الجيش اللبناني يقتحم «باب التبانة».. بعد انتشاره في جبل محسن

نصر الله: الوضع في المدينة يحتاج إلى قرار سياسي كبير

TT

قال مقاتلون ميدانيون في منطقة باب التبانة، ذات الغالبية السنية، في مدينة طرابلس، شمال لبنان، إن دخول الجيش اللبناني إلى منطقتهم، منذ منتصف ظهر أمس، لن ينهي المعارك المستمرة منذ ثمانية أيام. وقال أحد هؤلاء المقاتلين لـ«الشرق الأوسط» أمس إن «الحل هو في القبض على الجناة في تفجيري مسجدي التقوى والسلام»، اللذين أوديا بحياة خمسين شخصا نهاية أغسطس (آب) الماضي، «لا بالقوة العسكرية في فرض الأمن».

وكان الجيش اللبناني اقتحم منطقة باب التبانة ظهر أمس، بقوة كبيرة، على الرغم من اعتراض بعض المجموعات المسلحة. وسير دوريات مؤللة، في شارع سوريا الذي بدا مقفرا تماما، بينما رد مسلحون على هذه الخطوة بإطلاق الرصاص على الجنود والاشتباك معهم ورمي القنابل، مما أوقع ثلاثة جرحى. كما تعرض جنديان على الأقل صباح أمس للاعتداء، بينما كانا متوجهين إلى مراكز عملهما.

وأعلنت قيادة الجيش اللبناني، في بيان صادر عنها، أنه بعد ظهر أمس و«خلال تنفيذ مهمة الانتشار لضبط الأمن في مدينة طرابلس، تعرضت دورية عسكرية في محلة التبانة - شارع سوريا لإطلاق نار من قبل مسلحين، مما أدى إلى إصابة ثلاثة عسكريين بجروح، وقد ردت عناصر الدورية على مصادر النار بالمثل، كما اتخذت وحدات الجيش إجراءات استثنائية لتعقب مطلقي النار، لتوقيفهم وإحالتهم على القضاء المختص، متابعة مهمة انتشارها».

ويأتي هذا التطور بعد ثمانية أيام من الاشتباكات بين منطقة جبل محسن، ذات الغالبية العلوية، وباب التبانة ذات الغالبية السنية، في الضاحية الشمالية لمدينة طرابلس، راح ضحيتها 18 قتيلا و93 جريحا بينهم أكثر من 12 عسكريا. وبينما تمكن الجيش اللبناني من الانتشار في جبل محسن منذ يومين، والتمركز على ظهر العمارات، لرصد القناصة والمخلين وإزالة بعض الدشم، بقيت مجموعات من مسلحي باب التبانة رافضة لدخول الجيش إلى منطقتهم.

وعزا الشيخ أمير رعد، عضو هيئة «المساعي الحميدة» في طرابلس، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، هذا التوتر بين الجيش والمسلحين إلى «علاقات وارتباطات لبعض المقاتلين بجهات مختلفة». وحول عدم التنسيق مع مسلحي باب التبانة كما يجري في العادة قبل دخول الجيش، أجاب رعد: «كان الأمن بالتراضي، ويبدو أنه لم يعد كذلك. وعلى الأرجح، في أجواء التسويات هناك من لا بد أنه سيدفع الثمن».

ويتخوف مقاتلو باب التبانة من ملاحقتهم قضائيا بعد أن كلف مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، بإجراء التحقيقات الأولية وجمع المعلومات وأسماء المتورطين في أحداث طرابلس الأخيرة، وخصوصا أن بعض الأسماء بات معروفا، وذلك من أجل اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة. ويتساءل الشيخ رعد: «هل ستكون الملاحقة فقط بحق أهالي باب التبانة؟ وهل سيتمكن القضاء من معاقبة المقاتلين من جبل محسن؟ هذا سؤال يطرح».

ويبدي رعد خشيته من أن «يكون هناك من يريد إدخال مجموعات مسلحة في التبانة في صدام مع الجيش، وهذه خسارة كبيرة». ويقول: «على الرغم من مآخذنا الكثيرة على الجيش، لكن 60 في المائة من الجنود هم من السنة، ومعلوم أن السنة هم خزان هذه المؤسسة. وقد يكون هناك من يهدف لوضع باب التبانة في مواجهة مع الجيش، ويخرج هو من الصراع. وهذا ما يجب التنبه له».

ويلفت الشيخ رعد إلى أن «المزاج العام في التبانة يريد رؤية مرتكبي تفجيري طرابلس وهم ينالون جزاءهم، والتسريع في محاسبة هؤلاء سيهدئ الرأي العام، ومن هنا نقول لا بد من سد الذرائع».

جدير بالذكر أن التحقيقات الأولية في تفجيري مسجدي التقوى والسلام، أشارت بأصابع الاتهام إلى أشخاص من جبل محسن ألقي القبض على بعضهم ولا يزال خمسة أشخاص آخرين فارين من وجه العدالة، وهو ما يؤجج غضب أهالي التبانة.

وفي ما يشبه الرد السريع على هذه المطالب، أصدرت قيادة الجيش بيانا أمس قالت فيه إن «مديرية المخابرات أحالت ظهر أمس على القضاء المختص الموقوف أحمد محمد علي لإقدامه على تهريب أحد المتهمين الرئيسين في تفجيرات طرابلس، وذلك بنقله من مكان اختبائه ومساعدته على الفرار إلى خارج لبنان».

ووصف وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية فايز غصن ما يحدث في طرابلس بـ«الخطير جدا». ورأى أنه «يجب تكثيف الجهود لعدم تكراره، ومحاسبة جميع المتورطين والمشاركين في العمليات العسكرية التي أودت بحياة الكثير من المدنيين والأبرياء».

وقال غصن، في بيان صادر عنه، إن «الخطة الأمنية التي بدأ تنفيذها مهمة جدا، ومن شأن نجاحها تجنيب المدينة عودة الإشكالات الأمنية»، معتبرا في الوقت ذاته أن نجاحها مرتبط بشروط، «أولها التأكيد فعلا لا قولا على سحب الغطاء عن كل مسلح وعابث بالأمن، وعدم الاكتفاء بالتصريحات الإعلامية التي ثبت أن لا مفاعيل لها. وثانيها عدم خلق بيئة داعمة للمسلحين إلى أي جهة انتموا، وخصوصا بعدما سمعنا في الآونة الأخيرة أصواتا حاولت خلق المبررات والأعذار لهؤلاء، وتأمين حاضنة سياسية لهم. أما الأمر الآخر، فهو ترك الأجهزة الأمنية تقوم بعملها، في موازاة عمل الأجهزة القضائية، وعدم استثمار العمل الأمني والقضائي لغايات سياسية رخيصة».

وسياسيا، رأى الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، أن «الوضع في طرابلس يحتاج إلى قرار سياسي كبير، والدولة تعرف الكثير عن الشبكات التي تعمل لتفجير الوضع في لبنان، ولكن حتى اليوم لم تتحرك أجهزتها». وشدد في كلمة له أمس على أن «الحل الوحيد يكون باستدعاء الجيش والقوى الأمنية في طرابلس والتعاون معها وليس استدعاء (داعش) و(النصرة) في طرابلس أو لبنان لأن ذلك يعقد الوضع ولا يحله».

وكان النائب في كتلة المستقبل أحمد فتفت حمل نصر الله مسؤولية ما يجري في طرابلس، واتهمه بأنه «يرسل السلاح باتجاه المدينة». وأشار في حديث تلفزيوني أمس، إلى أنه «عندما خرج الرئيس السوري بشار الأسد وقال إن جبل محسن منطقة سورية شاهدنا كيف اشتعلت الأحداث الأمنية من جديد».