قانون وزير العدل للأحوال الشخصية الجعفرية يثير عاصفة من الاعتراضات في العراق

صفية السهيل: نحن بحاجة لتشريعات توحدنا لا تفرقنا.. والمعمول به هو الأفضل

TT

أثار مشروع قانون جديد للأحوال الشخصية الجعفرية (الشيعة) تبناه وزير العدل العراقي حسن الشمري، ودافعت عنه الكتلة البرلمانية التي ينتمي إليها (كتلة الفضيلة ضمن التحالف الوطني)، جدلا سياسيا واجتماعيا في الأوساط السياسية والنسوية في العراق. وكان الشمري توقع تعرضه لما سماه «هجمة وتسقيط سياسي»، بسبب إنجاز قانون الأحوال الشخصية الجعفرية. وأكد أنه لن يكون بديلا عن قانون الأحوال الشخصية المعمول به حاليا.

في السياق نفسه، دافعت كتلة الفضيلة البرلمانية التي ينتمي إليها الشمري عن قانون الأحوال الشخصية الجعفري الذي أنجزته وزارة العدل مؤخرا ورفعته إلى مجلس شورى الدولة تمهيدا لرفعه إلى مجلس الوزراء لتحويله إلى مشروع قانون. وقال رئيس كتلة الفضيلة النيابية عمار طعمة، في مؤتمر صحافي عقده في مبنى البرلمان أول من أمس، إن «القانون الذي أكملت صياغته وزارة العدل يجيز للمواطن الاحتكام للقانون النافذ أو القانون الجديد». وأضاف طعمة أن «ما يثار من إشكاليات حول تأثير هذا القانون على اللحمة الوطنية هو نتيجة لعدم فهم القانون أو هو استهداف سياسي، لأن القانون يغطي الممارسات الشخصية فقط»، مؤكدا أن «القانون السابق لم يغط كل الممارسات وفق ما يعتقده مكون معين، لأن القانون النافذ هو مزيج من آراء فقهية لمذهبين وأمور وضعية».

وكان أول قانون للأحوال الشخصية في العراق والذي يحمل رقم 188 قد صدر عام 1959، وقد استند إلى أحكام الشريعة الإسلامية، مستمزجا فقه المذاهب الإسلامية من دون تحيز، إلا أن القانون لم يبق على حاله بل طرأت عليه تعديلات كثيرة، كان أولها عام 1963، ثم توالت التعديلات في السبعينات والثمانينات، وأضيفت بموجبها مبادئ جديدة، أغلبها ينصف المرأة. وعلى عهد مجلس الحكم الانتقالي، صدر القرار 137 من مجلس الحكم الانتقالي الذي تولى جانبا من إدارة العراق عقب سقوط صدام حسين عام 2003، يقضي بإلغاء قانون الأحوال الشخصية ويعيد العمل بالقضاء المذهبي، إلا أن القرار ألغي بعد صدوره بفترة وجيزة في عام 2004 على أثر خروج مظاهرات جماهيرية واسعة ضده.

وفي هذا السياق، فقد انتقد عدد من عضوات البرلمان العراقي اللجوء إلى محاولة تشريع هذا القانون في وقت يحتاج فيه العراقيون إلى من يوحدهم لا من يفرقهم لا سيما أن القانون المعمول به حاليا يعد واحدا من أفضل قوانين الأحوال الشخصية في العالم. وقالت عضو البرلمان العراقي صفية السهيل، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إنه «مما يؤسف له أن يتم اللجوء في هذا الوقت إلى محاولة تشريع قانون للأحوال الشخصية في وقت لا ينقصنا فيه كعراقيين قانون ممتاز وهو القانون رقم 188، الذي صدر على عهد عبد الكريم قاسم، وهو من القوانين التي كنا نتباهى بها حتى أيام المعارضة للنظام السابق». وأضافت السهيل أن «وزير العدل استند في سعيه هذا إلى المادة 41 من الدستور العراقي التي اعتبرت مادة خلافية وتم ترحيلها ضمن المواد الخلافية التي لم يتم إيجاد حسم لها، وبالتالي فإن القول بأن العراقيين أحرار في اختيارتهم لا يبرر ذلك، لأننا لم نحل الإشكال الخاص بذلك»، مشيرة إلى «اننا بحاجة إلى قوانين توحد المجتمع لا تفرقه، كما أننا نريد أن نبني دولة مدنية بقانون موحد، في حين أن هذه القوانين تؤدي إلى تشتت المجتمع وتفريقه». وأشارت السهيل إلى «اننا كنا اتفقنا منذ الدورة الماضية على ألا نتعامل مع هذه المادة حتى يتم حل الخلاف الناشب حولها، بينما نجد أن وزير العدل قد نقض ما سبق أن تم التوافق عليه».

من جهتها، أكدت عضو البرلمان العراقي عن القائمة العراقية والناشطة المدنية الدكتورة ندى الجبوري، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «المادة التي استند إليها وزير العدل في تشريع هذا القانون هي المادة 41، وهي إحدى المواد الخلافية التي تم ترحيلها إلى الدورة البرلمانية الجديدة في إطار المادة 142 من الدستور الخاصة بالتعديلات الدستورية»، مشيرة إلى أن «الدورة البرلمانية الحالية لم تعد تشكيل لجنة التعديلات الدستورية لعدم توافر الإرادة السياسية بشأن ذلك، وهو ما أبقى مواد كثيرة من ضمنها المادة 41 موضع خلاف». وأضافت الجبوري أن «الفترة الآن التي تسبق الانتخابات فترة حرجة جدا، وبالتالي فإن اللجوء إلى مثل هذه القوانين المفرقة غير مناسب»، مؤكدة أن «قانون الأحوال الشخصية النافذ استند بشكل رئيسي لا سيما في ما يتعلق بالمرأة والطفل إلى المذهب الجعفري، فضلا عن أنه اخذ أفضل ما في المذاهب كلها ولا يمكن لأحد الانتقاص منه بأي شكل من الأشكال». ودعت الجبوري إلى «الوقوف بقوة ضد أي قانون يعمل على تفريق العراقيين، حيث يكفي ما حصل لنا من تفرق وتشتت، وأن ما نحتاج إليه هو مشروع كبير بعيد عن الطائفية لا مشاريع تدخل حيز التنفيذ تحت مسمى الطائفة والمذهب».

وفي السياق نفسه، اعتبرت عضو البرلمان العراقي عن العراقية الحرة، عالية نصيف، في تصريح مماثل لـ«الشرق الأوسط»، أن «ما استند إليه وزير العدل في تشريع هذا القانون في إطار المادة 41 التي تنص على أن العراقيين أحرار إنما هو فهم خاطئ لأسباب عديدة، في المقدمة منها أن هذه المادة خلافية وليست محسومة، وثانيا أن كون العراقيين أحرارا يمكن أن يذهب إلى حريات بعيدة جدا، مثل الزواج المثلي أو غيره من أنماط الحريات، ولهذا السبب فقد ناضلنا بقوة من أجل أن تبقى هذه المادة خلافية حتى نحسم أمرها في ما بعد». وأضافت نصيف أنه «من المؤسف له أن نلجأ إلى مثل هذه التقسيمات والقوانين، حيث إننا وبعد أن قسمنا المجتمع إلى طوائف نعمل اليوم على تقسيم محاكم الأحوال الشخصية إلى مذاهب، ناهيك عن تقسيم الأوقاف إلى سنية وشيعية ومسيحية، وهو ما يعني الإيغال في تفتيت وحدة المجتمع».