لبنان: الخلاف بين «المستقبل» و«المفتي» ينعكس مواجهات بين أهل البيت الواحد

اشتباكات بين مناصري الفريقين وتوقيف 3 متورطين في طريق الجديدة

TT

انعكس الخلاف السياسي بين المفتي محمد رشيد قباني و«تيار المستقبل» مواجهات بين أهل البيت الواحد، وتحديدا الشارع السني، حيث وقع أمس إشكال أمني تخلله تبادل لإطلاق النار بين مناصرين للفريقين في منطقة طريق الجديدة في بيروت، مما أدى إلى توقيف ثلاثة من المشتبه بهم، وفق ما أعلنت قيادة الجيش، بمديرية التوجيه، في بيان لها أمس، مشيرة إلى أن القوى الأمنية حضرت على الأثر إلى المنطقة وفرضت طوقا أمنيا حولها وقامت بدهم أماكن مطلقي النار، وتستمر قوى الجيش في ملاحقة باقي المتورطين في الحادث لتوقيفهم وإحالتهم إلى القضاء المختص وإعادة الوضع إلى طبيعته.

وأكد مصدر عسكري لـ«الشرق الأوسط» أن الحادث هو نتيجة إشكال فردي على خلفية اختلاف بالانتماءات السياسية، وذلك بين أحد أبناء المنطقة الذي كان يؤدي صلاة العيد خلف المفتي قباني في جامع محمد الأمين في وسط بيروت، وعدد من أبناء المنطقة، عمدت بعدها القوى الأمنية إلى توقيف المتورطين، بينهم سعيد الشملي، والد الشاب الذي كان يصلي مع المفتي والذي قام بإطلاق النار، فيما لفتت بعض المصادر إلى توقيف الشملي واثنين من أبنائه.

وكانت معلومات صحافية قد ذكرت أن شملي مسؤول في سرايا المقاومة، التابعة لحزب الله، وهو أحد مرافقي المفتي قباني، مشيرة إلى أنه ظهر حاملا السلاح مهددا بالدفاع عن قباني، مما استفز عددا من أبناء المنطقة، وتحديدا مناصري تيار المستقبل، وحصل إطلاق نار وإلقاء قنابل بين الطرفين. وقد اعتبرت ابنة الشملي أن ما حدث يهدف بشكل رئيس إلى إخراج عائلتها من المنطقة المحسوبة على تيار المستقبل في حين أن والدها من المؤيدين والمناصرين لحزب الله.

في المقابل، لم يختلف «المشهد السياسي» في صلاة عيد الأضحى عن عيد الفطر الماضي، وذلك بمقاطعة نواب تيار المستقبل ورؤساء الحكومة للمفتي، وكسر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي العرف للمرة الثانية، بعدم اصطحاب قباني من منزله إلى المسجد، كما لم يعين للقيام بالمهمة ممثلا عنه، وهو الأمر الذي كان قد استدعى تهديدا، من قباني الذي يلقى دعم حزب الله، قبيل عيد الفطر الماضي، بالقول «إذا لم يعين رئيس الحكومة ممثلا عنه لمرافقة المفتي، سيقوم الشعب بذلك».

مع العلم بأن أزمة دار الفتوى بدأت منذ أشهر عدة بين أعضاء المجلس الإسلامي الشرعي، لا سيما رؤساء الحكومة السابقين، باستثناء سليم الحص، إضافة إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والمكلف تمام سلام، وقد نتج عنها «مجلسان»، أحدهما مدد لنفسه نهاية العام الفائت من دون العودة إلى مفتي الجمهورية محمد رشيد قباني، والثاني انتخب قبل نحو 5 أشهر بإيعاز من قباني.

كذلك، كانت حملة لـ«عزل» المفتي قباني قد أخذت طريقها القانوني، لكن أعيد تجميدها، يقودها رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، قوامها عريضة موقعة من أكثر من 82 عضوا من أصل 104، يشكلون أعضاء الهيئة الناخبة التي تضم إضافة إلى رؤساء الحكومات السابقين والحاليين، قضاة شرع ووزراء ونواب الطائفة وأمناء الفتوى والمدير العام للأوقاف الإسلامية.

وترتكز عناصر الاتهام التي تنطلق عريضة «عزل المفتي» منها على 4 بنود أساسية، هي «تعطيل مؤسسات دار الفتوى وشل عملها، وثبوت اختلاس المفتي قباني شخصيا أكثر من مليوني دولار، مدعومة بوثائق وإثباتات، وإمعان المفتي في الخروج عن الدولة والمؤسسات من خلال تحديه للسلطة القضائية وقراراتها وأحكامها»، وفق ما سبق أن أكدته مصادر لـ«الشرق الأوسط».

وفي خطبة صلاة عيد الأضحى أمس، اعتبر قباني أن ما يفرّق اللبنانيين هو مشاريع السياسيين وأداؤهم. وقال «الأعياد في مثل الظروف العصيبة التي نعيشها اليوم فرص لنا لنعود فيها إلى وحدتنا قولا وعملا لا بالشعارات والبيانات والتصريحات. فنحن اللبنانيين لا يفرقنا إلا أداء ساستنا الذين يلوذ بعضهم في أدائهم السياسي بمعسكر في الغرب وبعضهم الآخر بمعسكر في الشرق»، متوجها إلى اللبنانيين بالقول «اعلموا أن كلا المعسكرين الشرقي والغربي يبحث عن مصالحه في أوطاننا ولا تهمه مصالحنا في قليل ولا في كثير إلا بالقدر الذي يخضعنا فيها لسياساته ومراده فينا، حتى أصبحنا أوطانا منهوبة يطمع في ثروتها وموقعها الجغرافي كل طاغية وفرعون ومستعمر جديد».

وأضاف «لقد أغرقنا ساستنا للأسف في مشاريعهم وطموحاتهم حتى تناسوا مسؤولياتهم تجاه مواطنيهم وهم الذين ما استطاعوا منذ انتهاء حروب الفتنة حتى اليوم أن يستكملوا مسيرة بناء دولة حقيقية استبشرنا بها خيرا بعد اتفاق الطائف، فإذا بنا بأكثرهم اليوم قد تجاوزوا في أدائهم كل المحرمات وراحوا يشاركون في هدم الدولة بأيديهم ولو كان عن غير قصد، فجمدوا العمل بالديمقراطية بتعطيل الانتخابات النيابية نتيجة نزاعاتهم وبالتمديد القسري للمجلس النيابي وبتعطيل عمل المجلس النيابي بنسف جلساته ونصابها، وأغرقوا البلاد في حكومة تصريف الأعمال، وهم يؤخرون تشكيل حكومة تقوم بشؤون الدولة والمواطنين، ثم يبتز كل فريق الآخر بفرض الشروط والشروط المضادة في تشكيل الحكومة حتى أصبحت سياسة البلد لعبة سياسية حقا، واللبنانيون الطيبون يتفرجون على ساستهم في سباقهم في تلك اللعبة ويفجعون بهم».

ورأى قباني أنه «أمام هذا الواقعة لم يعد أمام اللبناني إلا أن يختار بين الهجرة من وطنه من أجل لقمة العيش تحت خطر الموت أو أن يختار البقاء في وطنه ليموت فيه فقرا وجوعا وضحية لسياسات الأفرقاء المتنازعين، بعدما أصبحت شعارات الوفاق والنفاق واحدة عند معظم السياسيين». وتوجه إلى اللبنانيين بالقول «عودوا إلى رشدكم واتحدوا قبل فوات الأوان»، مشددا على أنه «لا عدو للعرب إلا إسرائيل المحتلة لأرضهم في فلسطين ولبنان وسوريا، وهي وحدها المتربصة بهم من أجل دولتها الصهيونية التي تسعى لإقامتها على الأراضي العربية بعد تقسيم أراضي العرب في خريطة الشرق الأوسط الجديد»، داعيا إلى «إجهاض مشروع الشرق الأوسط الجديد لأنه مشروع تقسيمي طائفي واستعمار جديد مدمر لوحدة العرب واللبنانيين».