وزير الخارجية السعودي: على إيران وحليفها اللبناني الخروج من سوريا المحتلة

الفيصل أكد في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الأميركي أن العلاقة بين الرياض وواشنطن تقوم على الاستقلالية

الأمير سعود الفيصل ونظيره الأميركي خلال المؤتمر الصحفي المشترك في الرياض أمس (واس)
TT

أكد الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، أن تحالف قوى المعارضة السورية مسؤول عن موقفه من حضور مؤتمر جنيف الثاني، وأنه من سيقرر ويقيم موقفه، مبينا أن حضور التحالف سيرسخ أنه الممثل الحقيقي للشعب السوري، وأنه أعطى فرصة للسلام والمفاوضات. وأضاف أن رغبة التحالف هي التي ستحكم في هذا الأمر، ومن دونه لن يحدث المؤتمر.

وجدد الأمير الفيصل، في مؤتمر صحافي عقده أمس في الرياض مع نظيره الأميركي جون كيري، القول بأن «سوريا أرض محتلة»، مشددا على أن إيران لم تدخل الأراضي السورية لإنقاذها من احتلال خارجي «بل للإسهام مع النظام في الإضرار بالشعب»، متسائلا عن كيفية إعطائها الحق في الدخول في حرب أهلية ومساعدة طرف ضد آخر، مشددا على أنه إذا لم يكن هناك قانون دولي يحمي الشعب السوري فإنه يجب أن يكون هناك قانون.

وذكر الأمير سعود الفيصل بأن أزمة سوريا خلفت وراءها 140 ألف ضحية بالأسلحة الكيماوية والصواريخ الباليستية والقدرات التدميرية العالية، إضافة إلى أكثر من مليوني لاجئ «وهي أكبر كارثة حدثت في العالم في الزمن الحالي»، واصفا التدخل لمعالجتها بالخيار الأخلاقي. وأضاف أن سوريا جزء من التاريخ الثقافي في العالم، وأن دمشق عاشت أكثر من أي مدينة في العالم، وهي موطن الثقافة والتعليم ويتم تدميرها حاليا بالقنابل العشوائية.

وأشار إلى أنه قد مرت ثلاث سنوات والعالم ينظر للأزمة السورية بنظرة اللامبالاة، وتساءل عن الدور الذي قام به مجلس الأمن وعما يمكن القيام به في حال لم تمس تلك الأزمة بلدا عربيا ومسّت بلدانا أخرى في العالم. وقال «إذا لم تحرك تلك الكارثة القيم الإنسانية فما الذي يحركها؟»، مبينا أن ذلك «ضد قيم الحضارة والعدل».

وأوضح وزير الخارجية السعودي أن مفاوضات دول «5+1» تشترط حسن النوايا للدخول فيها والقيام بتأثير إيجابي، مطالبا إيران بأن تعمل وفق ذلك، وأن تخرج من سوريا وتخرج معها حليفها اللبناني حزب الله.

وأشار الأمير سعود الفيصل إلى التحليلات والتعليقات والتسريبات التي أسهبت مؤخرا في الحديث عن العلاقات السعودية الأميركية، وذهبت إلى حد وصفها بالتدهور ومرورها بالمرحلة الحرجة والدراماتيكية، مؤكدا أن تلك التحليلات غاب عنها أن العلاقة التاريخية بين البلدين كانت دائما تقوم على الاستقلالية والاحترام المتبادل وخدمة المصالح المشتركة والتعاون البناء في التعامل مع القضايا الإقليمية والدولية خدمة للأمن والسلم الدوليين. وأضاف أن العلاقة الحقيقية بين الأصدقاء لا تقوم على المجاملة، بل ترتكز على الصراحة والمكاشفة بين الطرفين، وطرح وجهات النظر بكل شفافية «ومن هذا المنظور فإنه من غير المستغرب أن تشهد الرؤى والسياسات نقاط التقاء واختلاف»، واصفا ذلك بالأمر الطبيعي في أي علاقة جادة تبحث في كل القضايا، وتطرح مختلف وجهات النظر بغية الوصول إلى منظور مشترك ينعكس إيجابا على حلحلة القضايا وانفراجها.

وبين أن اعتذار السعودية عن عدم عضوية مجلس الأمن «لا يعني بأي حال انسحابها من الأمم المتحدة، خصوصا في ظل تقديرها للجهود البناءة لمنظماتها المتخصصة في معالجة العديد من الجوانب الإنسانية والتنموية والاقتصادية والصحية». ورأى أن المشكلة «تكمن في قصور المنظمة الدولية في التعامل مع القضايا والأزمات السياسية، خصوصا في منطقة الشرق الأوسط، وعجز مجلس الأمن في التعامل معها»، مؤكدا أن مجلس الأمن لم يشكل فقط لإدارة الأزمات الدولية، وإنما للعمل على حلها من جذورها وحفظ الأمن والسلم الدوليين، معتبرا أن قصور مجلس الأمن ينعكس بشكل واضح في القضية الفلسطينية التي تراوح مكانها لأكثر من 60 عاما.

وقال الأمير سعود الفيصل «إن اختزال الأزمة السورية في نزع السلاح الكيماوي الذي يعتبر أحد تداعياتها لم يؤد إلى وضع حد لإحدى أكبر الكوارث الإنسانية في العصر الحالي، فضلا عن أن التقاعس الدولي في التعامل الحازم وتطبيق سياسة جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل والسلاح النووي، أبقى المنطقة تحت مخاطر تلك القنبلة الموقوتة التي لن تنزع فتيلها مساومات التعامل مع إفرازاتها أو مناورات الالتفاف عليها».

وشدد على أن بلاده تدرك أهمية المفاوضات في حل الأزمات «لكنها ترى في الوقت نفسه أن المفاوضات ينبغي ألا تسير إلى ما لا نهاية، خصوصا أن العالم بات يقف أمام أزمات جسيمة، لم تعد تقبل أنصاف الحلول بقدر حاجتها لتدخل حازم وحاسم يضع حدا للمآسي الإنسانية التي أفرزتها، وهو ما يدل عليه عدم قدرة النظام الدولي على إيقاف الحرب ضد الشعب السوري رغم وضوح الخيارات المعنوية بين الحرب والسلم».

وبين وزير الخارجية السعودي أن هناك نوعين من الخلافات، موضوعية وتكتيكية، وأن معظم الخلافات بين بلاده والولايات المتحدة تكون تكتيكية، إلا أن هناك اتفاقا بين الجانبين على عدم بقاء الرئيس بشار الأسد، وأن تحالف المعارضة هو الممثل الشرعي للشعب السوري، وكلتا الدولتين لا تريد من إيران سوى ألا تملك السلاح الكيماوي الذي يمثل خطرا حقيقيا على منطقة الشرق الأوسط التي شدد على ضرورة إخلائها من أسلحة الدمار الشامل.

من جهته، قال الوزير جون كيري إن لقاءه مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، يوم أمس، وبقية المسؤولين في الحكومة السعودية «كان صريحا»، وإن النقاش دار حول موضوعات تخص البلدين والمنطقة والعالم، من بينها سوريا وإيران وعملية السلام في الشرق الأوسط، مبينا أنه استمع إلى آراء خادم الحرمين الشريفين حول عدة قضايا إقليمية وعملية السلام في الشرق الأوسط. وأوضح أن الولايات المتحدة تثمن لقيادة المملكة دعمها للمعارضة السورية وتحركها والتزامها القوي بالحل السياسي للأزمة.

وأبدى وزير الخارجية الأميركي، الذي اختتم في وقت لاحق من أمس زيارته للرياض، إعجابه بحكمة الأمير سعود الفيصل، وحكمه على الأمور التي تخصه والرئيس باراك أوباما - وفق قوله، واصفا العلاقة بين السعودية وبلاده بـ«العميقة والاستراتيجية»، مبينا أن هذه العلاقة استمرت منذ 70 عاما، وأنها «سوف تستمر إلى ما لا نهاية». واعتبر الوزير كيري السعودية شريكا لبلاده «لا يمكن الاستغناء عنه»، وقال «من الواضح أن هذا الشريك لديه آراء تخصه، ونحن نحترم ذلك، ونتطلع إلى الاستمرار في التعاون من أجل تعزيز أمننا وازدهارنا المشترك». ولفت إلى كلمة الرئيس الأميركي باراك أوباما الأخيرة أمام اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي شدد فيها على الالتزام بخيار القوة لتأمين منطقة الشرق الأوسط، وتدمير الشبكات الإرهابية، ومحاصرة أسلحة الدمار الشامل، وتعزيز الأمن العسكري والتدريب والاستثمار في العلوم والتقنية، وزيادة التعاون الطبي والتعليمي.

واعتبر كيري أن فرص السلام سوف تكون أسرع في سوريا إذا تم عقد مؤتمر «جنيف 2» في أسرع وقت بحضور ممثلين موثوقين يحمون حقوق السوريين في الانتخابات المستقبلية، مؤكدا استمرار بلاده في دعم المعارضة السورية وعدم الوقوف مكتوفي الأيدي أمام الأسلحة التي يستخدمها نظام الأسد، مشيرا في سياق آخر إلى أن الأميركان يشاركون السعودية الشعور بالإحباط أحيانا حول عمل مجلس الأمن، الذي طالبه كيري «بعدم الالتفات للآيديولوجيات السياسية والعمل بعيدا عن الاستقطابات».

وأفصح وزير الخارجية الأميركي عن منحه تطمينات للجانب السعودي حول الاتصالات التي جرت مؤخرا بين بلاده وإيران. وأضاف أن الرئيس أوباما أراد أن يفتح نافذة دبلوماسية لتتخذ إيران من جهتها إجراءات ليكون برنامجها النووي سلميا، لكنهم لم ينسوا وفق قوله التفجير الذي وقع في محافظة الخبر شرق السعودية في منتصف التسعينات والذي راح ضحيته عدد من مواطني بلاده، والمؤامرات التي قامت بها طهران لاستهداف السفير السعودي لدى الولايات المتحدة، إضافة إلى عملها لمصلحة نظام الأسد على الأراضي السورية.

وحول ملف قيادة المرأة السعودية للسيارة قال كيري إن بلاده تحتضن فكرة المساواة بين الجميع بغض النظر عن الجنس أو العرق، لكن هذا الأمر متروك للسعودية وهي التي تقرر الأمر، مشيرا إلى أنهم يعلمون عن نقاشات جارية حول الأمر.

وفي سياق آخر، قال كيري إنه من الواضح أن زعيم حركة طالبان باكستان، حكيم الله محسود، قتل فعلا، مبررا أن قيام بلاده باستهدافه يعود لتسببه مع جماعته في مقتل عدد من الباكستانيين والأفغان إضافة إلى الأميركيين، مشيرا إلى أن 50 ألف جندي ومدني ماتوا خلال السنوات الأخيرة على يد حركة طالبان.