كل الأبواب مسدودة في تونس.. ولا خيار سوى العودة إلى الحوار

الجيش يواصل حملته على الجماعات الإرهابية في الشعانبي

TT

ألقت الأزمة السياسية المتواصلة في تونس بظلالها على الشارع التونسي، وخلفت «حزمة» من التساؤلات الحائرة حول السيناريوهات الممكنة للخروج من المأزق، في ظل تمسك كل طرف سياسي بمرشحه لمنصب رئاسة الحكومة وتعليق الحوار إلى أجل غير مسمى، والسيناريو الأفضل المناسب للأزمة التونسية.

وانتقد عبد الرزاق الهمامي، رئيس حزب العمل الوطني الديمقراطي (حزب يساري معارض)، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، قلة وعي الطبقة السياسية في تونس بدقة الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وقال إن سيناريو العودة إلى طاولة الحوار هو الأقرب للتحقيق بعد فشل سيناريو التمسك بالشرعية من ناحية وكذلك سيناريو التحشيد والخروج إلى الشارع من ناحية أخرى. وقال الهمامي إن «الترويكا» لم تعد قادرة وحدها على تسيير البلاد بعد سلسلة الهزات التي عرفتها خلال الأشهر الماضية، كما أن المعارضة عليها أن تتعامل بجدية مع الظرف السياسي الحالك حتى لا تسقط البلاد في سيناريو «مخيف وكارثي».

وبشأن مدى وعي الطبقة السياسية التونسية بدقة المرحلة، قال الهمامي إن درجات الوعي متفاوتة، وإن هناك أطرافا لم يسمها تسعى إلى إعادة خلط الأوراق، ولكن لا حل أمام الحكومة والمعارضة إلا الرجوع إلى طاولة الحوار. ودعا أكثر من طرف سياسي إلى ضرورة التنصيص على السيناريو المحتمل للخروج من الأزمة، ضمن وثيقة خارطة الطريق، حتى لا يكون محل تراجع من جديد، أو موضوع تنكر من قبل الطبقة السياسية.

ونادى حزب التحرير (حزب إسلامي تأسس بعد الثورة) بإجراء انتخابات مبكرة لتجاوز أزمة الحوار. ودعا رضا بلحاج، القيادي في الحزب، إلى التسريع في تركيز هيئة الانتخابات والتصديق على القانون الانتخابي وإصدار الدستور، ومن ثم تحديد موعد عاجل للانتخابات التي ستحسم الخلاف. وقال إن المسار الحكومي عطل بصورة كبرى المسار الانتخابي، وقد يكون الحل في التعجيل بالمسار الانتخابي.

وبشأن إمكانيات الخروج من المأزق السياسي، قال قيس سعيد، الخبير التونسي في القانون الدستوري، لـ«الشرق الأوسط»، إن «كل الاحتمالات واردة، وإن مختلف السيناريوهات قابلة للتحقيق، ولكن السيناريو الأقرب في ظل الأوضاع السائدة يتمثل في إعادة انطلاق الحوار، ولكن التساؤل حول النتائج التي سيحققها يبقى مطروحا، وهل هو سيتعثر من جديد بعد أن تابعنا أجواء من انعدام الثقة بين الأطراف المتحاورة».

وعد سعيد انطلاق الحوار بمثابة «نوع من التهدئة المحدودة في الزمن». ويرى في المقابل أن القضية في تونس أعمق من مجرد خلاف على شخصية رئيس للحكومة، بل إن الأمر يتعداه إلى «قضية وجود»، فقد اتضح أن كل طرف سياسي أو جزء من الأحزاب المتحاورة بات يعتقد أنه لا يمكنه التعايش مع الطرف الآخر، وهو ما تعكسه الشعارات واللافتات التي يرفعها أنصار الأحزاب في المناسبات السياسية.

ووسع سعيد دائرة الأزمة السياسية الحالية لكي تتجاوز الطبقة السياسية وتشمل عموم التونسيين، وقال في تصريحه إن صورة السياسي التونسي اهتزت، وستكون نتائجها مؤجلة إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة.

وبشأن مكافحة التنظيمات الإرهابية، أودعت المحكمة الابتدائية بتونس العاصمة 11 متهما بالسجن من العناصر الإرهابية ممن تورطوا في أحداث سيدي علي بن عون (سيدي بوزيد) التي ذهب ضحيتها ثمانية أعوان من الحرس، وأحداث منزل بورقيبة التي أدت إلى مقتل عون أمن. ووجه القضاء لهم تهم القتل العمد ومسك وصنع مواد مفجرة والانتماء إلى تنظيم إرهابي.

وتبادلت الأطراف السياسية التهم بإفشال الحوار السياسي وجره إلى طريق مسدود، لكن الأمر المتفق عليه في تونس بعد ثلاثة أيام من توقف جلسات الحوار أن الطبقة السياسية فشلت في التحاور، ولم تتمكن من الانفتاح على مجموعة من المقترحات من بينها حكومة بأربعة أضلع التي دعا لها أحمد نجيب الشابي، رئيس الهيئة السياسية العليا للحزب الجمهوري، وهي حكومة يشارك فيها المرشحون الأربعة لتولي رئاسة الحكومة (رئيس حكومة ونائبا رئيس ووزير في إحدى الوزارات المهمة)، كما فشلت الأطراف المتحاورة في الاتفاق على مرشح ثالث بعيدا عن أحمد المستيري المدعوم من حركة النهضة ومحمد الناصر الذي تؤيده جبهة الإنقاذ المعارضة.

وفي جبل الشعانبي وسط غربي تونس، واصل سلاح المدفعية الثقيلة فجر أمس قصف معاقل التنظيمات الإرهابية المتحصنة هناك. وقدرت مصادر أمنية أن يكون عدد الإرهابيين في حدود الثلاثين عنصرا. ووجهت قوات الجيش قذائفها النارية نحو محمية «التلة» بمرتفعات جبال الشعانبي. ونفذت مروحية عسكرية طلعات فوق الأودية والمرتفعات بعد رصد تحركات مشبوهة واجهتها بالرشاشات الثقيلة.

وفي ولاية – محافظة - الكاف الواقعة شمال غربي تونس، ركزت قوات الأمن حسب شهود عيان متاريس رملية قرب الدورية القارة للحرس الوطني، وذلك تحسبا لهجمات إرهابية شبيهة بالهجوم المسلح الذي حدث منذ أسبوعين في مدخل مدينة منزل بورقيبة (60 كم شمال العاصمة التونسية).