عباس إبراهيم.. لواء الأمن «الدبلوماسي»

أول شخصية خارج الثنائية الشيعية ترفع صورها.. وعارفوه يشيدون بـ«حنكته التفاوضية»

اللواء عباس إبراهيم
TT

فرضت المفاوضات على ملف المخطوفين اللبنانيين في أعزاز، شخصية جديدة على المشهد السياسي الشيعي واللبناني معا في آن. بات المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم، رمزا في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله، وغير منطقة تسكنها أغلبية شيعية؛ إذ ارتفعت صوره، وخص بعبارات الشكر والامتنان والثقة، مما يعكس واقعا جديدا على الساحة السياسية الشيعية التي نادرا ما تُرمّز شخصية فيها، من خارج الثنائية السياسية الشيعية، أي حزب الله وحركة أمل.

هذا الاستثناء اتضحت معالمه بموازاة تكليفه من قبل الحكومة اللبنانية بمتابعة قضية المخطوفين اللبنانيين التسعة في أعزاز. لكن ملامحه بدأت بالظهور منذ توليه موقع المديرية العامة للأمن العام عام 2011، حين نشط هذا الجهاز أمنيا بشكل قياسي عبر إعلانه عن توقيف شخصيات متهمة بضلوعها في التخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية في البلاد، وصولا إلى مشاركته بنحو 100 عنصر ضمن الخطة الأمنية المشتركة التي أعدتها الحكومة اللبنانية للانتشار في الضاحية الجنوبية وطرابلس (شمال لبنان)، بعد تعرضهما لتفجيرات أسفرت عن وقوع عشرات القتلى.

ولاقى الدور المتنامي للأمن العام انتقادا في بعض جوانبه، لا سيما لناحية المشاركة في خطط الانتشار الداخلي، باعتبار أن مهامه «تفرض الانتشار على الحدود». وكان المدير العام السابق للأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي من أبرز المنتقدين لهذه المشاركة، من دون أن يمنعه ذلك من أن يثني على أداء اللواء إبراهيم. ولدى مقارنته بأداء المدير العام الأسبق للأمن العام اللواء جميل السيد، الذي كان يعد الرجل الأمني الأقوى إبان فترة وجود القوات السورية في لبنان، قال ريفي في حديث تلفزيوني: «أين الثريا من الثرى؟»، مما يشير إلى أداء مرضي عنه بنظر مختلف الفرقاء السياسيين في لبنان.

تكشّف دور إبراهيم الأمني التنسيقي مع مختلف الأجهزة الأمنية اللبنانية، دون استثناء، من خلال حديث له الأسبوع الماضي، أثنى فيه على أداء رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللواء وسام الحسن، الذي اغتيل قبل نحو عام، على الرغم من انتقادات فريق «8 آذار»، ومنهم حزب الله، وأطراف شيعية ينحدر منها إبراهيم، لأداء فرع المعلومات. وأكد إبراهيم أن الحسن «رمز»، واصفا إياه بأنه «أبو الأمن». وأشار إبراهيم إلى أن قربه الشخصي من الحسن «سهل التنسيق في العمليات بين الأمن العام والمعلومات». وكشف أنه «كان ينسق مع وسام الحسن على مشروع كبير يهم لبنان وله تأثير على الوطن على مستوى تقريب وجهات النظر بين الطوائف في لبنان».

ونادرا ما تلقى إبراهيم انتقادا شخصيا منذ توليه مهامه في المديرية، باستثناء تلميحات بقربه من النظام السوري، على ضوء زيارات متكررة قام بها إلى سوريا، كما على خلفية ترشيحه لتولي منصبه من قبل حليفين للنظام السوري، هما حزب الله وحركة أمل. غير أن الانتقادات التي كانت تطال الأمن العام، كثفت بعد أن تسلم مهامه إبراهيم، وأهمها توقيف شادي المولوي في طرابلس الذي أوقفه عناصر الأمن العام وأفرج عنه بعد ضغط سياسي من قوى «14 آذار» وضغط في شوارع طرابلس. ونال انتقادات أيضا على ضوء أنباء عن استجواب الناشط السوري محمد دغمش في مطار بيروت، وهو مراسل قناة «العربية»، قبل الإفراج عنه بفعل تدخل وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية مروان شربل.

بدأ اسم إبراهيم في البروز منذ عام 2005، حين كان مديرا لاستخبارات الجنوب في الجيش اللبناني. في تلك الفترة الزاخرة بالمخاطر الداخلية، على ضوء الخلافات السياسية، كثف إبراهيم من تواصله مع القيادات الفلسطينية في الجنوب، عاملا على خط تحييد المخيمات الفلسطينية عن الصراع اللبناني الداخلي، علما بأنها كانت الفترة اللبنانية الأصعب في العلاقة اللبنانية - الفلسطينية، على ضوء اشتباكات مخيم نهر البارد بين الجيش اللبناني وتنظيم «فتح الإسلام» في الشمال، والمخاوف من انتقالها إلى مخيم عين الحلوة في الجنوب. وتابع في مهامه تلك، حتى بعد ترقيته إلى منصب المساعد الأول لمدير مخابرات الجيش عام 2008، حيث بقي في موقعه حتى تاريخ تسلمه مهام مدير عام الأمن العام.

يصفه عارفوه بأنه يتمتع بحنكة عالية في التعاطي، وقدرة على التأثير الموضوعي. ويقول قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان اللواء صبحي أبو عرب لـ«الشرق الأوسط»، إن إبراهيم «كان المسؤول اللبناني الأول الذي دخل المخيمات، واجتمع مع كل الأطراف، من لجان شعبية وفصائل منظمة وقوى إسلامية، ويحسب له أنه كان أول المبادرين، حرصا على الأمن والاستقرار والحفاظ على أمن الجوار وعدم التدخل في شؤون لبنان الداخلية».

ويشير أبو عرب إلى أن الارتياح الفلسطيني الذي تركه التواصل معه، «كان ناتجا عن قدرته التفاوضية والدبلوماسية»، لافتا إلى أن طريقة تعاطيه «لم تكن أمنية حصرا، بل ناتجة عن انتهاجه مبدأ الهدوء والتواصل الدبلوماسي، فضلا عن ميزاته المتمثلة في القدرة على إقناع الطرف الآخر، وحنكته في التفاوض للوصول إلى التهدئة في عدة محطات».

وانسحبت تلك الميزات على عملية التفاوض الأخيرة مع النظام السوري والسلطات التركية، والتواصل مع السلطات القطرية، لإنهاء ملف المخطوفين اللبنانيين في أعزاز. وبدا أن دور إبراهيم التفاوضي هذا لن يتوقف عند تحرير اللبنانيين، مما يعطي جهوده منحى إقليميا أكبر، بدليل تأكيده على أن مهمته لم تنته بالإفراج عنهم، قائلا: «لا يزال هناك المطرانان بولس إبراهيم ويوحنا اليازجي»، مشيرا إلى أن عملية التفاوض على تحريرهما «صعبة، لكن لا شيء صعب طالما أن هناك إرادة».