مبادرة لحل الأزمة الليبية تتضمن إلغاء قانون العزل السياسي والعودة للدستور الملكي

أمين «التحالف الوطني الديمقراطي» كشف في حوار مع «الشرق الأوسط» عن أهم بنودها

إبراهيم فتحي عميش («الشرق الأوسط»)
TT

تسلمت الحكومة والبرلمان وعدة مؤسسات ليبية مبادرة جديدة تتضمن مقترحات للخروج من الأزمة الراهنة التي تعصف بالبلاد، وتتضمن المبادرة التي تقدم بها حزب «التحالف الوطني الديمقراطي» بنودا، من بينها العودة للدستور الملكي، الذي يرجع لمطلع خمسينات القرن الماضي، وإلغاء قانون العزل الذي تسبب في إبعاد كثير من السياسيين عن العمل العام.

وقال إبراهيم فتحي عميش الأمين العام للحزب، في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط»، أمس، إن المبادرة جرى إرسالها إلى رئيس وأعضاء المؤتمر الوطني العام (البرلمان المؤقت)، ولرئيس المحكمة الدستورية العليا، ولرئيس مجلس الوزراء وأعضاء الحكومة، وللأحزاب وقوى المجتمع السياسي ومنظمات المجتمع المدني.

وتأتي المبادرة بينما تستعد البلاد لتشكيل لجنة لإعداد دستور جديد، وسط عراقيل ومشكلات سياسية وأمنية متفاقمة. ويحظى حزب «التحالف الوطني الديمقراطي» بمكانة خاصة في ليبيا، كونه من أوائل الأحزاب التي أسستها المعارضة الليبية في الخارج، ضد نظام العقيد الراحل معمر القذافي، في ثمانينات القرن الماضي، وبسبب تعدد الأقطاب المنضوية تحت لوائه منذ البداية من قوميين وناصريين وإسلاميين معتدلين. ومن أشهر مؤسسي الحزب وزير الخارجية الليبي الراحل منصور الكيخيا، الذي اختطفه القذافي في التسعينات من القرن الماضي، وعثر على جثته بعد الإطاحة بالنظام السابق.

وقال عميش، وهو متخصص في القانون الدستوري والنظم السياسية، إن المبادرة شملت مقترحات، منها إصدار قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية، بحيث يجبّ ما قبله من قوانين العزل السياسي، ويفسح المجال لتحقيق أول شروط المصالحة الوطنية، وتطبيق قواعد العدالة الانتقالية. وتتضمن أيضا أن يقوم البرلمان بإصدار قرار بإلغاء «الإعلان الدستوري المؤقت»، الصادر في صيف 2011، وإعلان العودة إلى الشرعية الدستورية، وذلك بتفعيل دستور دولة الاستقلال الصادر في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1951، وأن يقوم البرلمان بتشكيل حكومة مصغرة تتولى اختصاصات الملك الدستورية، وتدعو إلى إجراء انتخابات مجلس النواب، واختيار مجلس للشيوخ يتولى مهام المؤتمر الوطني العام، الذي سيكون في حكم المنحل بمجرد انعقاد البرلمان. وإلى أهم ما جاء في الحوار..

* على أي أساس جرى التوصل إلى المبادرة المطروحة حاليا؟

- هذا جرى بعد النظر والمراجعة والدراسة لمبادرات سياسية مقدمة من أطراف وطنية كثيرة. من بين هذه الأطراف جماعات وأحزاب وتكتلات ومنظمات للمجتمع المدني. وكانت قد دعت، في مجملها، لحوار وطني شامل يتم التوافق من خلاله على خارطة طريق تستجيب لمتطلبات المرحلة، وتتجاوز عقبات الوصول لانتخاب «الهيئة التأسيسية» لصياغة دستور البلاد. كما تقدمت بعض هذه المبادرات بمقترح أن يقوم «البرلمان» بإصدار قرار بإلغاء «الإعلان الدستوري المؤقت»، الصادر عن المجلس الوطني الانتقالي السابق، في الثالث من أغسطس (آب) عام 2011، وإعلان العودة إلى الشرعية الدستورية، وذلك بتفعيل دستور دولة الاستقلال الصادر في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1951، وأضاف هذا المقترح أن يقوم البرلمان بتشكيل حكومة مصغرة تتولى اختصاصات الملك الدستورية وتدعو إلى إجراء انتخابات مجلس النواب، واختيار مجلس للشيوخ يتولى مهام البرلمان الذي سيكون منحلا بمجرد انعقاد مجلسي البرلمان الجديدين.

* ماذا عن المبادرات السابقة التي دعت للحكم الفيدرالي والأخرى التي دعت لاستعادة النظام الملكي؟

- نعم.. توجد مبادرات كثيرة جرى الاطلاع عليها قبل صياغة المبادرة التي تم تقديمها للمسؤولين الحاليين في الدولة.. ومن تلك المبادرات السابقة كان هناك ما يركز على كيفية تشكيل الهيئة التأسيسية للدستور، ومعايير انتخاب أعضائها، مشترطة قناعاتها بإقامة الحكم (الفيدرالي)، وأخرى طالبت باستعادة النظام الملكي، ودعوة السيدة محمد الحسن الرضا، باعتباره الوريث (الملكي) الشرعي، وباعتبار أن شكل الحكم الملكي في دستور الاستقلال من المبادئ فوق الدستورية، التي إذا ما نزعت عنه فإنه يتفكك ويتلاشى تلقائيا. وترى جماعات أخرى أن النظام الوطني الديمقراطي بشكله البرلماني الجمهوري هو الأمثل لليبيا.

* ما علاقة المبادرة بالمخاوف من تقسيم البلاد؟ وهل لهذه المخاوف ما يبررها؟

- توجد مخاوف حقيقية في الشارع الليبي من اتساع هوة الخلاف بين الأطراف السياسية والميليشيات المسلحة بالقدر الذي يصعب معه، ولسنين طويلة، تحقيق استقرار سياسي. البعض في الشارع يتوجس خيفة من أن ما يحدث في ليبيا وما يصنع لها عمدا هو عملية مخطط لها من قوى إقليمية ودولية ذات أطماع، وليس مصالح فقط، استراتيجية، سياسية واقتصادية، تمهّد لها الطريق، وتعبّده بعض العناصر والكيانات المحلية، سواء بوعي سياسي منها أو من دونه، تستهدف تقسيم ليبيا عن طريق إثارة الفتن الجهوية والعصبوية وانتشار فوضى السلاح.

* كيف يمكن للمبادرة الجديدة تجنيب ليبيا مثل هذا المصير؟

- الحل بسيط، ويكمن في قبول الجميع بالاحتكام لأحكام الفقه الدستوري وللمواثيق والعهود الدولية، ولقواعد القانون الدولي، ولنتائج الاستفتاء السياسي العام وإلى صناديق الاقتراع، لكن مع شرط أن يكون لكل القوى الوطنية الحق في التعبير عن الرأي. وفي هذا الإطار، لا بد من إلغاء ما سُمّي بقانون العزل السياسي، واستبداله قانون تحت مسمى تنظيم مباشرة الحقوق السياسية به، يُستخلص من روح المصالحة الوطنية وشروط العدالة الانتقالية، وتعود بموجبه كوادر وقوى وخبرات وطنية كشريك أساسي ضمن المشهد والحراك السياسي العام باتجاه الاستقرار السياسي وبناء مؤسسات الدولة.

* ألم يكن هناك توافق حول هذه القوانين والقرارات؟

- ما حدث يأتي نتيجة حتمية للصراعات التي قامت داخل أروقة البرلمان، بين الكتل الحزبية، وانعكست هذه الصراعات سلبا على قوانين وقرارات البرلمان منذ اليوم الأول لانعقاد أولى جلساته، وأعاقت مسيرة التحول الوطني الديمقراطي السلس من الثورة إلى بناء الدولة، وأصبح المواطن يردد مقولة إن «الحزبية إجهاض للديمقراطية»، وهي المقولة التي كان رأس الحكم الذي ثار عليه الليبيون يرسخ لها، ويقتل ويسجن ويدمر، ويعاقب المدن والقرى، ويرسخ لمركزية بغيضة جعلت حياة المواطن الليبي محصورة بين السجل المدني والسجون أو المقبرة. ولم تعِ هذه الجماعات ذلك المفهوم الحقيقي والدور الوطني الفعّال للأحزاب السياسية، باعتبارها حجر الزاوية في الأنظمة الديمقراطية، وممارسة التنافس السلمي في عملية تبادل السلطة، وهي تقوم باقتراح السياسات العامة من خلال برامجها وأهدافها التي تحدد معالمها خيارات المواطنين حيال تصورهم للمصلحة الوطنية. وإذا كان من الممكن أن تقوم الأحزاب في غياب الديمقراطية، فإن الديمقراطية لا تقوم في ظل غياب الأحزاب السياسية.

* وما شروط الحرمان من مباشرة الحقوق السياسية في المبادرة الجديدة؟

- اقترحنا نصوصا ببعض شروط الحرمان، بحيث تُطَبق على من تلطخت يداه بدماء الليبيين، ومارس جرائم القتل المباشر أو غير المباشر إبّان حكم الطاغية المنهار، وتطبق على كل من ثبتت سرقته للمال العام سواء قبل ثورة 17 فبراير أو خلالها أو بعدها. كما تطبق على كل من خطط ونفّذ عمليات أو محاولات اغتيال استهدفت الليبيين في الداخل أو الخارج، وكل من تعاون أو تعامل أو كان عضوا في أحد المنظمات أو الكيانات الموصوفة من المجتمع الدولي بأنها تمارس الإرهاب، ويُطبق الحرمان من مباشرة الحقوق السياسية أيضا على كل من كان عضوا قياديا في الحرس الثوري أو اللجان الثورية، وعلى كل من كان عضوا في جهاز الأمن الداخلي أو الأمن الخارجي وقام بقتل أو تعذيب أو مطاردة أو اختطاف المعارضين لنظام الطاغية المنهار. وكذلك يسري الحرمان على كل من تولى إحدى الوظائف أو شغل أحد المناصب القيادية، ولم يكن قد انحاز إلى ثورة 17 فبراير، والتحق بصفوفها بعد قيامها، وآمن بمشروعيتها وأهدافها.

* وما دور المؤتمر الوطني هنا؟

- في حال الموافقة على هذه المبادرة من كل الأطراف، سيتوجب على المؤتمر الوطني العام أن يصدر قانونا بمهام واختصاصات الهيئة التأسيسية بصياغة أو تعديل مشروع دستور دائم للبلاد، يستمد من روح دستور دولة الاستقلال الصادر عام 1951. ولأن المؤتمر الوطني العام هو صاحب الولاية العامة في التشريع، وإلى أن تنتهي الهيئة التأسيسية من إعداد وصياغة مشروع الدستور، وإجراء الاستفتاء الشعبي العام عليه. وبعرض المؤتمر الوطني العام على الشعب الليبي الاستفتاء على شكل نظام الحكم بـ«نعم» أو بـ«لا»، وتحديد خياراته لأحد ثلاثة أو أربعة أنظمة، أو أقل من شكل نظام الحكم، وهي «برلماني رئاسي»، أو «فيدرالي ملكي»، أو «رئاسي برلماني»، أو «فيدرالي جمهوري».

* ربما يرى البعض أنه من الصعب تنفيذ مثل هذه المطالب في دولة يغيب عنها القانون؟

- أولا القانون يُعرف بصفة عامة بأنه مجموعة القواعد التي تنظم الروابط الاجتماعية، وتتوفر على جزاء يكفل إطاعتها واحترامها. ولأن القانون يرتبط ارتباطا حتميا بالروابط والعلاقات التي تقوم بين الأفراد بعضهم بعضا، أو بين الأفراد والمجتمع الذي يضمهم، أو بين المجتمعات بعضها بعضا، فإن تنظيم هذه الروابط وهذه العلاقات لا يتحقق المقصود منه إلا إذا قام على قواعد تسمو على الأشخاص وتحقق في ظلها معاني الحيدة والمساواة والعدل.

* قد يتخوف البعض من أن المبادرة الجديدة ربما تتعارض مع الكيانات السياسية الموجودة حاليا كالبرلمان، وأهداف «ثورة 17 فبراير 2011».

- لا، على الإطلاق. المبادرة، كما قلت، ترتكز في مجملها على مبادئ القانون الدولي وأحكام الفقه الدستوري، مع الاستدلال بالسوابق التاريخية الدولية، لترسم خارطة طريق تستمد قوتها من مبادئ وأهداف ثورة 17 فبراير، ومن أحكام الإعلان الدستوري الصادر عن المجلس الوطني الانتقالي في الثالث من أغسطس (آب) 2011 بتعديلاته الصادرة في 13 مارس (آذار) 2012 والخامس من يوليو (تموز) من العام الماضي، كما أنها تستمد آليات نجاحها من كون المؤتمر الوطني العام هو السلطة الشرعية القائمة التي انتخبها الليبيون لتولي السلطة التشريعية، بشروط وأحكام الإعلان الدستوري في الفترة الباقية من المرحلة الانتقالية.