأربعين عاما كانوا يقررون عنا» في إشارة إلى نظام الرئيس بشار الأسد ونظام والده حافظ الأسد. وبعد الحرب يأمل أبو ياسين في إنهاء دراسته الجامعية ليصبح معلما بعد أن تصبح سوريا «ديمقراطية ترتكز على مبادئ الإسلام». ويقول «أدرك أن أهم شيء هو تعليم الأجيال الجديدة لبناء البلاد وهذا ما أريد فعله».