شبكة تجسس إلكترونية تعقبت مساعد بن لادن في الشريط القبلي

برنامج «الدرون» يشكل حجر الزاوية في استراتيجية الرئيس أوباما لمكافحة الإرهاب

TT

كان بريدا إلكترونيا عاديا كغيره من ملايين الرسائل التي يتبادلها الأزواج بشأن أوضاعهم المعيشية. لكن كانت لهذه الرسالة أهمية لدى وكالة الأمن القومي، فالقرائن التي تحويها وضعت الزوج المرسل في مرمى صواريخ طائرة وكالة المخابرات المركزية من دون طيار.

بعد عدة أيام قتل حسن غول، مساعد أسامة بن لادن الذي قدم معلومة استخبارية بالغة الأهمية ساعدت وكالة الاستخبارات في العثور على زعيم «القاعدة»، في غارة لطائرة من دون طيار في الحزام القبلي الباكستاني.

لم تعترف حكومة الولايات المتحدة بقتل غول. لكن الوثائق التي قدمها متعاقد وكالة الأمن القومي السابق إدوارد سنودن إلى صحيفة «واشنطن بوست» أكدت وفاته في أكتوبر (تشرين الأول) 2012، وكشفت عن المشاركة الواسعة للوكالة في برنامج القتل المستهدف الذي يشكل حجر الزاوية في استراتيجية الرئيس باراك أوباما لمكافحة الإرهاب.

كان غول، عضو تنظيم القاعدة الذي ظهر في اللحظات المهمة التي تلت الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، مبعوثا للجماعة الإرهابية إلى العراق في ذروة تلك الحرب. وألقي القبض عليه في عام 2004، وساعد في الكشف عن شبكة حاملي رسائل بن لادن، قبل أن يقضي عامين في سجن سري تابع لوكالة المخابرات المركزية. وفي عام 2006 سلمته الولايات المتحدة لوطنه باكستان، حيث أطلق سراحه وعاد إلى تنظيم القاعدة.

وتكشف الوثائق رواية أكثر تفصيلا حول التعاون المعقد بين وكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي في برنامج الطائرات من دون طيار.

وقد حجبت واشنطن بوست الكثير من التفاصيل حول تلك المهمات، بناء على طلب من مسؤولي الاستخبارات الأميركية الذين تحدثوا عن إمكانية تضرر العمليات الجارية والأمن القومي. وقالت المتحدثة باسم وكالة الأمن القومي في بيان لها قدمته لـ«بوست» يوم الأربعاء، إن الوكالة «تركز على اكتشاف وتطوير الاستخبارات حول الأهداف الأجنبية القيمة»، مشيرة إلى أن عمليات الوكالة «تحمي الأمة ومصالحها من التهديدات مثل الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل».

وسعيا وراء البحث عن أهداف، قامت وكالة الأمن القومي بمراقبة عشرات الكيلومترات من شمال غربي باكستان. وفي حالة غول، نشرت الوكالة ترسانة من أدوات التجسس السيبراني، وتمكنت من السيطرة سرا على أجهزة الكومبيوتر المحمولة، وسحب الملفات الصوتية والرسائل الأخرى، وتتبع البرامج الإذاعية لتحديد مكان غول.

كان البريد الإلكتروني الذي بعثت به زوجة غول «حول لها الظروف المعيشية الحالية» يحوي ما يكفي من التفاصيل لتأكيد إحداثيات تلك الأسرة، بحسب وثيقة تلخص المهمة، جاء فيها «هذه المعلومات ستساعد في القبض على/ قتل فرد يعتقد أنه حسن غول في الأول من أكتوبر». وتشكل هذه الملفات جزءا من مجموعة من الوثائق التي احتواها كنز سنودن، والتي تؤكد أن حملة الطائرات من دون طيار - التي تصور في كثير من الأحيان على أنها حكر على وكالة المخابرات المركزية - تعتمد بشكل كبير على قدرة وكالة الأمن القومي على الحصول على كميات هائلة من البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية والمواد أخرى من الإشارات الاستخبارات.

وللتعامل مع عبء العمل المتزايد أنشأت وكالة الأمن القومي وحدة سرية تعرف باسم خلية مكافحة الإرهاب لتركيز الموارد الهائلة للوكالة على الأهداف الإرهابية التي يصعب العثور عليها. وقد قضت الوحدة عاما تتعقب غول وشبكة البريد الخاصة به، والدخول إلى مجموعة من الأنظمة والأجهزة، قبل أن يقتل. وخلصت الوثيقة إلى أنه من دون تلك الاختراقات لم تكن لتتاح هذه الفرصة».

ويتوقع أن تعزز ملفات الطائرات من دون طيار من دفاع وكالة الأمن القومي أنها تركز مواردها على محاربة الإرهاب ودعم العمليات الأميركية في الخارج، في وقت تواجه فيه انتقادات حادة حول جمع بيانات الأميركيين.

وقال مدير وكالة الأمن القومي كيث الكسندر، خلال مناسبة عامة الشهر الماضي «إن قضيتنا قضية نبيلة، ومهمتنا هي الدفاع عن هذه الأمة، وحماية الحريات المدنية وخصوصيتنا».

ولم تفسر الوثائق كيفية الوصول إلى البريد الإلكتروني لغول أو ما إذا كان تم اعتراضها باستخدام السلطات القانونية التي برزت كمصدر للجدل في الأشهر الأخيرة، وتمكين وكالة الأمن القومي من إجبار عمالقة التكنولوجيا مثل «مايكروسوفت» و«غوغل» على تسليم المعلومات الخاصة بمستخدميها. ولا تحمل إشارة إلى تعرض برامج وكالة الأمن القومي الأخرى إلى المراجعة بعد تسريبات سنودن، وطريقة جمع بيانات التعريف الخاصة بالمكالمات التي يجريها كل شخص تقريبا في الولايات المتحدة.

في المقابل، تشير الوثائق إلى أن الوكالة تعتمد بشكل كبير على اختراق الشبكات المستهدفة بعناية لجمع المعلومات.

وتمتدح الوثائق قدرات وكالة الأمن القومي في مكافحة الإرهاب. ففي أحد ملفاتها الذي جاء بعنوان «CT MAC.. نجاح عملية حسن غول»، لم تأت الملفات على ذكر أدوار الوكالات الأخرى في برنامج الطائرات من دون طيار، والتي تزايدت بشكل كبير في الفترة بين عامي 2009 و2010 قبل التراجع في السنوات الأخيرة. على الرغم من ذلك، قال مسؤولون سابقون في وكالة الاستخبارات المركزية إن الملفات هي انعكاس دقيق لمساهمة وكالة الأمن القومي في العثور على أهداف في الحملة التي أسفرت عن مقتل ما يقدر بنحو 3.000 مسلح، فضلا عن المئات من المدنيين، في باكستان، وفقا لاستطلاعات مستقلة. وقال المسؤولون إن الوكالة استعانت بمحللين كبار في مركز مكافحة الإرهاب التابع لوكالة الاستخبارات المركزية، ونشرت البعض الآخر للعمل جنبا إلى جنب مع نظرائهم من وكالة الاستخبارات المركزية في كل سفارة أميركية أو قاعدة عسكرية رئيسة في الخارج.

وقال مسؤول استخباراتي أميركي سابق يتمتع بخبرة في أفغانستان وباكستان، مشيرا إلى المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية، ومنطقة في شمال غربي باكستان حيث مقر قيادة تنظيم القاعدة «ألقت وكالة الاستخبارات القومية بعدد كبير من عناصر في المناطق القبلية».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»