انخفاض شعبية الحزب الجمهوري ومخاوف من تأثير الأزمة على حظوظه في انتخابات الكونغرس

الرئيس الأميركي: إغلاق الحكومة سبب خسائر اقتصادية لا مبرر لها

الرئيس الأميركي باراك أوباما أثناء في كلمة وجهها من البيت الأبيض أمس (إ.ب.أ)
TT

بعد إعلان إعادة فتح الحكومة الفيدرالية، ورفع سقف الدين الأميركي، بدا الديمقراطيون فخورين بالنصر السياسي الذي حققوه بعد صراعات سياسية استمرت لأسبوعين، وبدا الرئيس أوباما مرتاحا لما تحقق، لكنه شدد على أنه لا يوجد فريق فائز في هذه المعركة التي أسفرت عن أضرار على الاقتصاد الأميركي لا مبرر لها. وقال أوباما في خطاب من البيت الأبيض صباح أمس «لا يوجد أحد فائز هنا، فقد أثرت المناقشات السياسية خلال الأسبوعين الماضيين على الاقتصاد دون مبرر، وأبطأت معدلات النمو وتأثرت العائلات وأصحاب الأعمال الصغيرة وقال أصحاب الأعمال إنهم اضطروا لتأجيل خططهم لمدة ستة أشهر وأصبح استياء الأميركيين من واشنطن في أعلى درجاته». وشدد الرئيس الأميركي أن الاقتصاد يحقق معدلات نمو عالية خلال السنوات الأربع الماضية وأن عجز الموازنة انخفض بنسبة النصف مؤكدا أن الخلافات السياسية وضعت الاقتصاد الأميركي في خطر. وقال: «البعض قال: إن غلق الحكومة لأول مرة منذ 17 عاما لإنقاذ الشعب الأميركي لكنه فعل العكس ولم يكن هناك أكثر خطرا من فقدان مصداقية الولايات المتحدة وقد أدت تلك المناقشات إلى تشجيع الأعداء وإحباط الأصدقاء».

وأضاف: «لقد مرت الأزمة فنحن الأمة التي ينظر إليها العالم باعتبارها أفضل مكان للاستثمار واكتسبنا مسؤولية ذلك خلال قرنين من العمل والالتزام بتنفيذ تعهداتنا وأنه يمكن الاعتماد علينا». وطالب أوباما الكونغرس بتنحية الخلافات السياسية واختلاف المواقف والنظر إلى ما يحتاجه الأميركيون، وطالب بأن يعالج الكونغرس ثلاث قضايا هامة، وهي صياغة ميزانية تحقق الثقة والنمو وخلق فرص عمل والانتهاء من إصلاح نظام الهجرة وتمرير قانون للإصلاح الزراعي.

وقد وقع الرئيس الأميركي باراك أوباما صباح أمس القانون الذي تم التصويت عليه في اللحظة الأخيرة في الكونغرس الأميركي لرفع السقف القانوني لدين الولايات المتحدة، ما شكل نهاية لأخطر أزمة سياسية أثناء ولايته الثانية. وقد وقع أوباما النص بعد أن رفع الكونغرس مساء الأربعاء سقف دين الولايات المتحدة حتى السابع من فبراير (شباط) المقبل. وأقر مجلس الشيوخ ثم مجلس النواب على التوالي مساء الأربعاء وبغالبية واسعة قانون التسوية الذي أعلن عنه بعد مفاوضات مكثفة وأسابيع من الخلافات النيابية. وتسمح هذه التسوية للخزانة بالاقتراض حتى السابع من فبراير، وتتيح تمويل الدولة الفيدرالية حتى 15 يناير (كانون الثاني). كما طلب من كافة الموظفين الفيدراليين الذين وضعوا في إجازة من دون راتب منذ 16 يوما بسبب أزمة الميزانية العودة إلى العمل اعتبارا من صباح أمس.

وستدفع لهم رواتبهم مع مفعول رجعي. لكن هذه التسوية تبقى مؤقتة، لأنها تتيح بضعة أشهر فقط أمام الفريقين للتوفيق بين مواقفهما بشأن الميزانية. وستدعى لجنة من المجلسين لتضع قبل 13 ديسمبر (كانون الأول) أطر ميزانية للأشهر المتبقية من عام 2014. إلا أن أعضاء الكونغرس المنقسمين بين ديمقراطيين وجمهوريين أبدوا حتى الآن عجزهم عن إيجاد أرضية تفاهم. واستباقا لتلك المرحلة الجديدة كرر أوباما أنه «مستعد للعمل مع الجميع على أي فكرة من شأنها أن ترفع نمو الاقتصاد وتوفر وظائف وتعزز الطبقة الوسطى وتعيد تنظيم الميزانية على المدى الطويل». وشددت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد الأربعاء على الطابع المؤقت للاتفاق وقالت في بيان إنه «من الضروري الحد من التشكيك المحيط بإدارة سياسة الميزانية من خلال رفع سقف الدين بصورة أكثر استمرارية». وسجلت نهاية الأزمة نكسة كبيرة للحزب الجمهوري وزعيمه رئيس مجلس النواب جون بوينر الذي طالب خلال أسابيع السلطة التنفيذية بتقديم تنازلات خاصة بشأن النفقات الاجتماعية قبل أي تصويت على الميزانية، وذلك قبل أن يتراجع عن موقفه الأربعاء. وخرجت وسائل الإعلام تناقش من الفائز ومن الخاسر في هذه المعركة. فقد فرضت كتلة حركة حزب الشاي المحافظة ضغوطا كبيرة أدت إلى تشدد بوينر الذي طالب بتنازلات كبرى تتعلق بإصلاح نظام الضمان الصحي الذي أقره أوباما والمعروف باسم «أوباما كير»، لكنه فشل في تحقيق مطالب حزبه أمام تمسك الرئيس أوباما بعدم المساس ببرنامجه وإعلانه عدم التفاوض بشأنه. وقد نجح الحزب الديمقراطي في إبرام التسوية دون المساس بنظام «أوباما كير» بشكل جوهري. وقال بوينر لإذاعة دبليو إل دبليو «خضنا معركة من أجل قضية عادلة لكننا لم نكسب». ووعد رئيس مجلس النواب بمواصلة العمل لمنع «الكارثة المتمثلة بالقانون المتعلق بإصلاح (النظام) الصحي» الذي أصدره أوباما في 2010 وبدأ تطبيق جانب أساسي منه مطلع أكتوبر (تشرين الأول). وقال السيناتور الجمهوري جون ماكين المعارض لاستراتيجية التشدد المعتمدة من قبل زملائه في مجلس النواب بأسى «قلت منذ البداية إنني أعلم كيف سينتهي ذلك». والتيار المحافظ المتشدد المعروف باسم حزب الشاي الذي يتهم نوابه بالتسبب بهذه الأزمة، لم تكن شعبيته مطلقا بهذا التدني. وأكدت ميشيل باكمان أحد الوجوه البارزة في تيار حزب الشاي ورمز اليمين المتشدد، أن الوضع كان يستحق عناء المعركة وقالت: «معركتنا كانت المعركة المطلوبة». فيما اعترف الجمهوري نيك مالفاني الذي يمثل دائرة كارولينا الشمالية بمجلس النواب بهزيمة حزنه وقال: «لقد هزمنا، هذا مؤكد لكنني ما زلت فخورا بالسبب الذي خضنا من أجله هذه المعركة ويمكنني أن أقول لأطفالي إنني فعلت كل ما في وسعي لدوافع جيدة». واعتبر تيد كروز أحد أبرز نواب تيار حزب الشاي تصلبا ما حدث انتصارا وقال: «إن رؤية مجلس النواب وتحليه بهذه الشجاعة هو انتصار مميز» وقال النائب مات سالمون «هذه المعركة لم تنته، إنها الجولة الأولى فقط». وأعرب بعض الجمهوريين عن استيائهم من تشدد مواقف تيار حزب الشاي داخل الحزب الجمهوري خاصة بعد تراجع شعبية الحزب وقال الجمهوري بيتر كينغ الذي بدا أكثر انتقادات لحركة تيار الشاي «عندما تعكس الاستطلاعات أننا في أدنى مستوى تاريخيا فذلك يعني أن وضعنا سيئ». ويرى هؤلاء النواب أنهم أضاعوا فرصة سقف الدين، ويعتبرون أنه كان يمكن للجمهوريين التفاوض على اتفاق يتعلق ببرامج الرعاية الاجتماعية الكبرى على غرار نظام التقاعد الذي لم يطله التقشف حتى الآن. وصرح السيناتور بوب كروكر «أعتقد أنه كان يمكن لاستراتيجية أخرى تهدف إلى إصلاح الميزانية أن تنجح». وأعرب النائب الشاب ارون شوك البالغ 32 سنة عن أمله بأن يرفض رؤساء الكتل بعد الآن ضغوط حزب الشاي. وصرح «إذا تمكنا في المستقبل بسبب ذلك من إنجاز مزيد من الأمور لأننا أقررنا بأن تمرير قانون يستلزم تأييدا من الحزب الآخر، فربما نكون تعلمنا درسا بناء».

وأشار استطلاع لمعهد بيو نشر أول من أمس إلى أن 49% من الأميركيين عبروا عن موقف معارض لحزب الشاي مقابل 43% في أغسطس (آب) 2011 أثناء مواجهة سابقة بشأن الدين. وأشارت عدة استطلاعات أخرى إلى تراجع نسبة تأييد الرأي العام للحزب الجمهوري بشكل كبير، فباتت تتراوح بين 43 و48%. وألقى الأميركيون باللوم في أزمة إغلاق الحكومة ومناقشات رفع سقف الدين على الجمهوريين، وهو ما يعني أن المعركة ستترك ذيولا داخل الحزب الجمهوري الذي تدهورت شعبيته إلى مستوى تاريخي هذا الخريف.