اتفاق بين المالكي وأبو ريشة على إعادة تنشيط «الصحوات» تمهيدا لتحجيم دور «القاعدة»

رئيس البعثة الأممية في بغداد زار السيستاني وشدد على حل إقليمي للوضع الأمني

TT

عقب عودة رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، من زيارة للولايات المتحدة الأميركية أثارت جدلا في الأوساط السياسية العراقية، سواء لجهة ما سمي العودة الطارئة للمالكي قبل إتمام برنامج الزيارة، أو مسألة التسلح التي كانت الهدف الأول للمالكي لمحاربة «القاعدة» - فإن أبرز تطور بدا مرافقا للزيارة هو اللهجة الحادة التي خاطب بها المالكي زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر الذي كان من أشد منتقدي الزيارة. ولم تقف لهجة المالكي عند حدود الكلام «الخشن» الذي وجهه للصدر، بل إنه توعده برد قاس.

وبالتزامن مع ذلك، فإن المالكي وجه دعوة علنية لمجلس محافظة الأنبار ومحافظها أحمد الذيابي بالقدوم إليه لبحث المشاكل والأزمات التي تعانيها محافظة الأنبار وتنامي نفوذ تنظيم القاعدة هناك. المراقبون السياسيون ربطوا بين ما حمله المالكي من نصائح من الإدارة الأميركية لجهة الانفتاح من جديد على العرب السنة، فضلا عن الوقوف من جديد في وجه تنامي الميليشيات الشيعية، الأمر الذي جعل المالكي يهدد الصدر، مذكرا إياه بأيام «جيش المهدي»، بينما بدا أكثر انفتاحا على السنة حين ذكر، ولأول مرة، قبل أيام، ما عده مأثرة خالدة قام بها الشيخ الراحل عبد الستار أبو ريشة مؤسس «الصحوات» في العراق وشقيق أحمد أبو ريشة الذي اختلف مع المالكي على أثر اندلاع المظاهرات في الأنبار، التي كانت قد بدأت شرارتها الأولى بعد اعتقال حماية وزير المالية السابق والقيادي البارز في «القائمة العراقية» رافع العيساوي.

لكن العيساوي عاد أمس إلى الواجهة السياسية، وذلك عقب انتخابه نائبا لرئيس كتلة «متحدون» أسامة النجيفي، وذلك خلال مؤتمر عقده كيان «متحدون» في مدينة أربيل بإقليم كردستان أول من أمس.

ورغم أن الناطق الرسمي باسم «متحدون»، ظافر العاني، أكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن ما حصل في أربيل على صعيد م«تحدون» إنما «هو جزء من التحضيرات للانتخابات البرلمانية المقبلة بعد إقرار قانون الانتخابات»، وبالتالي لا علاقة له بما يجري الآن من مباحثات تجري بصمت بين رئيس الوزراء نوري المالكي وقيادات نافذة في الأنبار بعد تشكيل الحكومة المحلية في الأنبار التي ينتمي معظم قادتها إلى كتلة «متحدون».

لكن القيادي بـ«دولة القانون» عدنان السراج أبلغ «الشرق الأوسط» أن «هناك حراكا جيدا ومباحثات تجري بهدوء بين رئيس الوزراء وقيادات سياسية وعشائرية في الأنبار وقد قطعت شوطا جيدا ومرضيا لكلا الطرفين». وكشف السراج عن أن «رئيس البرلمان، أسامة النجيفي، لعب دورا بارزا في عملية التقارب الجديد بين الطرفين»، مشيرا إلى أن «محافظ الأنبار من جهته وجه دعوة للمالكي لزيارة المحافظة، وأن الزيارة يمكن أن تجري في أي لحظة، لا سيما بعد إحراز المزيد من التقدم على صعيد المباحثات الجارية فيما يتعلق بأوضاع الأنبار الأمنية والاقتصادية والخدمية، بالإضافة إلى تهديدات (القاعدة) وتنامي نفوذها في مناطق كثيرة، لا سيما بعد التطورات التي حصلت في مناطق كثيرة من الأنبار مثل حديثة وعانة وبروانة والفلوجة». عودة العيساوي إلى الواجهة، عدها العاني «جزءا من الترتيبات الداخلية لـ(متحدون) ورؤيتها للانتخابات المقبلة، بالإضافة إلى أن العيساوي قيادي في الكتلة وهو الذي استقال من منصبه الوزاري بمحض إرادته لكي يقف إلى جانب أهله».

لكن مصدرا مطلعا، طلب عدم الإشارة إلى اسمه وهويته، كشف لـ«الشرق الأوسط» عن أن «رئيس مجلس محافظة الأنبار الجديد، صباح كرحوت، تولى ترتيب العلاقات بين الحكومة المركزية وأهالي الأنبار وبالاتفاق مع عدد من كبار شيوخ العشائر، بما في ذلك بحث مطالب المتظاهرين، التي بات من الواقع أن تشهد حلا خلال الفترة المقبلة يقوم على أساس الفرز بين اتجاهين داخل المظاهرات: اتجاه يريد التوصل إلى حل مع الحكومة، واتجاه يريد إبقاء الأوضاع على ما هي عليه بانتظار ما يمكن أن تفرزه الأوضاع في سوريا».

وأضاف المصدر أن «الحكومة باتت تدرك هذه المخاطر، ولذلك فإنها تبدو الآن مستعدة للتفاهم مع خصومها الأقوياء هناك، وفي مقدمتهم أحمد أبو ريشة الذي يخوض الآن مفاوضات مع المالكي من أجل إعادة تنشيط (الصحوات)»، مشيرا إلى أن «هناك لقاءات جرت في بغداد والرمادي وعمان ودبي في هذا الشأن». وأوضح المصدر أن «أبو ريشة زار بغداد مرة واحدة والتقى مسؤولين كبارا، قد يكون بينهم المالكي نفسه»، مؤكدا أن «محافظ الأنبار أحمد الذيابي لعب دورا في ترطيب الأجواء بين أبو ريشة والمالكي».

على صعيد آخر وفي إطار سياسة تعزيز المصالحة الوطنية، أكد رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق، نيكولاي ملادينوف، لدى لقائه أمس الخميس عددا من مراجع الدين الشيعة الكبار في النجف، وفي مقدمتهم آية الله علي السيستاني، أهمية إشراك الجميع في العملية السياسية. وقال ملادينوف خلال مؤتمر صحافي عقده في النجف بعد لقائه السيساني: «إننا اتفقنا مع المرجعية على أن يكون هناك توجه إقليمي لحل المشاكل الأمنية التي يواجهها العراق»، مشيرا إلى أن «الوضع الأمني في البلاد لا يتم عبر إجراءات الأجهزة الأمنية، بل يتحاج إلى توجه شمولي يسمح للجميع بأن يشاركوا في معالجة القضايا الأساسية التي تواجهها البلاد واحترام حقوق الإنسان والأقليات».

وتابع ملادينوف أن «الوضع في سوريا له آثار سيئة على الوضع في العراق، وليس فقط أن يتعاون القادة العراقيون في مجال الأمن، وإنما يجب أن يساهم جيران العراق في محاربة العراق والتطرف»، مبديا استعداد الأمم المتحدة «للانخراط مع كافة الأطراف السياسية في العراق ودعم جهودنا في إحلال نظام ديمقراطي».