مؤتمر يبحث واقع مسيحيي الشرق على ضوء التغيرات السياسية

قضية المطرانين المخطوفين لم تغب عنه.. وسليمان: جهود قطرية حثيثة

الرئيس اللبناني ميشال سليمان لدى حضوره مؤتمر مسيحيي الشرق الذي عقد في بيروت أمس (دالاتي ونهرا)
TT

لم تغب قضية المطرانين بولس يازجي ويوحنا إبراهيم، المخطوفين بريف حلب في سوريا منذ أبريل (نيسان) الماضي، عن أعمال «المؤتمر العام الأول لمسيحيي المشرق»، الذي افتتح أعماله في بيروت أمس بناء على دعوة من «لقاء مسيحيي المشرق»، من أجل البحث في شجون مسيحيي المشرق وهمومهم في ظل الأوضاع الدقيقة التي تشهدها المنطقة.

ويبذل لبنان الرسمي جهودا حثيثة في الأيام الأخيرة باتجاه سوريا وقطر لإطلاق سراح المطرانين، بعد النجاح أخيرا في الإفراج عن اللبنانيين التسعة الذين احتجزوا في مدينة أعزاز السورية. وفي موازاة رفع الأمين العام لـ«لقاء مسيحيي المشرق»، المطران اللبناني سمير مظلوم، خلال افتتاح جلسات المؤتمر، الصلاة لـ«يحرسهما الله ويعيدهما سالمين في أقرب وقت»، أعلن الرئيس اللبناني ميشال سليمان تلقيه رسالة من «أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أكد فيها بذل جهوده القصوى للإفراج عن المطرانين في أقرب الآجال تماما كما حصل مع اللبنانيين المفرج عنهم من أعزاز». وقال سليمان: «ننظر إلى مساع حثيثة ونشطة لتحريرهما سالمين مكرمين».

وجمع «المؤتمر العام الأول لمسيحيي المشرق»، الذي افتتح في بيروت أمس وينهي أعماله اليوم، مجموعة من بطاركة الكنائس المشرقية ورؤساء أحزاب وفعاليات مسيحية من لبنان والأردن وسوريا والعراق وفلسطين ومصر ومن السويد وبلجيكا وإيران ودول أخرى.

وقال الرئيس اللبناني خلال افتتاح أعمال المؤتمر أمس إن «الأخطار التي تهدد مسيحيي الشرق أصبحت معروفة، وأهمها تقلص في الوجود الديموغرافي والجغرافي ونزيف الهجرة وتراجع الدور في القرار السياسي والاقتصادي باستثناء لبنان، وارتفاع صوت العصبية الطائفية والمذهبية، واندلاع المسألة الدستورية بشأن مدى الفصل بين سلطة الدولة ومؤسساتها وأحكام الشريعة ومفاهيمها السياسية، بالتزامن مع الحراك الشعبي القائم، على ما يحمله من آمال ويشوبه من تطرف وعنف». وقال إن «إصرار الإسرائيليين على يهودية الدولة يكرس التمييز بين الشعوب ويهدد كل السلام والعدل والمساواة».

واقترح سليمان أن «تركز معركة الدساتير الجديدة على ما يخدم وحدة المجتمعات وعزتها والكرامة الإنسانية لكل فرد من أفرادها (...) بقطع النظر عن دينه أو لونه أو عرقه»، لافتا إلى أن «نموذج الاستثناء اللبناني المميز قد يشكل منطلقا لنظام اجتماعي وسياسي مشرقي جديد». وشدد على أن «مستقبل المسيحيين المشرقيين لا يكون بالتقوقع والانعزال، أو بالحماية العسكرية الأجنبية أو بما يسمى (تحالف الأقليات)، ولا يكون بالتماهي بشكل عام مع الأنظمة غير العادلة والمتسلطة، بل يكون بتعزيز منطق الاعتدال والانفتاح ونهج الحوار في محيطهم».

وتتزايد مخاوف مسيحيي المشرق من التغييرات الديمغرافية التي تطرأ على المنطقة، على ضوء التغيرات السياسية. وتشير تقارير عدة إلى أن مسيحيي المشرق وبلاد النيل شكلوا ما يقارب 25 في المائة من مجمل السكان بداية القرن العشرين، ليتضاءل عددهم إلى نحو 6 في المائة في السنوات الأخيرة. ففضلا عن حركة التهجير الممنهج من فلسطين والتي شملت المسيحيين، انخفض عدد مسيحيي العراق من نحو مليونين إلى أقل من نصف مليون. وفي مصر، لم يسلم الأقباط من تداعيات الصراع على السلطة بعد إسقاط نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك. أما في سوريا، فلم يستطع المسيحيون النأي بأنفسهم عن الصراع القائم. وكان لافتا إعلان الخارجية الروسية قبل أيام تلقيها رسالة موقعة من 50 ألف مسيحي يتحدرون من منطقة القلمون بالحصول على الجنسية الروسية «حماية من العنف» الذي يرتكبه مقاتلو المعارضة في سوريا «المدعومون من الغرب»، وفق الخارجية الروسية.

ورأى الأمين العام لـ«لقاء مسيحيي المشرق» المطران سمير مظلوم، خلال الجلسة الافتتاحية، أن المسيحيين «مدعوون إلى التزام جديد بمصير هذه المنطقة، أو بالأحرى التزام مصيرها». وجزم بأن «المسلم في الشرق لا يستطيع أن يطور أي مشروع لنظام اجتماعي وسياسي من غير أن يأخذ بالحسبان الجماعة المسيحية بشكل يعطيها الثقة.. والمسيحيون من جانبهم يتحملون مسؤولية مماثلة تدعوهم إلى التخلص من العقد الاجتماعية والنفسية، التي خلفها لهم التاريخ».

ومن المقرر أن ينهي المؤتمر أعماله اليوم بسلسلة من التوصيات، أبرزها تشكيل اتحاد لمسيحيي المشرق، على أن يحظى بصفة مراقب في الأمم المتحدة والمجلس الدولي لحقوق الإنسان، إضافة إلى إنشاء مرصد يتولى رصد الانتهاكات التي يتعرض لها المسيحيون في المشرق.

وكان تخلل جلسة الافتتاح أمس كلمة للبطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي أكد أن «مصيرا واحدا يربط بيننا وبين المسلمين». ورأى أنه «في قلب النزاع السياسي - المذهبي الدائر في المنطقة، من واجبنا أن نعمل من أجل إحلال العدالة وتحقيق التنمية وإجراء المصالحة وتعزيز الوفاق»، مشددا على أنه «لا هجرة ولا خوف، وبخاصة لا تقوقع ولا ذوبان.. فالتقوقع يلغي رسالتنا، والذوبان يقضي على هويتنا».

يذكر أن عقد هذا المؤتمر مقرر منذ تأسيس «لقاء مسيحيي المشرق»، نهاية عام 2010. ويعمل اللقاء على «إيجاد مساحة لقاء وتواصل بين مسيحيي المشرق بكل كنائسهم، وتأمين منبر تواصلي في الظرف التاريخي الخطر الذي يمرون به»، وفق بيانه التأسيسي.