لبنان: طرابلس تعيش معاركها الأعنف.. وانخراط مقاتلين جدد في القتال

اتصالات واجتماعات مكثفة لتدارك التطور الدراماتيكي للوضع الأمني

عناصر من الجيش اللبناني بدوار النور بطرابلس أمس (أ.ف.ب)
TT

تكثفت الاجتماعات والاتصالات طوال يوم أمس لتدارك الوضع الأمني الذي تدهور بشكل دراماتيكي في مدينة طرابلس، شمال لبنان، بدءا من ليل الخميس، مع تصاعد الاشتباكات بين محلتي جبل محسن ذات الغالبية العلوية وباب التبانة، ذات الغالبية السنية، بشكل كبير. واشتدت حدة الاشتباكات أمس، إذ قدر عدد القذائف التي سقطت على طرابلس خلال ثلاث ساعات فقط بنحو خمسين قذيفة.

ونظرا لخطورة الوضع الأمني، ألغى الرئيس اللبناني ميشال سليمان زيارة مقررة إلى النمسا ليتسنى له متابعة أحداث طرابلس، فيما أجرى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي سلسلة اتصالات، شملت سليمان ونواب طرابلس وفعالياتها. وشدد على ضرورة تطبيق الإجراءات الأمنية والقضائية ورفع كل غطاء سياسي عن المخلين بالأمن، لافتا إلى أهمية تهدئة الخطاب السياسي في هذا الظرف الدقيق.

وأتى التصعيد بعد ساعات على اجتماع لهيئة العلماء المسلمين وقادة المحاور في التبانة، صدر بعده بيان تلاه الأمين العام لتيار أهل السنة الشيخ سالم الرافعي، الذي طالب «بكشف ومحاسبة الجناة في تفجيري طرابلس نهاية أغسطس (آب) الماضي، لتهدئة النفوس»، علما بأن اتهامات بالتفجيرين وجهت إلى مجموعة من جبل محسن.

وكانت ليلة أول من أمس قد شهدت تحولا ميدانيا بعد أن انخرطت مجموعات جديدة مسلحة من باب التبانة في المعارك، منها إسلامية ومحسوبة على سياسيين، ما رفع عدد المقاتلين وزاد من شراسة المعركة. واستمرت الاشتباكات بوتيرة أخف، خلال ساعات نهار أمس، كما بقي القناصة على نشاطهم ليحصدوا عددا جديدا من الضحايا وصل إلى قتيلين وعشرين جريحا. وأكد المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي، اللواء أشرف ريفي، المتحدر من المدينة، أنه «طفح الكيل، وما يجري ليس مقبولا، ويجب أن يتوقف فورا»، مشددا على أن «طرابلس تعرضت لـ17 اعتداء بعد 7 مايو (أيار) المشؤوم».

وسأل ريفي، في مؤتمر صحافي عقده في طرابلس أمس: «لماذا لم تبادر الدولة إلى اعتقال المجرمين في تفجيري السلام والتقوى»، مشيرا إلى «إننا ننتظر من الدولة مبادرة سريعة كي لا يتطور الوضع بطرابلس، التي لم تعد قادرة على تحمل الاعتداءات». وقال ريفي: «لا قادة محاور في طرابلس إنما هؤلاء هم أبناؤنا وهناك من يسعى لتشويه صورتهم».

ويقدر عدد قادة المحاور في باب التبانة بحسب المقاتلين أنفسهم، بأكثر من مائة، يشرف كل منهم على مجموعة مسلحة. وهم رغم غياب التنسيق الحقيقي بينهم، يجمعون أن جبل محسن، محكوم من حزب يتآمر عليهم مع النظام السوري. وزاد من حدة العداء الاتهام الذي وجه إلى مجموعة من جبل محسن، بمسؤوليتها عن تفجيري طرابلس. ويصر المقاتلون في التبانة، بحسب عضو هيئة العلماء المسلمين الشيخ نبيل رحيم، على أن «هناك تراخيا في التحقيقات وخمسة فارين يتوجب تعقبهم بشكل جدي»، متهمين الدولة بـ«التقاعس».

ويقول رحيم لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا أحد يريد التصعيد والمشكلة معقدة»، معربا عن اعتقاده بأن «الحل الجذري في طرابلس ينتظر الحسم السوري، فالترابط بات واضحا».

ولا يخفي إمام مسجد «خالد بن الوليد» في باب التبانة الشيخ وليد طبوش، تخوفه من أن تكون منطقته مع جبل محسن، هما اللتان ستقدمان «الفاتورة الأغلى» في لبنان بسبب الحرب في سوريا.

واعتبر طبوش في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «ثمة من يبحث عن مكاسب سياسية من وراء هذا الاقتتال»، وتوقع أن «تكون معركة القلمون حاسمة بالنسبة لمصير لبنان وسوريا معا»، معتبرا أن «فتح جبهة طرابلس قد يكون من مصلحة أطراف عدة، محلية وإقليمية. لكن من واجبنا أن نحيد طرابلس، بشتى السبل».

وشدد طبوش على أن المطلوب هو «تدخل حازم من الرئيس اللبناني ميشال سليمان ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بجمع الأطراف المتقاتلة وإجراء مصالحة عاجلة». وأكد أنه «لا شروط عند أحد لوقف الاقتتال، والحل قد لا يكون معقدا وإنما يحتاج لشيء من الحوار وترطيب الأجواء».

لكن يبدو وبحسب ما يتسرب من معلومات، أن الجيش اللبناني عازم على أن يكون حازما هذه المرة، وهو يقيم حواجز يحاول من خلالها تطويق المسلحين والمعتدين من الجهتين. وشهدت حواجز الجيش منذ بدء هذه الجولة من الاشتباكات، مساء الاثنين الماضي، عدة اعتداءات، أدت إلى جرح أكثر من ستة جنود. وقال أحمد المرج، أحد فعاليات باب التبانة لـ«الشرق الأوسط» أمس: «هناك انزعاج من الجيش في باب التبانة، وعند السكان إحساس بأن هناك من يطوقهم، وهذا أمر يحتاج إلى معالجة».

واستكمالا لما صدر عن الرئيس ميقاتي حول ضرورة محاسبة المخلين، أوعز مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر إلى جميع قادة الأجهزة الأمنية في الشمال، لتزويده بأسماء المشاركين في الأعمال الحربية والعسكرية الجارية في طرابلس، تمهيدا لإصدار مذكرات توقيف في حقهم.

وإذا كان من شيء يتفق عليه الطرفان المتقاتلان في باب التبانة وجبل محسن اليوم، فهو أن معركتهما عبثية، وأنها تحرك لدى كلا الجانبين من الخارج، وأن قرارهما ليس محليا. ويعلق أحمد المرج على هذا الأمر بالقول: «نحن ورقتان محليتان، يلعب بهما طرفان متصارعان في المنطقة، ونحن أرض خصبة، لأننا نتقاتل منذ ثلاثين سنة، ويسهل تحريكنا واستغلالنا».