الصين تعتمد «طريقا حريريا جديدا» للغرب

مع تعزيز روابط التجارة وتأمين موارد الطاقة عبر التودد إلى جمهوريات آسيا الوسطى

TT

مدعوما بعشرات المليارات من الدولارات في صورة صفقات استثمار وروايات رومانسية عن المستكشفين القدماء، قضى الرئيس الصيني شي جينبينغ معظم أوقات الشهر الماضي في الترويج لرؤيته لـ«طريقي حرير» جديدين لربط بلده بالغرب، وتأمين موارد الطاقة الخاصة به، أحدهما بري والآخر بحري.

ومن خلال هذه العملية، تفوق على رؤية أميركية لطريق حرير جديد تم طرحها مصحوبة بقدر هائل من الجعجعة من قبل وزيرة الخارجية في تلك الفترة هيلاري كلينتون قبل عامين، وكان من المفترض أن تعيد إحياء أفغانستان كرابط بين وسط وجنوب آسيا.

يبرز التناقض بين الرؤيتين؛ إحداهما مقترنة بوضع مبالغ ضخمة على الطاولة، والأخرى تكافح من أجل بدء العمل بنجاح، إلى أي مدى يشكل النفوذ المتنامي للصين تهديدا لتأثير الولايات المتحدة.

في آسيا الوسطى على وجه التحديد، استفاد قائد الصين من التقلص النسبي لروسيا وانسحاب القوات الأميركية المزمع من أفغانستان في توسيع نطاق تأثير بلده، بحسب خبراء.

قال كريس جونسون، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: «الصين تخطو خطوة جريئة جدا». وأضاف: «يشهد جي جينبينغ فجوة ضخمة فيما يتعلق بالتجارة والفرص الاقتصادية التي فشلت الولايات المتحدة حتى الآن في الاستفادة منها».

وبالرجوع إلى ألفيتين بائدتين، نجد أن شبكة من طرق التجارة التي تربط مدن الجزيرة أتت بالحرائر الصينية، وغيرها من المنتجات الأخرى، من أنحاء آسيا إلى الغرب.

ومن خلال دعوته لإنشاء طريق حرير جديد، كان شي يجسد أهمية تأمين الصين مواردها من الطاقة، برا إلى قطاعي الغاز والنفط بآسيا الوسطى وما وراءها، وبحرا عبر المياه المتنازع عليها في آسيا وعبر مضيق ملقا المكتظ.

في الشهر الماضي، سافر شي إلى كازاخستان وقرغيزستان وتركمنستان وأوزبكستان ووقع على صفقات استثمارية تقدر قيمتها بعشرات المليارات من الدولارات، مستحوذا على نصيب في قطاع نفط رئيس بكازاخستان، وواردات غاز ضخمة تضخ من تركمنستان.

وفي أستانة بكازاخستان، حيث تم توقيع صفقات تبلغ قيمتها 30 مليار دولار، تحدث شي بأسى عن مشاهدة «سحابة من الدخان تنبعث من الصحراء».

تحدث شي عن رحلات مبعوث سلالة هان، تشانغ تشيان، إلى المنطقة منذ ما يربو على 2100 عام، لكن على نحو أكثر أهمية، اقترح إقامة «حزام اقتصادي لطريق حرير» لتعزيز روابط التجارة والنقل وتدعيم تنسيق السياسة الإقليمية من المحيط الهادي إلى بحر البلطيق.

وإضافة إلى لعبة الطاقة الجيو - استراتيجية، تشهد بكين مكاسب اقتصادية في حركة البضائع من غرب الصين، الأمر الذي أبطأ الحركة في ساحل الشرق المزدهر، عبر آسيا الوسطى.

لقد اجتذب تودد الصين إلى جمهوريات آسيا الوسطى مقارنات باللعبة العظمى، المنافسة التي حدثت في القرن التاسع عشر بين روسيا وبريطانيا في المنطقة.

وباعتباره سباقا، نجد الصين في المقدمة، متخطية روسيا كأكبر شريك تجاري لأربع من بين جمهوريات آسيا الوسطى الخمس.

كان شي ثالث رئيس صيني على التوالي يزور منطقة آسيا الوسطى السوفياتية سابقا، وهي الدول التي لم يزرها أي رئيس أميركي من قبل. هناك فرص عمل هائلة متاحة في المنطقة للشركات الأميركية المتخصصة في مجال الاتصالات والنفط والطرق. لكن في هذه اللحظة، تأتي الصين «على رأس الدول في المنطقة»، بحسب مارثا بريل أولكوت من «مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي».

علاوة على ذلك، فقد وجه شي رؤاه إلى أقصى الشرق. ففي الأسبوع الماضي، كان في زيارة إلى ماليزيا وإندونيسيا، حيث جمع عشرات المليارات من الدولارات في صورة صفقات عمل وتعزيز للروابط التجارية والعسكرية.

وأشار إلى الروابط التاريخية، مع حكايات عن المستكشف الصيني تشنغ هي، الذي قام بعدة زيارات إلى «البحار الغربية» في القرن الخامس عشر. علاوة على ذلك، فقد تحدث شي أيضا عن إقامة «طريق حرير ملاحي».

تمر غالبية واردات الصين النفطية عبر مضيق ملقا، أحد أهم ممرات الشحن في العالم. ويتقلص الطريق البحري، الذي تقع على جانبيه إندونيسيا وماليزيا، إلى أقل من ميلين بالقرب من سنغافورة.

تصعب جهود الصين لإقامة علاقات صداقة بدول جوارها الآسيوية النزاعات الإقليمية البحرية. وتزداد حدة التوترات على وجه الخصوص مع اليابان والفلبين.

لكن في الأسبوع الماضي، يبدو أن شي قد خفف من حدة جانب من النزعة القومية المفرطة التي قد تسببت في حالة من عدم الاستقرار في دول جوار الصين، في السنوات الأخيرة، بحسب جونسون. وعاد إلى سياسة أقدم ممثلة في استخدام الأموال الرخيصة والاتفاقات الاقتصادية في الحصول على تأثير.

يُنظر إلى هدف الرئيس أوباما الممثل في إعادة التوازن للسياسة الخارجية للولايات المتحدة نحو الصين جزئيا باعتباره جهدا يرمي لاحتواء الصين، عبر حلفاء الولايات المتحدة، مثل اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين، وهو أمر تواجهه بكين بهدوء، من خلال تحركاتها في آسيا الوسطى.

وعلى الرغم من ذلك، فإن استراتيجية طريق الحرير الخاصة بالصين لن تحل مطلقا محل الأهمية الاقتصادية لروابطها بالدول الأكثر تقدما بمنطقة آسيا - المحيط الهادي، بحسب إيلي راتنر من مركز الأمن الأميركي الجديد في واشنطن.

ربما حتما، تأججت الصحف في الصين هذا الأسبوع، عندما فشل أوباما في حضور القمتين الآسيويتين المهمتين بسبب إغلاق الحكومة الأميركية. وأبرز غيابه، بحسب الصحف، تراجع تأثير واشنطن في المنطقة.

غير أن خبراء في واشنطن وبكين أشاروا إلى أنه لا ينبغي المبالغة في التأكيد على هذه النقطة، في الوقت الذي لا تزال فيه كثير من دول جوار الصين تخشى من نيتها، بصرف النظر عن المزايا الاقتصادية الواضحة للعلاقات الجيدة.

* ساهم لي كي وليو ليو في كتابة هذا التقرير

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»