وزير خارجية فرنسا يلتزم الحذر تجاه الانفتاح الإيراني بسبب خامنئي

مصادر لـ «الشرق الأوسط»: الوفود لاحظت استعجال طهران في رفع العقوبات الدولية

فابيوس
TT

رغم الأجواء الإيجابية التي خيمت على اجتماعات يومي الثلاثاء والأربعاء في جنيف بين مجموعة الست (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا) برئاسة كاثرين أشتون، مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي وإيران، التزمت باريس موقف «الحذر» لجهة النتائج التي قد تسفر عنها الجولة التاسعة من المفاوضات بين الطرفين. وعبر عن هذا الموقف أمس وزير الخارجية لوران فابيوس، الذي اعتبر أمس، في كلمة له أمام مجلس الشيوخ، أنه رغم أهمية الاجتماعات التي عرفتها جنيف وتطرقها، في العمق، لجميع فصول الملف النووي الإيراني، فإنه «من المبكر استخلاص النتائج بسبب ما عرفناه من إيران منذ عدة سنوات، ولكون المرشد (الأعلى علي خامئني) ما زال في مكانه، مما يدعونا إلى الانفتاح بشكل حذر».

بيد أن الوزير الفرنسي رغم اعترافه بوجود تغيير في الخطاب الإيراني، فإنه دعا إلى التريث «حتى يترجم هذا التغيير إلى تغيير في العمق»، مضيفا أن بلاده «قوة تسعى إلى السلام» لكنها في الوقت عينه «لا تخلط بين التغيير في المظاهر وبين الواقع». ويقترب رد الفعل الفرنسي «العلني» مما قاله نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، الذي أشار إلى عدم وجود «ضمانات» لجهة حصول تقدم جوهري في المفاوضات القادمة التي ستستأنف على مستوى الخبراء أولا ثم على المستوى الأعلى الشهر المقبل.

غير أن مصادر دبلوماسية غربية وثيقة الصلة بالملف الإيراني رأت أن الاجتماعات الأخيرة «وفرت للمرة الأولى قناة تواصل وتبادل حقيقية» بين الطرفين، بحيث توصلا إلى مناقشة التفاصيل انطلاقا من «خريطة الطريق» التي قدمها الوفد الإيراني ولكن مع مناقشة ما يمكن أن يفعله كل طرف وما يمكن أن يحصل عليه في المقابل. وبحسب هذه المصادر، فقد بدا واضحا أن الوفد الإيراني يستعجل الوصول إلى مرحلة رفع العقوبات الدولية التي فرضها مجلس الأمن الدولي وتلك التي فرضت بشكل أحادي إن من جانب الولايات المتحدة أو من جانب الاتحاد الأوروبي.

وإضافة إلى الأجواء «الجديدة» التي أشارت إليها هذه المصادر، فإن التقدم الآخر تمثل في أن كل طرف «لديه اليوم صورة واضحة وشاملة عما يريده الطرف الآخر»، فضلا عن توافر «وسيلة» يمكن الاعتماد عليها للتقدم وهي المقترحات التي طرحت من الجانبين والتي ما زالت هذه المصادر تتكتم حولها بحسب تفاهم الستة مع الطرف الإيراني.

ويستشف من أقوال هذه المصادر أنه رغم أن الإيرانيين «لم يحدثوا تحولات جذرية» في مواقفهم، فإن «آفاقا جديدة فتحت للمرة الأولى معهم»، لأنهم «أصبحوا أكثر واقعية وأكثر استعدادا للتفاوض والسعي وراء مخرج من هذا الأزمة التي تجرجر أذيالها منذ تسع سنوات. وبناء عليه، يمكن توقع الوصول إلى «نتيجة إيجابية» بعد ثلاثة أسابيع عندما تلتئم مفاوضات جنيف الجديدة.

ويعزو الغربيون «الاستعجال» الإيراني إلى الآثار التي ترتبها العقوبات المشددة على اقتصادهم وإلى العقوبات الإضافية التي سيعمد الجانب الأميركي إلى فرضها في الأسابيع المقبلة إذا تبين أن المفاوضات تراوح مكانها. وأشارت مصادر فرنسية إلى أن إيران تخسر في العام ما يعادل 58 مليار دولار بسبب النقص في صادراتها النفطية وعملياتها التجارية. وبعكس الموقف الذي كان يلتزم به المفاوض الإيراني السابق سعيد جليلي الذي اعتاد على القول إن العقوبات «تخدم بلاده لأنها تدفع الإيرانيين للاستثمار في اقتصادهم»، فإن الفريق التفاوضي الجديد لا يخفي هدفه في التوصل سريعا لرفع جانبي للعقوبات. ولذا، فقد كرس جانب من المحادثات للإجابة عن استفهامات المفاوضين الإيرانيين. ومن الملاحظات الإيجابية التي خرجت بها هذه المصادر أن كل أعضاء الوفد يتحدثون الإنجليزية، الأمر الذي «أحدث تغيرا ذا قيمة» بالنسبة للمفاوضات السابقة.

رغم كل ذلك، لم يتوصل وفد الستة المفاوض إلى نتيجة مؤكدة لجهة تقدير هامش المناورة الذي يتمتع به الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، والمفاوض الرئيس عباس عراقجي في الملف النووي، وما إذا كانوا أعطوا كامل الصلاحيات للتفاوض ولتحقيق الغرض الأول مما يريدونه من هذه العملية.

بيد أن الرغبة في الاستعجال ليست إيرانية فقط، بل إن الستة أيضا يرغبون في تحقيق تقدم حقيقي في الأسابيع المقبلة «لأن الطاردات المركزية الإيرانية تعمل وتستمر في تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة، ولأن العمل جار في موقع آراك لإنتاج البلوتونيوم وهو الوسيلة الثانية لإنتاج القنبلة النووية». وكشفت مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط» فإن موقع آراك يتكون من مجموعتين: الأولى وهي المفاعل في حد ذاته، والثانية مخصصة لما يسمى «المياه الثقيلة». والحال أن الموقع الأول مفتوح أمام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية بينما الموقع الثاني مغلق حتى الآن في وجههم.

وبعكس المعلومات التي تواترت في المرحلة الأخيرة والتي تتحدث عن وجود «تمايزات» بين الأطراف الستة لجهة التعامل مع الطرف الإيراني، فإن المصادر الغربية أكدت أن «التفاهم والتوافق» قائمان بين الجميع، وأن «الاختلاف» التقليدي موجود بين الغربيين من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى، بخصوص موضوع العقوبات الذي تعتبره موسكو وبكين مضرا ولا يخدم المفاوضات.

ومن الأمور اللافتة في جنيف، بحسب ما أشارت إليه هذه المصادر، هو اللغط الذي أحدثته تصريحات الإيرانيين بشأن قبول البروتوكول الإضافي الذي يتيح للمفتشين الدوليين زيارة المواقع التي يريدونها من غير إذن مسبق من السلطات الإيرانية. وفهم أمس أن الموضوع لم يحسم وأنه يحتاج لمناقشات إضافية. وأشارت مصادر أخرى إلى أن «الاختبار» الحقيقي للستة سيحل لاحقا عندما سيطرح موضوع حق إيران في تخصيب اليورانيوم، وهو ما تعتبره طهران «حقا مطلقا» لها. فهل سيبقى الستة على مواقفهم، أم أن بعضهم سيكون أكثر ميلا لتسوية تتيح لإيران، وفق شروط قاسية، الاستمرار في التخصيب أقله بنسبة تقل عن خمسة في المائة، بينما سيتمسك آخرون بمطلب تخليها مطلقا بهذا الحق؟