المعارضة تشترط هيكلة «الأمن» بموجب «جنيف 2».. والأسد يتمسك بالسيطرة عليها

يقدر عدد موظفيها بـ65 ألفا وتشكل عقدة في المحادثات التمهيدية

أسلحة من صنع عناصر الجيش السوري الحر تقصف مقرا لقوات النظام السورية بالأشرفية بحلب أمس (رويترز)
TT

تواجه الحكومة الانتقالية التي من المفترض أن تنبثق عن مؤتمر «جنيف 2» في حال انعقاده، خلال الشهر المقبل، إشكاليات عدة أبرزها تلك المتعلقة بمصير الأجهزة الأمنية السورية وإعادة هيكلتها. وبينما تصر المعارضة السورية على «حكومة كاملة الصلاحيات»، يخضع القطاع الأمني لإدارتها، يصر النظام السوري على تشكيل حكومة وفق الدستور النافذ الصادر العام الماضي، وينص على أن تتبع الأجهزة الأمنية للرئيس بشكل مباشر.

وتتصدر مسألة الأجهزة الأمنية جدول محادثات المعارضة السورية، وآخرها قبل يومين، خلال لقاء الموفد الأممي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي برئيس هيئة أركان الجيش السوري الحر سليم إدريس. ويؤكد المنسق الإعلامي والسياسي في الجيش الحر لؤي المقداد لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه القضية نوقشت خلال المحادثات»، مشيرا إلى وجود خلاف كبير بشأنها «لا سيما أن الأسد يصر على الإمساك بهذه الأجهزة وفقا لإحدى مواد الدستور الذي وضعه مع أعوانه». ويوضح المقداد «إننا نريد حكومة انتقالية تضمن إعادة هيكلة أجهزة الأمن بعد رحيل الأسد».

وساهمت ممارسات أجهزة الأمن السورية خلال ما يزيد على عامين ونصف العام من الاحتجاجات ضد نظام الأسد في جعل علاقة السوريين برجال الأمن أكثر سوءا مما كانت عليه من قبل، علما أن الحراك الشعبي ضد نظام الأسد اندلع على خلفية إساءة وجهها رئيس فرع الأمن السياسي في درعا عاطف نجيب، وهو ابن خالة الرئيس السوري، لمجموعة من وجهاء العشائر الذي جاءوا إليها للتوسط في قضية احتجاز أطفال بعد كتابة شعارات مناوئة للنظام على جدار مدرستهم.

ويصعب تصور حكومة انتقالية بعد «جنيف 2» لا تشمل صلاحيتها أجهزة الأمن، بحسب ما يؤكد عضو الهيئة السياسية في «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» أحمد رمضان لـ«الشرق الأوسط»، موضحا أن «المعارضة متفقة مع الدول الصديقة للشعب السوري على حكومة كاملة الصلاحيات تعيد صياغة الأجهزة الأمنية وفق برامج وخطط تنقلها من وظيفتها الحالية كأدوات للبطش وقمع الشعب وخدمة السلطة إلى مهمة حماية الدولة من مخاطر التجسس وظواهر الإرهاب».

وفي حين يمسك العلويون بقيادة معظم الأجهزة الأمنية في سوريا بحكم انتمائهم إلى الطائفة التي يتحدر منها الأسد، ما يجعلهم موضع ثقة لدى النظام، يؤكد رمضان أن «المعالجة الصحيحة للأجهزة يجب أن لا تتم بناء على خلفية الأشخاص الطائفية والإثنية وإنما على سلوكهم»، مشددا على «ضرورة خلق فكر جديد للمؤسسة الأمنية ينسجم مع قيم حقوق الإنسان العالمية».

وبسبب أسلوب المراوغة الذي يتبعه النظام السوري، تصر المعارضة على عدم المشاركة في مؤتمر (جنيف 2) في حال لم تحصل على ضمانات واضحة لوجود سلطة انتقالية تخلف الأسد وفق ما يؤكده رمضان. ويوضح أن «هذه السلطة يجب أن تحدد جداول زمنية لإعادة هيكلة جميع الأجهزة الأمنية، بما يتناسب مع سوريا الجديدة».

وكان «بيت الخبرة السوري» التابع للمركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية قد أصدر خلال شهر أغسطس (آب) الفائت «خارطة طريق» بعنوان «التحول الديمقراطي في سوريا»، ضمنها توصيات في 6 مجالات، من بينها «إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية» و«بناء جيش وطني حديث».

ويقترح المركز في التوصيات الصادرة عنه «تطهير وزارة الداخلية والأجهزة المتفرعة عنها من الضباط الذين ارتكبوا التعذيب وجرائم ضد الإنسانية وملاحقة الفارين منهم». كما شدد على «ضرورة فصل العاملين في القطاع الأمني عن أي انتماء سياسي». وفي موازاة مطالبته بـ«ضرورة حماية المقرات الأمنية بعد سقوط النظام لحماية المستندات والوثائق الموجودة فيها»، دعا المركز إلى «تأسيس لجنة تنبثق عن الحكومة الانتقالية هدفها دراسة مسار إصلاح القطاع الأمني خلال المرحلة الانتقالية».

وتنقسم الأجهزة الأمنية في سوريا إلى أربعة أجهزة تتبع لها عشرات الفروع في الكثير من المدن والمناطق السورية، وهي: جهاز المخابرات العسكرية، ويعرف أيضا باسم «الأمن العسكري»، ويرأسه حاليا اللواء عبد الفتاح ويعتبر هذا الجهاز التابع للقوات المسلحة، الأكثر نفوذا بين أجهزة الأمن، والكثير من القادة والمسؤولين خرجوا من رحم هذا الجهاز وأبرزهم وزير الداخلية الحالي اللواء محمد إبراهيم الشعار.

ويتبع لهذا الجهاز عدة فروع أهمها فرع فلسطين أو الفرع رقم (235). وكان من المفترض أن يكون متخصصا لمكافحة التجسس الإسرائيلي، غير أنه بات يركز على قضايا سياسية أخرى مثل ملف الحركات الإسلامية في سوريا. ولجهاز المخابرات العسكرية فروع في كل المدن السورية.

أما الجهاز الثاني فهو المخابرات العامة ويعرف أيضا باسم «جهاز أمن الدولة»، ويرأسه حاليا اللواء علي مملوك ويتبع له فروع عدة أهمها، الفرع الداخلي ومعروف للعامة باسم «جهاز أمن الدولة»، ويقوده العميد حافظ مخلوف ابن خال الرئيس بشار الأسد.

ويعتبر الأمن السياسي الجهاز الثالث من بين الأجهزة الأمنية، ويتبع نظريا لوزارة الداخلية ويرأسه حاليا اللواء محمد ديب زيتوني، فيما تشكل مخابرات القوى الجوية الجهاز الرابع، ويرأسها حاليا اللواء جميل الحسن. ويتبع هذا الجهاز للقوات الجوية وله سجون داخل قواعد جوية. وبحسب معارضين، ساهم هذا الجهاز في تصفيات عدد من الناشطين المعارضين خلال الأحداث الأخيرة، من أبرزهم الناشط غياث مطر الذي قتل في مدينة داريا بريف دمشق.

وفي ظل التنافس الأمني القائم بين هذه الأجهزة المختلفة، توسع دور بعض الفروع الأمنية بشكل كبير حتى على حساب الإدارة التابعة لها، ويعود ذلك إلى نفوذ رئيس الفرع وسلطته التي غالبا ما تتعزز بحسب علاقته المباشرة مع الرئيس.

ويبلغ عدد الموظفين في أجهزة الأمن السورية 65 ألف موظف بدوام كامل وعدة مئات من الألوف بدوام جزئي. وبناء على هذا التوزيع، فلكل 257 مواطنا سوريا عنصر مخابرات، وفق ما ورد في دراسة للباحث والمعارض السوري رضوان زيادة بعنوان «كيف بنت عائلة الأسد دولة المخابرات في سوريا؟». ولما كان 59.5% من السوريين فوق سن 15 سنة، فهذا يعني أنه لكل 153 مواطنا سوريا رجل مخابرات. وهي تعتبر من النسب الأعلى في العالم.