مساع قطرية لتسوية الخلافات داخل «الحر» في إسطنبول قبيل «جنيف 2»

العطية يلتقي أبرز القادة الميدانيين.. ودعوات لحل قيادته وإيجاد بديل لـ«الائتلاف» السوري

صورة وزعها المكتب الإعلامي للفصائل الإسلامية المشاركة في اجتماعات إسطنبول («الشرق الأوسط»)
TT

على مدى يومين التقى وزير الخارجية القطري خالد العطية أبرز قيادات «الكتائب الإسلامية» في الجيش السوري الحر المعارضة للرئيس السوري بشار الأسد في سلسلة اجتماعات بمدينة إسطنبول، هدفت لبلورة موقف موحد للكتائب الإسلامية بخصوص العلاقة مع الائتلاف السوري المعارض وهيئة أركان الجيش السوري الحر (المرتبطة بالائتلاف) ومؤتمر «جنيف2» للسلام الخاص بسوريا المزمع عقده خلال أسابيع.

لكن اجتماعات تلك الكتائب انتهت من دون اتفاق واضح على توحيد جهودها في إطار تنظيمي موحد تردد أنه سيحمل اسم «جيش محمد» بهدف الخروج عن مظلة «هيئة الأركان» وانتزاع جزء من تمثيل «العسكر» في الائتلاف الوطني السوري قبل أيام من اجتماع موسع للائتلاف سيعقد في إسطنبول للبحث في موضوع مشاركة المعارضة في مؤتمر «جنيف2» الذي تسعى الولايات المتحدة وروسيا إلى عقده نهاية الشهر الحالي.

وأوضحت مصادر سورية معارضة أن اجتماعات الكتائب الإسلامية مع وزير الخارجية القطري لم تصل إلى «وعود حاسمة» بدعم قطري سياسي ومالي لهذه الخطوة، رغم ما نقل عن العطية من تأييده «إعادة النظر» في تركيبة الأركان، مما يؤشر إلى ميل قطري في هذا الاتجاه، وهو ما أكدته مصادر في المعارضة، مشددة على أن «الغطاء القطري كان واضحا».

وقالت المصادر إن الوزير القطري أجرى مجموعة لقاءات مع قيادات الكتائب الإسلامية، لم تحضره لا «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المعروفة بـ«داعش» ولا «جبهة النصرة»، التنظيمان المعروفان بقربهما من «القاعدة». كما التقى المراقب العام لـ«الإخوان المسلمين» رياض الشقفة مبديا أمامه «الرغبة في مزيد من التعاون»، كما قال مصدر في «الإخوان» لـ«الشرق الأوسط».

وغادر الوزير القطري إسطنبول أمس من دون أن تسفر الاجتماعات عن نتائج محددة، في ظل تمسك الكتائب الإسلامية بحصة «القرار» في الائتلاف والأركان، وصولا إلى الدعوة إلى قيام «دولة الخلافة» كما ذكر مصدر معارض سوري، مشيرا إلى أن العطية قال إن قطر تدعم الإسلاميين «لكن ليس إلى هذا الحد».

والاجتماع لم يكن تقليديا، فمن النادر اجتماع أبرز القادة العسكريين للثورة السورية من دمشق وحلب وإدلب واللاذقية وحمص وحماه؛ إذ شارك في الاجتماع زهران علوش، قائد «لواء الإسلام» في ريف دمشق، وأبو طلحة، القائد العسكري لـ«أحرار الشام»، أحد أكبر فصائل المعارضة. كما ضم الاجتماع عبد القادر الصالح، القائد العسكري لـ«لواء التوحيد» الفصيل الأقوى في حلب. كذلك شارك في المداولات عيسى الشيخ قائد ألوية «صقور الشام»، وقيادات لعشرين فصيلا مسلحا أخرى مثل «كتائب شهداء سوريا» و«أحفاد الرسول» و«أنصار الشام». وكان الغائب الأكبر هو فصيل «الفاروق» الذي ينشط في حمص.

ودعا الوزير القطري خلال سلسلة الاجتماعات، التي حضرت «الشرق الأوسط» جزءا منها، إلى الخروج بموقف أكثر اعتدالا لتلك الفصائل قبل عقد مؤتمر «جنيف2».

وكانت هذه الفصائل التي تنتمي للتيار السلفي الجهادي عقدت اجتماعا أيضا قبل أيام في مدينة أنطاكيا التركية وأصدرت بيانا أعلنت فيه رفضها «جنيف2»؛ بل وعدّته «مؤامرة ضد الشعب السوري».

وقالت مصادر مقربة من هذه الفصائل لـ«الشرق الأوسط» إنها رفضت التراجع عن موقفها المعترض على عقد «جنيف2»، وأي قرارات تصدر عنه، في موقف قد يعطل تنفيذ أي قرار دولي.

وتمثل الفصائل الرافضة لـ«جنيف2» غالبية الحركة المسلحة المعارضة في سوريا، وهي تملك على الأرض القرار الفعلي في «المناطق المحررة».

وتقول المصادر المقربة للتيارات المعارضة في المناطق السورية المحررة لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا يمكن لأي هيئة سياسية فرض اتفاق لوقف إطلاق النار في ريف دمشق، من دون موافقة الفصيل التابع لزهران علوش قائد (لواء الإسلام)»، ولا يمكنها فرض أي قرار في حلب دون التنسيق مع عبد القادر صالح قائد «لواء التوحيد». وكذلك الأمر بالنسبة لأبو طلحة وعيسى الشيخ قائدا «أحرار الشام» و«صقور الشام» الفصيلين الأقوى في ريف إدلب والرقة وريف حماه.

ولعل نفوذ وقوة وتماسك هذه الفصائل على الأرض دفعها من قبل لإعلان رفضها هيئة أركان الجيش السوري الحر بقيادة اللواء سليم إدريس. كما أن تلك الفصائل الإسلامية المسلحة اتخذت في اجتماعها الذي عقد بأنطاكيا قبل أيام قرارا بإنشاء هيئة عسكرية منفصلة عن هيئة الأركان المعارضة، تتولى بمفردها التنسيق مع الجهات الداعمة للثورة السورية.

وحسب تلك المصادر، فإن «جهودا تبذل لرأب الصدع بين رئاسة الأركان والفصائل المسلحة، برعاية القطريين والأتراك، ومن المتوقع عقد اجتماع آخر بينهم خلال الأسبوع المقبل».

ويتحدث قادة هذه الفصائل عن رغبتهم في اتخاذ قرارات بالغة الحساسية تركز على العملية السياسية تتمثل في «تشكيل هيئة سياسية بديلا للائتلاف السوري الموحد». ورغم أن هذا الخيار لا يبدو سهل التحقيق الآن، فإن أبو طلحة، القائد العسكري لـ«أحرار الشام» يصر على رفض الائتلاف ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «الائتلاف لا يمثل إلا نفسه».

وأمام هذه المواقف المتصلبة من قادة العمل المسلح في المعارضة السورية، تبدو فرص الوصول إلى تمثيل حقيقي للمعارضة المسلحة في أي اتفاق سلمي ضئيلة للغاية.

لذلك ستعقد في الأيام القليلة المقبلة في تركيا عدة اجتماعات تهدف من خلالها الدول الداعمة للفصائل المسلحة، خصوصا قطر وتركيا، إلى تكثيف جهودها للحصول على مواقف أكثر مرونة من قادة المعارضة المسلحة قبل عقد مؤتمر «جنيف2».

وكشف ضابط قيادي في الجيش السوري الحر لـ«الشرق الأوسط» أن «اجتماعات صاخبة سبقت حضور العطية؛ حيث هددت هذه الألوية الإسلامية بشن حرب على الجيش الحر والأركان إذا لم تلبَّ طلباتها بأن تشكل قيادة جديدة كما يحلو لها»، لكنه أضاف أن «لهجة هؤلاء ونبرة مطالبهم ارتفعت مع وجود وزير الخارجية القطري». وأكد أن «وزير الخارجية القطري طرح تفعيل (الأركان) لكن الفصائل الإسلامية التقطت الإشارة لترفع سقف مطالبها إلى أعلى درجة؛ حيث إنهم يريدون السيطرة على (الأركان) والائتلاف معا مطالبين بحل رئاسة الأركان وكل الهيئات التابعة لها»، لافتا إلى أن هؤلاء الإسلاميين الذين يحظون بدعم قطري «يطالبون بإعادة تشكيل هيئة الأركان برعاية سياسية جديدة هم من يحددها». وأوضح أن «ضباط الأركان المشاركين في الاجتماع رفضوا ذلك تماما وقدموا حلا يقوم على استيعاب هذه الكتائب الإسلامية بشكل أكبر وإعادة هيكلة الأركان»، لكنه أكد أن هؤلاء بدوا «مصممين على الحصول على كل شيء، مهددين بأنهم الأقوى على الأرض ويمكنهم القيام بما يحلو لهم»، مشيرا إلى أنهم «سبق أن وجهوا قبل أيام تهديدا غير مباشر إلى اللواء سليم إدريس للاستقالة وحل الأركان وعدم الوقوف في وجههم».

ويمثل اجتماع الوزير القطري عودة قوية للدور القطري في ملف الفصائل المسلحة بسوريا بعد غياب في الأشهر الماضية، خصوصا أن معظم الفصائل المشاركة تعدّ مقربة من قطر أكثر من غيرها من الدول الداعمة.