القوى الكبرى تبحث تخفيفا محدودا للعقوبات مقابل إجراءات إيرانية ملموسة

مسؤول أميركي: للمرة الأولى نشعر بأن طهران لا تعمل لكسب الوقت وتريد الوصول إلى حل

محمد جواد ظريف وأشتون أمس في جنيف (رويترز)
TT

في ظل تصريحات توحي بالتفاؤل الحذر والحديث عن العبور لمرحلة التفاصيل الدقيقة شديدة التعقيد في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني، قال البيت الأبيض أمس إن القوى العالمية الست التي تتفاوض مع إيران بشأن برنامجها النووي ستنظر في تخفيف محدود للعقوبات مقابل دليل واضح على أن إيران تتخذ خطوات لمنع برنامجها النووي من التقدم.

وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني، للصحافيين، إنه في مقابل إجراءات ملموسة يمكن التثبت منها لمعالجة بواعث القلق الدولية طويلة الأمد، ستنظر القوى الست في تخفيف محدود ومستهدف، ويمكن الرجوع عنه، لا يؤثر على الهيكل الأساسي لعقوباتنا. وقال إنه إذا فشلت إيران في إظهار حدوث تقدم بشأن برنامجها النووي فيمكن التراجع عن التخفيف المعتدل للعقوبات وفرض عقوبات أشد.

وكان مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأميركية أكد أن مسؤولين أميركيين وإيرانيين عقدوا محادثات ثنائية جوهرية على مدى يومين، على هامش اجتماعات جنيف التي بدأت أمس، بين إيران وست قوى عالمية، بهدف إنهاء مواجهة ممتدة منذ عقد مع طهران بشأن طموحاتها النووية. وقال المسؤول الأميركي إن الاجتماع الذي استمر ساعة بين الوفدين الأميركي برئاسة وكيلة وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ويندي شيرمان، والإيراني برئاسة نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، كان محادثة جادة وجوهرية.

في غضون ذلك، قال مصدر رفيع ممن يقودون الوفد الأميركي المفاوض في جنيف، في تنويه حصلت «الشرق الأوسط» على ملخصه، إن واشنطن تحرص على التشاور مع حلفائها من الدول الخليجية قبل وبعد كل جلسة تفاوض. وأشار المسؤول إلى أن «جون كيري تطرق للأمر خلال زيارته الأخيرة للرياض، كما التقى عدد من كبار المسؤولين الأميركيين بعدد من السفراء الخليجيين، لتبديد أسباب قلقهم، ولهذا ينبغي أن يستمر التشاور معهم وبشكل وثيق»، مضيفا أنهم عقدوا نقاشا فنيا ودبلوماسيا جادا خلال الأيام الماضية لم يقتصر على الخبراء الإيرانيين والمجموعة الدولية وإنما اجروا كذلك مباحثات مقدرة مع شركائهم الخليجيين وبالطبع الإسرائيليين حول مسار التقدم الذي تحرزه المفاوضات مع إيران.

وقال المسؤول الأميركي إن إيران في ما يبدو جاهزة للمضي قدما في التفاوض للوصول إلى حل لقضية ملفها النووي لتتحرر من العقوبات، وإنها للمرة الأولى لا تستغل التفاوض كسبا للوقت، مشددا على أن الإجراءات التي ستتخذها إيران يجب أن تكون قابلة للتحقق وبشكل كامل في نهاية المطاف، موضحا أنهم يتحركون على مراحل تهدف أولاها لتحجيم أو بالأصح تجميد البرنامج النووي الإيراني الذي ظل يتطور لعقود مما يستدعي التعامل معه بـ«براغماتية» كحقيقة واقعة وصولا لاتفاق نهائي من شأنه أن يعالج جميع مخاوف المجتمع الدولي.

وبشأن العقوبات وصف المسؤول الكبير بالإدارة الأميركية عضو وفد التفاوض نظام العقوبات بأنه مجرد «مفتاح» جلب الإيرانيين لمائدة التفاوض، ولاختبار جدية حكومة طهران الجديدة، مضيفا أنهم من جانبهم وفي المرحلة الأولى لا يتحدثون عن المساس بالبنية الأساسية لنظام العقوبات التي طلبوا من الكونغرس عدم إجازة الجديد منها، ليس لأجل غير محدد أو لوقفة طويلة وإنما كـ«فسحة» تسمح للدبلوماسية بأن تمضي متزامنة مع أي جهد يقوم به الكونغرس، منبها بأنهم كدبلوماسيين وخبراء وتقنيين يؤمنون بالعقوبات ويؤيدونها باعتبارها السبب الأساسي الذي جر إيران وأجبرها على التفاوض الذي يتطلب منها تغييرا في استراتيجيتها، لا بإحداث تغيير في النظام الحاكم وإنما إحداث تغيير يستجيب لمطالب الناخبين الذين أتوا بهذه الحكومة لحاجتهم لتحسين جذري في أوضاعهم الاقتصادية التي شلتها العقوبات، مضيفا أنه على إيران أن تبدأ بخطوات حيال برنامجها، على أن يقوم المجتمع الدولي بعد ذلك بالتحرك لنبذ العقوبات ورفضها، مما يحرر قطاعي النفط والمصارف، محذرا من المجازفة لكون العواقب المحتملة عالية جدا، وأن البدائل يجب ألا تكون أقل جاذبية، مقرا بوجود الكثير من الفجوات بينهم وبين الإيرانيين، وأن «الخيول لا تعود بمجرد فتح باب الحظيرة»، مكررا ما تردده واشنطن من أن كل الخيارات لا تزال متاحة بما في ذلك الخيار العسكري.

وتواصل المجموعة الدولية «5+1» المكونة من الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن زائد ألمانيا، ووفد يمثل الحكومة الإيرانية الجديدة اليوم، جولة تفاوضهما الثانية بهدف الوصول لحل دبلوماسي لقضية الملف النووي الإيراني المتهم بأنشطة عسكرية الأبعاد، وعدم الالتزام باتفاقات الضمان النووي، مما أدى لفرض عقوبات اقتصادية ضد إيران تنوعت ما بين أميركية وأوروبية، منها سبع حزم صدرت بقرارات من مجلس الأمن.

وكان الوفدان الإيراني برئاسة وزير الخارجية محمد جواد ظريف، والدولي برئاسة كاثرين أشتون مفوضة الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، قد عقدا يوم أمس جلسة مشتركة أعقبتها جلسات في أشكال متعددة مما أكدت معه مصادر لـ«الشرق الأوسط» صعوبة مرحلة التفاوض رغم الحديث عن انفراجات وإمكانية إحداث تقدم قد يعلن عنه اليوم. وبدأت المفاوضات في جنيف أمس بجلسة افتتاحية استمرت لـ45 دقيقة، استعرض فيها الجانبان جملة ما سبق لإيران أن عرضته من مقترحات قدمتها كـ«باور بوينت» في لقائهما الأول 15 - 16 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الذي وصفاه بالإيجابي، والذي اختتماه ببيان مشترك هو الأول من نوعه منذ بداية التفاوض قبل عقد من الزمان، ومن ثم دخل الحضور في اجتماعات مفصلية تقنية ودبلوماسية بحثت تفاصيل ما درسه وفد خبراء من الطرفين التقى بالعاصمة النمساوية فيينا 30 - 31 أكتوبر الماضي.

ومساء أمس، واصل المتفاوضون حتى ساعة متأخرة الجلسات الثنائية، بين ظريف وأشتون وبين ظريف ورؤساء الوفود، كما تمت لقاءات تقنية متخصصة ولقاءات منفردة بين أعضاء كل وفد على حدة، مما وصفته مصادر «الشرق الأوسط» بأنه محاولات إيرانية لإقناع الأطراف كافة بما قدمته طهران من مقترحات قد لا تكون مرفوضة تماما إلا أنها تحتاج للمزيد كما تحتاج لتأكيدات بعدم الرجوع عنها، بل وصل الحد لتسرب أخبار تقول إن الطرفين على وشك الاتفاق على أمر ما قد يكون وثيقة واتفاقا وقد يكون مواصلة التفاوض.

من جانبه، أكد مايكل مان، الناطق باسم كاثرين أشتون، دخول المفاوضات بين الطرفين لمرحلة دقيقة وجادة، مشيرا إلى أن سريتها تعود لضرورة التركيز على أصل الموضوع الذي يبحثونه. فيما قال نائب رئيس الوفد الإيراني عباس عراقجي إن الطرف الدولي قبل المقترح الإيراني وإن الصعوبة تعود لكثرة التفاصيل التي تتطلب الاتفاق حولها، مؤكدا أنها ليست مستعصية على الحل.

في سياق مواز، كان عراقجي إبان ظهور قصير له بين الإعلاميين الإيرانيين قال ردا على سؤال طرحته «الشرق الأوسط» بشأن لماذا لا ينسقون مع جيرانهم العرب بذات وتيرة سعيهم للتنسيق مع دول أوروبية «العرب ليسوا ضمن مجموعة (5+1) التي نتفاوض معها». وكان مايكل مان قال في معرض إجابة عن سؤال صحافي «قد لا نصل لاتفاق يرضي كل الأطراف»، مؤكدا أن المجموعة الدولية متحدة، وأن دولها تنطلق وفقا لقرارات مجلس الأمن.

في سياق آخر، وردا على سؤال حول الأسباب التي دفعت وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف لإلغاء زيارة كان من المقرر أن يقوم بها عصر أمس الخميس للعاصمة الإيطالية روما، على أن يعود صباح اليوم الجمعة لمائدة التفاوض بجنيف التي وصلها أمس صباحا من العاصمة الفرنسية باريس، قال مايكل مان إن ظريف قرر البقاء بجنيف لحاجتهم لوجود جميع الأطراف. فيما قال عراقجي إن الإلغاء جاء بسبب التقدم الحاصل في المفاوضات ولجديتها خاصة أن هناك قضايا متعددة ومتنوعة ومعقدة. وكان ظريف قد التقى كاثرين أشتون أمس صباحا حيث تناولا الإفطار معا ثم تواصلت لقاءاتهما. وقال عراقجي لوسائل الإعلام الإيرانية، نهار أمس، إن التفاوض توغل لمرحلة عميقة تستدعي مزيدا من الجهد والمسؤولية لتقريب وجهات النظر خاصة أن كل طرف يؤمن بأنها فرصة تاريخية للوصول لاتفاق، مشددا على ضرورة ألا يتوقع كل طرف أكثر من خطوة متبادلة، وأنه من المقرر، كما قال، أن يتخذ الطرفان الخطوة الأولى بصورة متزامنة، مضيفا أن القضايا معقدة ومتنوعة وليس من السهولة الوصول لاتفاق بشأنها بسهولة. ووصف عراقجي الخطوة «الأولى» بالأهمية البالغة لكونها تدخل الطرفين أجواء جديدة من التعاون، كما أكد أن الخطوة «الأخيرة» أيضا مهمة لأنها تبين إلى أين سوف يصلون.

بدوره، أكد مايكل مان أن الاجتماعات واللقاءات طيلة يوم أمس تنوعت وتعددت بأشكال مختلفة، مؤكدا أن هدف المجموعة الدولية واضح ومحدد، وهو أن يحصلوا من الإيرانيين على ما يؤكد سلمية نشاطهم. ولم ينف مايكل مان الاختلاف بين العقوبات الأوروبية والعقوبات الأميركية، وإن أرجع كليهما لسبب واحد هو عدم الالتزام الإيراني النووي، مؤكدا في رد على صحافي، طلب تفسيرا لزخم الزيارات الإيرانية المتجهة أوروبيا، على انفتاح الأوروبيين للتغيير لو غيرت إيران من نوعية نشاطها.

من جانبه، عد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس، أن قبول الاقتراح النووي الإيراني الذي يجري بحثه في جنيف بين القوى الكبرى وطهران سيكون «خطأ تاريخيا». وقال نتنياهو في مؤتمر لمؤسسات يهودية دولية إن «هذا الاقتراح سيسمح لإيران بالاحتفاظ بقدرتها على صنع أسلحة نووية. إسرائيل تعارض بالكامل هذه الاقتراحات». وأضاف «أعتقد أن قبوله سيشكل خطأ تاريخيا. يتعين رفضه فورا»، مجددا التأكيد على أن إسرائيل «لا تزال تحتفظ بحق الدفاع عن نفسها بوسائلها الخاصة ضد أي تهديد».