القاهرة.. «استراحة محارب» خلال محاكمة مرسي

سيولة مرورية وإجازات «اختيارية» للطلاب والموظفين

TT

«يا ريت يحاكموه كل يوم».. قالها أحد ركاب حافلة خاصة تعليقا على انسياب حركة المرور على غير العادة على طريق «المحور» الحيوي الذي يربط القاهرة بضاحية 6 أكتوبر (تشرين الأول)، بالتزامن مع انعقاد أولى جلسات محاكمة الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي. ثم أتبعها بضحكة لا تخلو من سخرية قائلا: «أنا مش عارف الناس خايفة من إيه.. الشعب المصري عبقري ومجنون، أسقط رئيسين في ثلاث سنوات، ومش هيطاطي لحد (لن ينحني لأحد) إلا لربنا سبحانه وتعالى».

وعلى هامش محاكمة الرئيس السابق محمد مرسي، عاشت القاهرة يوما استثنائيا، تحولت في ظلاله إلى ما يشبه «استراحة محارب»، لم يكدر صفوها احتجاجات ومظاهرات محدودة لأنصار الرئيس المعزول، تناثرت في أماكن معينة بالعاصمة وبعض الأقاليم.. خصوصا بعد أن أصبحت مشهدا عاديا اعتاده الشارع المصري.

ورغم تأكيد السلطات المصرية وتطميناتها للمواطنين بأن يوم المحاكمة يوم عادي، وأن عليهم أن يمارسوا حياتهم بشكل طبيعي، فإن الكثير من المواطنين فضلوا عدم الذهاب إلى العمل والبقاء في البيت، ومتابعة تداعيات المحاكمة على شاشة التلفاز، كما اعتبر الكثير من المدارس الخاصة أمس إجازة طارئة، تحسبا لأعمال إرهابية ضد مؤسسات ومرافق الدولة.

ورغم أن المحاكمة غير مذاعة على الهواء مباشرة، فإن أجواءها كالعادة نشطت خيال المصريين، وفتحت شهيتهم للمزاح، خصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي بالإنترنت، فوصفوها بأنها «محكمة القرنين»، على غرار محاكمة الرئيس الأسبق المخلوع حسني مبارك التي وصفت بأنها «محكمة القرن».

لكن فوزي، سائق تاكسي شاب في الثلاثينات، يداعب لحيته الخفيفة ويبادرني بنبرة عفوية لا تخلو من الغضب قائلا: «الحق حق، وكل الناس سواء أمام القانون. أنا انتخبت مرسي في انتخابات الرئاسة، وكنت متعاطفا مع الإخوان، لكن بعد الخراب اللي عملوه وبيعملوه في البلد طلقتهم بالثلاثة».

ثم أردف فوزي: «نفسي يفهموا إن الدنيا مش عافية.. مصر أكبر من هذا الخبل وتسع الكل.. عندهم حزب وجورنال، يشتغلوا صح، يبصوا في المرايا بشكل حقيقي».

لكن استراحة المحارب التي فرضت نفسها على المصريين، تحت مظلة محكمة الرئيس المعزول، لم تخلُ من إحساس ما بالأسى، خصوصا لدى الفتيات المتلهفات على الاحتفال بـ«الفلانتاين» (يوم الحب المصري)، الذي شاءت الأقدار أن يتزامن مع هذا اليوم.

فتشكو منى، وهي موظفة شابة بأحد البنوك الخاصة، من حظها العثر، وتقول: «الرئيس الشرعي المنتخب الذي أعطى الشعب الحق في عزله عندما فتح صدره أمام الملايين في ميدان التحرير في أول خطاب شرعي له، والذي أشبعنا كلاما عن الحب وأفعالا لا تنم عن أي حب.. يحاكم اليوم بمنتهى الحب في يوم عيد الحب بشرعية الشعب الذي لم يقتنع به، وخرجت أغلبيته عليه وعزلته من منصبه».

تضيف منى: «أنا مش زعلانة من إنه نكد علينا في عيد الحب، وسد نفسنا عن الاحتفال به، لكن حظي التعيس ان ميعاد محاكمته الثانية في يوم 8 يناير (كانون الثاني) يوافق عيد ميلادي.. وكأن النكد مستقصدني».

وعلى باب ورشته للنجارة بمنطقة «الكيت كات» الشعبية علق الأسطى حسنين صورة الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع، بجوار صورة أخرى للزعيم الراحل جمال عبد الناصر.. وحين سألته: «ألست خائفا من بطش أنصار الإخوان؟»، رد بتحدٍّ واثق: «أنا حر، أعلق الصور اللي بحبها، وأيضا هم أحرار، في الصور اللي بيرفعوها والشعارات.. لكن المهم أن نعبر عن انحيازنا بشكل ديمقراطي».

ويتابع الأسطى حسنين: «أنا راجل على مشارف الخمسين. أفهم يعني إيه وطن وشعب وثورة ضد الظلم والطغيان.. صدقني هذا الشعب مفترى عليه، هذا الشعب اللي بيوصفوه بالأمي علمهم في 30 يونيو (حزيران)، ونزل بالملايين للإطاحة بحكم الإخوان، لأنه ببساطة شديدة شعر بأن هويته الوسطية بتتغير، وتاريخه بيتزيف».

وقبل أن أنتهي من كوب الشاي الذي أصر على أن أحتسيه معه، قال لي: «دي عبقرية شعب يا صديقي».