مبادرة فرنسية ألمانية لإجراء محادثات مع الولايات المتحدة حول التجسس

وثيقة تكشف تجسس واشنطن على 35 زعيما في العالم > الرئيس هولاند: تجسس الحلفاء لا ينبغي أن يتكرر

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في ختام اليوم الأول من قمة أوروبية في بروكسل أمس (أ.ب)
TT

أطلقت فرنسا وألمانيا مبادرة مشتركة مدعومة من الدول الأوروبية الأخرى، سعيا لإيجاد أرضية تفاهم مع الولايات المتحدة قبل نهاية العام فيما يتعلق بمسائل التجسس، إثر الكشف عن مدى أنشطة التجسس الأميركية. وقال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند خلال مؤتمر صحافي في ختام اليوم الأول من قمة أوروبية في بروكسل: «لا بد من وضع حد (لهذه الأنشطة) والمطالبة بتوضيحات»، وتابع: «هذا ما فعله الأوروبيون هذا المساء وبالإجماع إذ اعتبروا أن هناك مع حليفنا الأميركي عددا من التوضيحات الواجب تقديمها»، مؤكدا: «نعلم أنه سيتم الكشف عن مسائل أخرى». وقدمت المبادرة الفرنسية الألمانية عند افتتاح القمة «بهدف التوصل قبل نهاية السنة إلى اتفاق حول العلاقات المتبادلة» بين الأوروبيين والأميركيين في مسائل التجسس، على ما أعلن رئيس مجلس أوروبا هيرمان فان رومبوي. وأوضح فان رومبوي أن المطلوب إنشاء مجموعة يمكن للدول الأعضاء الأخرى الانضمام إليها من أجل إيجاد قواعد مشتركة مع الولايات المتحدة بشأن أنشطة التجسس، محذرا من أن «فقدان الثقة يمكن أن يضر بالتعاون على صعيد التجسس». وقال: «جميعنا متفقون على النص، جميع الدول الـ28» في وقت أفادت معلومات عن تمنع من جانب البريطانيين الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، والذين اتهموا هم أيضا بالتجسس على دول أوروبية أخرى ولا سيما إيطاليا. وقال رئيس الوزراء الإيطالي أنريكو ليتا إن نظيره البريطاني ديفيد كاميرون أبدى «موقفا إيجابيا» وقد امتنع كاميرون عن الإدلاء بأي تصريحات سواء عند وصوله إلى القمة أو عند خروجه منها، مما يعتبر نادرا. ولا تزال فضيحة التجسس الأميركي على الأوروبيين تتكشف وتتسع مع توارد معلومات جديدة وآخرها نقلتها صحيفة «ذي غارديان» إذ أكدت مساء أول من أمس أن وكالة الأمن القومي الأميركية الضالعة في عمليات التنصت على الاتصالات في فرنسا والبرازيل والمكسيك تنصتت على اتصالات 35 من قادة العالم. وتشير الوثيقة التي حصلت «غارديان» على نسخة منها إلى أن وكالة الأمن القومي تحض المسؤولين البارزين في مواقع مختلفة كالبيت الأبيض والبنتاغون والوكالات الحكومية على أن يقدموا ما لديهم من أرقام هواتف تخص السياسيين البارزين حول العالم لإضافتها إلى قاعدة بياناتها. وتكشف الوثيقة عن أن مسؤولا لم يكشف عن هويته قد سلم للوكالة أكثر من مائتي رقم هاتف من بينها أرقام لخمسة وثلاثين من زعماء العالم. وأن موظفين بالوكالة قد تم تكليفهم على الفور بمراقبة اتصالات هذه الأرقام، وتضيف «غارديان» أن هذه الوثيقة التي يعود تاريخها إلى أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2006، ترجح أن المسألة لم تكن حدثا فرديا.

وأثارت برلين الدهشة الأربعاء، حين أعلنت أن الهاتف المحمول للمستشارة أنجيلا ميركل قد تعرض للتنصت من قبل أجهزة الاستخبارات الأميركية. وأعلنت ميركل لدى وصولها إلى بروكسل «أن التجسس بين الأصدقاء أمر غير مقبول». لكنها امتنعت عن التطرق إلى أي وقف محتمل لمفاوضات التبادل الحر الحالية بين الكتلتين وهو ما طالب به رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني سيغمار غابريال. وأبلغت أن هذه المسألة لم تطرح بين القادة الأوروبيين، محذرة من مخاطر وقف المفاوضات التجارية مع واشنطن. وعلى غرار هولاند في مطلع الأسبوع طلبت ميركل قبل انعقاد القمة توضيحات من الرئيس باراك أوباما وحذرت من أنه إذا تأكد هذا الأمر فسوف يسدد «ضربة شديدة للثقة» بين الدولتين الحليفتين. ورفض البيت الأبيض الخميس القول ما إذا كانت الولايات المتحدة تجسست في السابق على اتصالات المستشارة الألمانية واكتفى المتحدث باسم الرئاسة الأميركية جاي كارني بالقول إن الولايات المتحدة «لا تراقب ولن تراقب اتصالات المستشارة»، مضيفا: «إننا نعترف بأن الولايات المتحدة تقوم بجمع معلومات مثلما تفعل الدول الأخرى». وموضوع التجسس يرتدي طابعا حساسا في ألمانيا التي لا تزال تحت صدمة عمليات المراقبة المنهجية والمكثفة للمواطنين التي كان يقوم بها جهاز استخبارات ألمانيا الشرقية سابقا (ستاسي) أيام الجمهورية الديمقراطية الألمانية التي نشأت فيها ميركل. وفي تلميح إلى تلك الحقبة حذر رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروزو أول من أمس من «التوتاليتارية» مشددا على «الحق الأساسي» في احترام الحياة الخاصة.

ولم يكن الأوروبيون أظهروا حتى الآن أي وحدة صف في مواجهة الفضيحة الناتجة عن الوثائق التي سربها المستشار السابق في وكالة الأمن القومي الأميركية إدوارد سنودن، والتي أفادت من قبل عن برنامج أميركي واسع النطاق لمراقبة الإنترنت، لا سيما وأن مسائل الاستخبارات تبقى من الصلاحيات الوطنية وكذلك لأن التجسس يمارس أيضا بين دول الاتحاد الأوروبي نفسه. وبهذا الصدد اعتبر فرنسوا هولاند أن معلومات سنودن قد تكون «مفيدة» في نهاية المطاف، إذ إنها قد تقود إلى «مزيد من الفاعلية» في عمل أجهزة الاستخبارات ومزيد من الحماية لحياة المواطنين الخاصة. إلى ذلك حذرت الولايات المتحدة بعض أجهزة الاستخبارات الأجنبية من أن الوثائق التي حصل عليها إدوارد سنودن، المستشار السابق في وكالة الأمن القومي الأميركية تحتوي على تفاصيل حول طريقة تعاونها السري مع واشنطن، بحسب ما ذكرت صحيفة واشنطن بوست مساء أول من أمس.

وكتبت الصحيفة نقلا عن مصادر لم تكشف هويتها في الإدارة الأميركية أنه من بين عشرات آلاف الوثائق التي جمعها سنودن فإن بعضها يحتوي على معطيات حساسة حول برامج موجهة ضد بلدان مثل إيران وروسيا والصين.