العامة يفقدون الثقة في مؤسسات بريطانيا

الثقة في أمانة المشرعين ونزاهة المصارف وعمل وسائل الإعلام انخفضت

(من اليسار إلى اليمين) كين ماكيل مفتش شرطة اسكوتلنديارد، والرقيب كريس جونز، ومفتش الشرطة ستيورات هنت، في طريقهم للإدلاء بشهاداتهم أمام لجنة برلمانية بريطانية عن أداء الشرطة (نيويورك تايمز)
TT

بات من المألوف أن نستخلص من سيل من الفضائح أن البريطانيين قد فقدوا الثقة في العديد من مؤسساتهم الوطنية، على نحو يرخي أواصر الثقة التي تربط مجتمعات غربية يحلو لها أن تعتبر نفسها نماذج يحتذى بها بالنسبة لمجتمعات أخرى.

بالطبع تعتمد الثقة بدرجة كبيرة على الافتراضات التي تميز الحياة في لندن أو باريس أو برلين عن أماكن لا يجرؤ فيها أحد على تصديق أن يوما سيمر من دون الاختيال بالاستبداد التعسفي وبقع الدماء المراقة واستغلال الحقوق التي يأخذها أهل الغرب باعتبارها أمورا مسلما بها. وهذا لا يعني أن أساليب الطغاة على وشك أن تغرس هنا (مع أن بعض الصحافيين قد قارنوا مقترحات الحكومة البريطانية لتنظيم الصحافة بالقيود التي فرضتها زيمبابوي على حرية التعبير؛ وأدت صورة أعمال الشغب في لندن عام 2011 إلى مقارنة سطحية بالأيام الأولى من الربيع العربي). لكن مؤخرا، ظهر مشهد أحدث من رحم هذا السخط الشعبي، يمكننا أن نسميه حرب النخب.

لقد هاجم الساسة الشرطة بسبب مؤامرة مزعومة لإهانة المشرع أندرو ميتشل. وكرد فعل، اتهم ضباط الشرطة السلطات بالاستقواء ضدهم؛ ويكافح رؤساء تحرير الصحف من أجل وضع أشكال جديدة من الرقابة على الصحافة والتي يراها البعض انتقاما من الساسة على كشف الصحافة عن جرائم اختلاس من قبل مشرعين.

فعليا، تحول كل الهجوم السابق، بصورة أو بأخرى، إلى جانب المصرفيين، وهم الفئة المنبوذة اليوم منذ أزمة 2008.

وينعكس جانب كبير من الوعكة السياسية في نتائج تحقيق ليفيسون في قضية التنصت على الهواتف، التي كشفت عن مجموعة مسمومة من العلاقات الضارة بين الساسة والشرطة والصحافة. وبينما أنتج التحقيق آخر تقرير له مؤلف من ألفي صفحة قبل نحو عام، ما زالت أصداء نتائجه تتردد: في الأسبوع المقبل من المقرر أن يمثل محرران بارزان سابقان في الإمبراطورية الصحافية البريطانية لروبرت ميردوخ، هما ريبيكا بروكس وآندي كولسون، اللذان كانا مقربين من رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، أمام المحكمة لمواجهة مجموعة تهم من بينها حياكة مؤامرة واتهامات أخرى ينكرانها.

«المحاكمة تحمل أهمية سياسية استثنائية»، هذا ما كتبه كاتب الأعمدة بيتر أوبورن في صحيفة «ديلي تلغراف»، نظرا لأنها ستكشف اتهامات بجرائم جنائية لم يكن مخولا لتحقيق ليفيسون أخذها في الاعتبار. مجددا، سوف يشاهد البريطانيون دقة ما وصفه أوبورن بـ«حلقة داخلية» مقربة من مراكز السلطة.

في هذا الأسبوع، سلطت الأضواء على الشرطة. وفي يوم الأربعاء، استجوبت لجنة برلمانية ثلاثة ضباط في واقعة حدثت في سبتمبر (أيلول) 2012 عندما تفوه ميتشل بعبارات غير لائقة في وجود ضباط شرطة رفضوا السماح له بالمرور بالدراجة عبر البوابات الرئيسة المصنوعة من الحديد المطاوع في 10 داونينغ ستريت.

اتخذت الواقعة جانبا أكثر تشاؤما يتعلق بالفروق الطبقية والسخط من خلال زعم ضباط أن المشرع أهانهم. وعلى الرغم من إنكاره وتقديمه اعتذارا، فقد أجبر ميتشل على ترك منصب وزاري بارز. وأصبحت الواقعة قضية مشهورة. وأثارت جهود لاحقة من قبل ضباط آخرين لتشكيل رأي عام عن الواقعة مشكلات أكثر خطورة، وشككت اللجنة المستقلة لشكاوى الشرطة، وهي هيئة إشرافية، فيما إذا كان هناك برنامج سياسي يلعب دورا.

وبعد سنوات من كشف معلومات تتعلق بالتغطيات والتكتيكات المشبوهة والزلات الواضحة من قبل الشرطة، عمقت قضية ميتشل شعور السخط الشعبي. أجبر ثلاثة من أعلى الضباط رتبة في بريطانيا على الاعتذار له، فيما رفض آخرون متورطون في القضية القيام بالشيء نفسه. ويمكن القول إن التذمر العام أذهل النخبة بدرجة تفوق الأمة ككل.

لكن أشار استبيان محترم نشر في سبتمبر إلى أن الثقة في أمانة المشرعين ونزاهة المصارف وعمل وسائل الإعلام قد انخفضت بشكل هائل خلال العقود الثلاثة الماضية. وأشار استطلاع رأي آخر أجري مؤخرا إلى أن ضباط الشرطة المحليين ما زالوا يحظون باحترام على نطاق واسع. لكن ذلك الرأي يواجه تحديات.

«واقعة الإهانة صادمة بالفعل لأنها تظهر الضباط يتآمرون من أجل (خداع) عضو بالوزارة»، هذا ما كتبه المؤرخ ماكس هاستينغز في صحيفة «ديلي ميل» المحافظة. وأضاف «أخشى اليوم أن يكون الشك في أمانة الشرطة قضية خطيرة».

* خدمة «نيويورك تايمز»