تغير درامي في مسار مفاوضات جنيف بوصول أربعة وزراء خارجية غربيين

كيري يقطع جولته للشرق الأوسط للتباحث مع ظريف وسط غضب إسرائيلي.. وطهران تريد رفع العقوبات المصرفية والنفطية أولا

وزير الخارجية الأميركي جون كيري يتحدث إلى ممثلي أجهزة الإعلام لدى وصوله إلى جنيف أمس (أ.ب)
TT

غير القرار الفجائي لوزراء خارجية كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا التوجه إلى جنيف مجرى الأحداث بصورة دراماتيكية في مفاوضات دول «خمسة زائد واحد» مع إيران بشأن ملفها النووي ورفع التوقعات بشأن الوصول إلى اتفاق إسرائيلي وانتقادات علنية من جانب رئيس وزرائها لمشروع الاتفاق المقترح. وفي صلب هذه المحادثات «البالغة التعقيد» يجري البحث في اقتراح إيراني مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية الغربية بحسب المفاوضين. ويقضي هذا الاقتراح الذي لم يعلن بأن توافق إيران على تجميد جزء من برنامجها النووي مقابل رفع بعض العقوبات الدولية التي تخنق اقتصادها. وقال عضو بوفد إيران المشارك في المحادثات مع القوى العالمية الست في جنيف أمس إن طهران أبلغت الغرب أنها تريد بحث تخفيف العقوبات المصرفية والنفطية في المرحلة الأولى من أي اتفاق نووي يجري التوصل إليه.

ونقلت وكالة مهر الإيرانية للأنباء عن مجيد تختراونجي عضو الوفد الإيراني في المفاوضات قوله: «أعلنا للغرب أن قضية العقوبات المصرفية والنفطية يجب أن تبحث في المرحلة الأولى».

وتوالى وصول الوزراء صباح أمس وحتى عصر اليوم، ومن ثم شرعوا في عقد جلسات ثلاثية بين كلٍّ على حدة، وكاثرين أشتون ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، كما التقوا فيما بينهم بدعوة من أشتون بالطبع بالتنسيق مع ظريف لحلحلة ما ظل عالقا من عقد فشل الاثنان ووفداهما في حلها، مما تطلب الاستعانة برصفاء ظريف، فيما طرحت كلمة «ضمانات» كمطلب حاسم ولازم وسريع؛ تحسبا لأن توقع إيران اتفاقا ثم تخلف ولا تلتزم كما حدث مرارا من قبل، بينما طالبت إيران بدورها بضمانات تؤكد إسراع الطرف الآخر بفك خناق العقوبات، مما يعكس وبقوة عمق فجوة الثقة بين الجانبين من جانبه كان كيري قد قرر قطع رحلة كان يقوم بها لمنطقة الشرق الأوسط والتوجه إلى جنيف التي وصلها نحو الرابعة عصرا، فيما وصف بأنه مسعى لتقليص الخلافات وتضييق فجوة الخلافات، مكتفيا بالقول إنهم لم يصلوا لاتفاق.

وأعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري الجمعة أنه لم يجر التوصل «حتى هذه اللحظة» إلى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني.

وقال كيري بعيد وصوله إلى جنيف للانضمام إلى المفاوضات الجارية بين إيران ومجموعة 5+1 (الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين وألمانيا): «أؤكد أنه لا اتفاق حتى هذه اللحظة الراهنة». وأضاف: «لا تزال هناك بعض المسائل المهمة جدا على الطاولة لم تحل» وأن هذه المسائل «يجب أن تعالج بالشكل الصحيح وبالتفصيل». وأكد كيري: «نأمل أن نتمكن من تقليص الخلافات، لكن لا أحد يمكنه أن يتجاهل وجود تباينات مهمة يتعين تسويتها». وتابع: «أريد أن أعمل مع زملائي لنرى إذا كان يمكننا تقليص الخلافات».

وكان كيري يقوم بجولة في الشرق الأوسط وقدم إلى جنيف من تل أبيب، حيث اجتمع لساعات مع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الغاضب جدا من احتمال التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي.

وقال نتنياهو أثناء لقاء متوتر جدا مع كيري في مطار بن غوريون بتل أبيب إن «إسرائيل ليست ملزمة بهذا الاتفاق، وستعمل كل ما هو ضروري للدفاع عن نفسها وعن أمن شعبها».

وجدد القول بأن بلاده ترفض التسوية التي يجري التفاوض بشأنها في جنيف «بالكامل» وترى فيها «صفقة القرن بالنسبة لإيران».

ودعا نتنياهو كيري إلى «عدم التسرع في التوقيع والانتظار ومراجعة موقفه للحصول على اتفاق جيد».

وكان من المقرر أن يجتمع كيري الذي دعته كاثرين أشتون وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي التي ترأس الاجتماعات، بالخصوص مع أشتون ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف.

في غضون ذلك ردت الإدارة الأميركية أمس على انتقادات إسرائيلية قائلة إن الانتقادات التي عبرت عنها إسرائيل بشأن اتفاق مرحلي مع إيران حول برنامجها النووي «سابقة لأوانها».

وقال جوش إرنست مساعد المتحدث باسم الرئيس الأميركي باراك أوباما إنه حتى الآن «ليس هناك اتفاق» في مفاوضات جنيف.

وأضاف في لقاء صحافي على متن الطائرة الرئاسية التي تنقل أوباما من واشنطن إلى نيو أورلينز (لويزيانا، جنوب)، أن «أي انتقاد للاتفاق سابق لأوانه».

وأكد إرنست الذي سئل تحديدا حول تحذير رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لوزير الخارجية الأميركي جون كيري من اتفاق مع طهران، أن «الولايات المتحدة وإسرائيل متفقتان تماما حول ضرورة منع إيران من امتلاك سلاح نووي».

من جانبه قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أمس إنه لا تزال هناك أسئلة رئيسية لم يجر الرد عليها في المحادثات الجارية في جنيف حول برنامج إيران النووي، لكن العمل مستمر من أجل التوصل إلى اتفاق. وقال فابيوس في بيان أرسل لرويترز إن فرنسا تريد اتفاقا جادا حول برنامج إيران النووي. وتابع قائلا: «حتى الآن لا تزال هناك أسئلة رئيسية لم يجر حلها، لكننا نعمل في جنيف من أجل هذا إذا أمكن».

يذكر أن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس كان أول الوزراء وصولا، وما إن استقبلته أشتون بمدخل فندق إنتركونتننتال حتى التفت وتوجه مباشرة للحشد الضخم من الصحافيين والكاميرات التي كانت في انتظاره، معلنا أن دخول المباحثات مرحلة «صلبة» دفعه للحضور، خاصة أن بلاده تريد اتفاقا يحمل خطوات ملموسة تخفف منذ لحظة انطلاقها مما يثير بواعث القلق إزاء البرنامج الإيراني، ومن ثم عاد لأشتون مما فسرته مصادر «الشرق الأوسط» بأنه رسالة صريحة أن فرنسا التي تنتابها شكوك قوية حول سلمية النشاط النووي الإيراني لن توقع لمجرد توقيع آخرين، بل هي لاعب أساسي ونافذ.

ويذكر أن فرنسا على وجه الخصوص ليست غريبة أو بعيدة عن تفاصيل بدايات النشاط النووي الإيراني؛ إذ كانت من الدول الداعمة له عند إنشائه إبان حكم الشاه، ثم عاودت محاولة التأثير عليه بدعمها للمقترح الذي قدمه مدير الوكالة الأسبق محمد البرادعي 21 أكتوبر (تشرين الأول) 2009 عندما عرض استبدال 1200 من إجمالي 1500 كيلوغرام من مخزون إيران من اليورانيوم المخصب مقابل إرساله إلى روسيا لزيادة مستوى تخصيبه من 3.5 في المائة (التي كانت النسبة الوحيدة التي حققتها إيران حينذاك) إلى نسبة 20 في المائة ومن ثم إرساله إلى فرنسا لتحويله لقضبان وقود نووية تحتاجها إيران لتشغيل مفاعل طهران البحثي، إلا أن إيران عادت بعد يومين ونقضت موافقتها المبدئية مطالبة بإدخال تعديلات فنية واقتصادية، ثم رفضت الاقتراح جملة وتفصيلا معلنة أنها لا تثق في فرنسا التي لم تسدد ما عليها من أموال كانت قد تسلمتها إبان عهد الشاه. وتعتبر فرنسا أنه يتوجب استيضاح الموقف الإيراني بشأن «بناء مفاعل يعمل بالمياه الثقيلة في أراك» قادر على إنتاج بلوتونيوم يمكن استخدامه لغايات عسكرية، وما سيؤول إليه مخزون اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة، و«مسألة تخصيب اليورانيوم بوجه عام في إيران» بحسب هذا العضو في الوفد الفرنسي.

وكانت واشنطن أكدت تقديم عرض لإيران يشمل تخفيفا جزئيا للعقوبات مقابل تقديم طهران خطوات ملموسة تمكن من التحقق من سلمية برنامجها النووي المتهم بأبعاد عسكرية وتجاوزات وعدم التزام باتفاقات الضمان النووي حسب اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، مما أدى لتكبيلها بحزم من العقوبات الاقتصادية.

وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط» نبه مصدر إيراني إلى ضرورة عدم إهمال حقيقة اقتصادية ترتبط ارتباطا وثيقا بالوصول لحل لقضية الملف النووي الإيراني والخروج به من دهاليز السرية، مما سيعيد إيران شريكا تجاريا فاعلا مع دول منظومة الاتحاد الأوروبي التي شددت في أكتوبر من العام الماضي من سلسلة إجراءات وحظر وعقوبات نفطية وتجميد أصول ومعاملات مالية وتجارية شملت حتى قطاع الاتصالات سوف يصبح بإمكانها جميعا العودة بعد رفع العقوبات، سيما أن عضوي الوفد الدولي روسيا والصين لم يلتزما حرفيا بالعقوبات، أو كما قال.

وفي لندن أعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إثر لقاء مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند حول البرنامج النووي الإيراني أن محادثات جنيف حول هذا البرنامج «توفر فرصة لإحراز تقدم حقيقي».

وقال كاميرون على حسابه على «تويتر»: «تحدثت للتو مع الرئيس هولاند بشأن إيران. نحن متفقان على أن محادثات بناءة في جنيف توفر فرصة لإحراز تقدم حقيقي». وأكدت متحدثة باسم رئاسة الحكومة البريطانية لوكالة الصحافة الفرنسية: «بلغنا مرحلة مهمة في المحادثات في جنيف».

من جهته قال عباس عراقجي نائب وزير الخارجية الإيراني إنه يمكن التوصل إلى اتفاق مبدئي بشأن البرنامج النووي الإيراني بعد اجتماع وزير الخارجية الأميركي بنظيره الإيراني جواد ظريف أمس. وأضاف عراقجي في الوقت الذي وصل فيه كيري إلى جنيف، أنه في هذه المرحلة الحساسة من المحادثات سيجتمع كيري وظريف ومفوضة السياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون قبل الانتهاء من صياغة نص الاتفاق.

وتابع: «عقب ذلك، يمكن أن تتبناه كل الأطراف»، في إشارة إلى إيران ومجموعة القوى العالمية الست المؤلفة من بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة وألمانيا.

وفي موسكو قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن الدول الست الكبرى وإيران يمكن أن تتفق على خارطة طريق لإنهاء الخلاف حول برنامج طهران النووي خلال محادثات جنيف أمس.

وقالت وزارة الخارجية الروسية أيضا إن هناك تغيرات إيجابية في المواقف التفاوضية، وإن الجانبين يهدفان للتوصل إلى نتيجة ملموسة في جنيف.

وقال لافروف للصحافيين في موسكو: «لا أريد أن أخوض في أي تكهنات، لكن هناك فرصة للاتفاق على منهج مشترك موحد، بما في ذلك خارطة طريق تنهي هذه المشكلة».

وأضاف أن روسيا تريد حلا يعترف بحق إيران في أن يكون لها برنامج نووي سلمي، وفي تخصيب اليورانيوم تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

إلى ذلك أعلنت مصادر دبلوماسية أمس أن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو سيزور طهران ليستأنف الاثنين المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل.

وأعلنت وكالات الأنباء الروسية الجمعة نقلا عن مصدر في الوفد الروسي، أن وزير الخارجية سيرغي لافروف يعتزم التوجه إلى جنيف اليوم للمشاركة في المفاوضات مع إيران.

وقال مصدر نقلت عنه وكالة «ايتار تاس» من جنيف إن «لافروف لديه النية» للتوجه إلى جنيف، مضيفا: «نأمل أن تتيح مشاركته في المفاوضات التوصل إلى نتائج إيجابية». وكان متحدث باسم الخارجية الروسية قال في وقت سابق إن لافروف لا ينوي التوجه إلى جنيف.